أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتصالين هاتفيين بسمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وبالشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت على التوالي، وأشادت وسائل إعلام الدولتين باتصال الرئيس الأمريكي، وقيلت فيهما أقوال تكاد تكون تمجيدا لكل ما حدث، وأصدر البيت الأبيض بدوره خبر الاتصالين، ومعلوم عند الجميع بانهما تناولتا العلاقات الثنائية بين الدولتين والولايات المتحدة الأمريكية، وأحوال المنطقة عامة. مثل هذه الاتصالات بين دول صغيرة الحجم مساحة وندرة سكانية وإمكانات مالية ضخمة مع دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية تفرحنا من ناحية، وتخيفنا من ناحية أخرى..
في أمريكا قوانين "حرية الوصول الى المعلومات" إلى جانب مؤسسات متعددة بحكم وظيفتها ستطلع على تفاصيل اتصالات الرئاسة أو المؤسسات السيادية مثل الخارجية والدفاع والأجهزة الامنية، وحتما ستتسرب إلى الرأي العام الكثير من أسرار تلك الاتصالات وغيرها عن طريق الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى.. في عالمنا العربي لن يحدث ذلك بسهولة لأن "السرية" هي أساس الدبلوماسية في عالمنا العربي.
(1)
بحكم تواجدي في نيويورك قدر لي زيارة جامعة كولومبيا والتقيت في نادي أعضاء هيئة التدريس في الجامعة نخبة من الأساتذة، وكان لقاء غير مرتب من قبل، ودار بيننا حديث عن أحوال الشرق الاوسط، عن القدس، وعن اليمن وسورية والعراق وعن حصار قطر من قبل الأشقاء، وعن المكالمات الهاتفية الأخيرة التي أجراها الرئيس ترامب مع بعض زعماء دول مجلس التعاون الخليجي. قلت في الشأن السوري: إن روسيا اليوم حققت ما لم تستطع الامبراطورية القيصرية ولا امبراطورية الاتحاد السوفييتي تحقيقه، اي الوصول الى المياه الدافئة. انهم تموضعوا على شواطئ البحر الابيض المتوسط ومن الصعب إخراجهم من هناك، قال احدهم كان الاتحاد السوفييتي في مصر متواجدا بقوات جوية وبحرية ضاربة واستطاع أنور السادات إخراجهم في أقل من شهر، قلت هذا صحيح، ولكن كان تواجد موسكو في مصر في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بموجب معاهدات واتفاقيات بين القاهرة وموسكو، وطلبت الدولة المضيفة، مصر، انهاء العمل بتلك الاتفاقيات وكان لها ما أرادت، لكن الوضع في سورية اليوم مع موسكو وضع مختلف، إنها قوة احتلال مكتمل الأركان، وله شريك آخر وهو إيران والاثنان لن يتخليا عن نفوذهما في سورية إلا بحد السيف، وطبعا هذا على حساب النفوذ الامريكي في المنطقة، ولو أن الاخيرة احتفظت لنفسها بقوات عسكرية في نتوء جغرافي شمال سورية لن يكون له دور فعال في المنطقة.
أما الحال في اليمن فانه محزن للغاية قلت: كنت من أنصار عاصفة الحزم عند بدء أعمالها، ولست وحدي، بل كان لها أنصار عبر العالم العربي وذلك من أجل ردع الانقلابيين على الشرعية ودحر التمدد الإيراني واستعادة الشرعية. مع الأسف سارت الأمور في غير طريق الصحيح، طال زمن الحرب واتضح أن لكل طرف من أطراف العاصفة هدفا غير هدف استعادة الشرعية وحلت الكارثة باليمن ولا بد من جهود صادقة لاستعادة الشرعية وانهاء الحرب.
(2)
يوم الخامس من يونيو/حزيران، يوم لا ينسى ولا يمحى من الذاكرة، كان يوم النكسة / الهزيمة للعرب عامة ومصر وسورية والأردن خاصة من قبل إسرائيل عام 1967،والخامس من الشهر نفسه عام 2017 لا ينسى من الذاكرة، يوم فرض الأشقاء في الخليج العربي الحصار على دولة قطر انطلاقا من أكذوبة إعلامية وتزوير أقوال لقيادات سياسية عليا في قطر، والحق أن الحصار فرض على قطر حقدا وغيرة وحسدا وضغينة، وقد تضرر الجميع من هذا الحصار على كل الصعد. طرح سؤال عن علاقة الخليج بالرئيس الامريكي دونالد ترامب وهل يثق قادة الخليج فيما يقول؟ قلت: منا من يثق به لانه كان المحرض على استعداء قطر بتغريداته غير المسؤولة والتي كادت ان تحل بالمنطقة كارثة سياسية لا يعلم نتائجها إلا الله، ولكن سرعان ما تداركتها المؤسسات السيادية الامريكية، أعني الخارجية والدفاع، ومنا من يتعامل معه بحذر لانه رئيس أقوى دولة في العالم. وإلحاقا باتصالاته الهاتفية مؤخرا مع أمير دولة قطر وأمير دولة الكويت على التوالي سأل سائل: ماذا تعني لي تلك الاتصالات مع العلم ان ترامب يشكل خطرا كبيرا على الأمن والسلم في العالم، وكذلك في الداخل، إن تصرفاته السياسية داخليا وخارجيا لا توحي بالاطمئنان. ما أعلن عن تلك المحادثات الهاتفية أنه قدم شكرا لكل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح على جهودهما من أجل محاربة الارهاب والتطرف وحرصهما على المحافظة على وحدة دول مجلس التعاون، لكني والحق إنني أتوجس خيفة من كل اتصالاته مع قادة الخليج العربي، وقريبا ستنشر أسرار تلك المحادثات في نيويورك تايمز أو الواشنطن بوست، ونحن ملتزمون بسرية المعلومات التي قد تؤثر في مستقبل المنطقة برمتها في عصر إدارة الرئيس ترامب الذي يصفه الامريكيون بـ "الكذاب".
وللحديث صلة.
آخر القول: دبلوماسية"سرية" التواصل بين القادة العرب ونظرائهم في الغرب، مضرة إلى حد بعيد بنا نحن العرب، فهل من سبيل إلى الوصول إلى جزء من تلك المعلومات وليس بالضرورة كلها كي لا يفاجأ الرأي العام عندنا بمواقف غير محسوبة.
*الشرق القطرية