خبرة اليمنيين في التعامل مع الخارج، تفوق خبرة الخارج في التعامل معهم، وتكاد القوى المحلية بسبب اتقانها لبناء التحالفات، واجادتها باللعب على المتناقضات، تمتاز بمرونة عالية تمكنها من التعامل مع جميع الأطراف، خصوصا، إذا كان هنالك أكثر من طرف دولي مهتم بما يجري داخل الساحة المحلية، فها هنا تتجلى العبقرية اليمانية في استغلال المتنافسين، ليس من أجل الكسب المادي، وحسب، بل يأتي في المقام الأول الكسب المعنوي، المتمثل باثبات الذات، وتأكيد حضورها في صناعة الأحداث وتحريكها، ثم في استنزاف الخصوم، والتلاعب عليهم كتأكيد آخر، وانما بطريقة غير مباشرة على أنهم - اي القوى الاجنبية - ليسوا سوى عوامل ثانوية في صناعة الأحداث، بل ان هذا ديدن القوى المحلية في التعامل مع كل سلطة قائمة تخوض الصراع على الحكم، وهذا ما راكم خبرتها خلال قرون عديدة، واعطاها تجربة ثرية وغنية في ادارة الصراعات المحلية أو مع الخارج!!
لقد ظلت القوى المحلية تحرز الربح وفق امكاناتها المحدودة، على كل قوة أجنبية تحاول الهيمنة على البلاد، وقد ساعدها على ذلك طبيعة الأرض وتضاريسها الجغرافية التي حالت دون تمكين أي قوة خارجية من التوغل في الداخل اليمني، وكانت المكاسب التي يجنيها الخارج في اغلب الأوقات هي السيطرة المحدودة زمانا، ومكانا على بعض المناطق، بحيث كانت تنحصر مفاعيله داخل بعض المدن الرئيسية بدون ثبات او استقرار، إذ ظلت الانتفاضات المحلية تهدد بقاءه واستمرار هيمنته على بقية الرقعة اليمنية، ومن أمثلة ذلك الغزو الحبشي والفارسي .
لقد كانت المكاسب التي يجنيها الخارج في أغلب الأوقات هي الخروج بصورة مشرفة، وكانت القوى الداخلية احيانا تمنح حليفها الخارجي اعترافا بمشاركته من ناحية معنوية بالنصر، كما حصل مع القوات المصرية بعد خروجها من اليمن، وكانت في بعض الأوقات تسمح لخصمها الأجنبي، الاحتفاظ بماء الوجه، وذلك بعد أن تعمل على استنزافه وارهاقه، ومن أمثلة ذلك موقف الإمام يحيى من القوات العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى بحيث رفض خلالها الاشتراك في الثورة عليهم بتحريض من بريطانيا، كما فعل الشريف حسين في مكة!