مساء أمس كنت في مستشفى الثورة بتعز، أزوره مضطرا.
سقطت إبنة أخي الراحل عبدالرقيب، عليه ألف رحمة، مصابة برصاصة ، وعلى الفور كان يجب إنقاذها بعملية جراحية.
كانت تستعد لاداء امتحانات نصف العام، فلم تمهلها رصاصة غادرة عشوائية ضمن حملة ميليشيات الإجرام الإيراني على مدينة تعز.
مزقت طحال الفتاة الغضة، والحجاب الحاجز وأستقرت بجانب العمود الفقري.
من حسن الحظ أن الرصاصة لم تلامس النخاع الشوكي، مازالت بجواره، وأظنها ستحتفظ بها مكرهه كأسوأ تذكار يمكن لأحد أن يحمله.
بينما كانت في العمليات الساعة الحادية عشرة ليلا، كان المستشفى هدفا لضربات عشوائية من مواقع الميليشيات،بمدافع مضادات الطيران ورشاشات متوسطة ، كأنها تقول للجرحى الذين كانوا محظوظين لانهم نجو من القتل، يجب ان تقتلوا بأي طريقة ولا بأس من الحصول على ولائم إضافية من المرافقين ..
بالقرب من مدخل قسم العمليات حاولت أن افتح هاتفي فصرخ بي أحدهم " طفي تلقونك با يضربوا من تبة السلال " ثم أخذ يحكي عن الضرب اليومي الى المستشفى لمجرد أن تحاول إشعال حبة دخان ..
لا أحد يهتم من المنظمات الدولية وقبلها المحلية، في الحديث عن هذا الأمروتقديمه للعالم كما يجب: كيف يتم استهداف مستشفى يقدم خدمة للجرحى والمصابين، بصورة يومية، رغم أن ذلك يعد من جرائم الحرب وفقا للقانون الدولي الإنساني..
على الأقل علينا ان نشتكي بصورة جيدة، وان تصل الشكوى للمعنيين ، حتى لو لم يهتموا، لكننا للأسف لا نفعل شيئا يستحق أن نقول بأنه جهد..
كل المستشفيات الرئيسية في تعز كانت عرضة للقصف بقذائف الدبابات والهاون ومضادات الطيران ، لكن مستشفى الثورة هو الهدف اليومي، لميليشيات الإجرام الإيراني.
قبل فترة قصفت الميليشيات العناية المركزة وقسم العمليات، فأظطرت ادارة المستفشفى لتحويل قسم الحروق ، المنحة الألمانية ، الى قسم للعمليات....
استمعت لمتاعب رجل مسن يجلس في مدخل قسم العمليات، كان يتحدث والفاجعة تغشاه ، كيف جرى إطلاق النارعلى إبنه الذي سقط برصاص الميليشيات في أحد مداخل المدينة : رصاصة ضربت مرفقه الأيمن، ومرقت أمعاءه لتعبر الى اليد الأخرى ..!
لا سبب يجعل من فلاح بسيط وأبنه هدفا للميليشيات سوى أن هذه العصابة تمارس بعض طقوسها الإجرامية فوق العزل، ويبدو أن ساعات مرت في حياتهم خالية من الدم والجريمة، فقرروا تلبية غريزة متوحشة وأصيلة وإرسال الشاب الى الموت ..!
شعرت بمرارة الإيذاء الذي يتعرض له الناس العزل في حياتهم بتعز، فأينما ذهبت ترى المأساة الدامية، في الوجوه، وقلوب يمزقها الشعور بالخذلان..
خذلان الفقر الذي يطبق على الجميع، وخذلان السلطة الشرعية التي تتفرج، والتحالف الذي بالغ في لعبة الإستنزاف للميليشيات، فنزفت تعز اكثر مما ينبغي.
ربما لم نجرب أنا وأنت، شعور من يحاول إنقاذ روح برئية لقريب نال منه القتلة، فتجد القتل وعصابات الجريمة تلاحقك لإلحاقك به ...
هذا شعور بشع، يدفعك لكراهية سلالة هذه العصابة الحقيرة لألف عام قادم !
الناس هنا يقتلون الف مرة، ولا أسو من أن تواجه تبعات عدوان لئيم وحاقد، أغرته القوة على صناعة البؤس والدماربهذه الصورة التي تفتقد الى الشرف،فكلما سالت قطرة دم إنتابت القتلة مشاعرانتشاء مصاصي دماء، تهيجهم الجثث لإضافة المزيد من الأوراح الى ضحاياهم ...
لا أعتقد أننا سننسى وأن الجرح سيلتئم، فقد شيدوا جدران الكراهية، وخدموا " ربهم " في طهران، كما ينبغي لكلاب صيد، تفعل مايريح سيدها....
دعوا مصطلحات الصالونات، عن " العدالة الإنتقالية "جانبا ولا أظننا حتى على موعد مع مثل هكذا صيغ أرسلها العالم "المتحضر" الينا بينما هوما يزال يعاقب نازيي الحرب العالمية الثانية بوضعهم في السجون ..
ربما تنجح العدالة الناجزة وحدها بشفاء هذه المشاعر الرهيبة من الكراهية، فقط إن كانت عدالة تأخذ من القاتل روحه ليرجح ميزانها في قبر الضحية ...!
أكاد ألامس هذه المشاعر كقبضة يد: لن نسامح ولن ننسى ..!