تقدّم تجربة دولة الإمارات في محاولة السيطرة على اليمن مجموعة من العناصر المفيدة لمقارنتها مع ساحات أخرى، فبعد انحياز الرئيس الراحل علي عبد الله صالح إلى الحوثيين تركّزت خيارات أبو ظبي على دعم حركة الجنوب الانفصالي، مبقية في الوقت نفسه خطوطا مفتوحة مع صالح عبر ابنه المقيم في الإمارات، وهو أمر ساهم، على الأغلب، في تصاعد النزاع بين جماعة صالح، من عسكريين وحزبيين، والحوثيين، الذي أدّى إلى وفاته، والتركيز، بالتالي، على الحركة الانفصالية، والميليشيات الأخرى المدعومة عسكريا وماليا من الإمارات.
ويبدو أن إدراك الإمارات أن حركة الجنرال خليفة حفتر وصلت إلى حدودها الجغرافية والسياسية الممكنة القصوى، دفعها، كما هو الحال في اليمن، إلى الاشتغال على أوراق سياسية وعسكرية جديدة، كان آخرها ترشح عارف النايض، سفير ليبيا السابق في أبو ظبي، لمنصب رئيس ليبيا، وهو ترشيح يحاول تمكين الإمارات بالانتخابات ما لم تتمكن من الحصول عليه بسلاح حفتر.
إضافة إلى هذه النقلة المحسوبة فإن أبو ظبي تعمل على سكّة ثالثة تتشارك على تنفيذها عمليّة عسكرية للجنرال حفتر باتجاه الجنوب الليبي، وعملية سياسية يقودها رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان لإقناع قبائل الجنوب بتشكيل حكومة انفصالية يرأسها، مع إغراءات بدعم ماليّ إماراتي كبير ومشاريع «عملاقة» في جنوب ليبيا.
عملية «فرض القانون» في جنوب ليبيا التي يقودها حفتر، ستحاول تطبيق سيناريو السيطرة على الهلال النفطي التي جرت العام الماضي، وهو ما يستلزم غارات جويّة، يُتوقع أن يشارك فيها الطيران الإماراتي والمصري، أما خطة ترئيس زيدان على حكومة فزان، فقوامها الوعود الخلّبية وبعث الاتجاه الانفصالي القديم في فزان عن الدولة الليبية.
تكشف هذه الخطط عن تحوّل الشخصيات السياسية والعسكرية الليبية، من الجنرال حفتر، إلى عارف النايض وعلي زيدان، إلى كومبارس في مسرحية عسكرية سياسية تقودها الإمارات، مع مساندة إقليميّة مصرية، ومساندة دولية فرنسية.
كما أنها تكشف أن خطط الإمارات للسيطرة السياسية والعسكرية على ليبيا تخدم عدّة أهداف.
أول هذه الأهداف هو تكريس منظومة الاستبداد الأمني العربي والإغلاق النهائي لفصل الثورات العربية ووأد أي أحلام شعبية عربية في مجتمعات مدنية ديمقراطية لا يحكمها تحالف العسكر والأمن وحيتان الرساميل والأعمال الفاسدة.
تتعامل الإمارات مع هذا الهدف السياسيّ الذي يعني، عمليّاً، تدمير المستقبل العربيّ على أنه، في الوقت نفسه، مجال استثماري خاصّ بها، ويفترض أن يعود عليها بأرباح مجزية، فمعلوم أن النفوذ السياسي يمكن صرفه على شكل أنواع من الاحتكار الاقتصادي والاستحواذ على الثروات الطبيعية، ووضع اليد على موانئ ومناطق جغرافية استراتيجية.
أما كيف تستقيم الوعود البراقة بالمشاريع السياحية والتجارية الضخمة مع الخطط العسكرية لغارات جوية مكثّفة على حواضر الجنوب الرافضة للتقسيم، فهو سرّ محفوظ لا أحد يستطيع حلّه سوى أحبار السياسة الإماراتيين.