نجح لوبي الحوثيين خارج اليمن والمدعوم طوال السنوات الماضية من علي عبدالله صالح بحرف مسار العالم عن الجرائم التي ترتكبها مليشيا الحوثي في الداخل، وصعد المشكلة الانسانية الى الواجهة لتصبح هي الطاغية.
الامر انعكس ايضا على الاسلحة التي تباع للسعودية والدعم اللوجستي المقدم من واشنطن للتحالف العربي، باتت هذه الاسلحة محل انتقاد من قبل الرأي العام الامريكي.
اليوم نشر موقع (صالون) تصريحا لمحلل سياسي امريكي شبه فيها حديث سفيرة امريكا في الامم المتحدة والتي تحدثت عن وجود أدلة بتقديم ايران الصواريخ للحوثيين بأنه يشبه حديث وزير الخارجية الامريكي الاسبق كولن باول عن وجود أسلحة دمار شامل للعراق، بمعنى أن هناك تشكيك كبير بحقيقة تلك الصواريخ، وهذا الرأي يخدم ايران كثيرا ويمنحها الفرصة للإيغال أكثر.
بل وصف المحلل هذا الحديث بالنفاق من أعلى مستويات.
الاعلام الامريكي يخوض معركة مع ترامب الذي يشعر بحساسية كبيرة من الاعلام و FAKE NEWS ولذلك هناك تصعيد واسع ضد الدور الامريكي في اليمن، ويمس ترامب بالمقام الاول.
وليام د. هارتونغ، مدير مشروع الأسلحة والأمن في مركز السياسة الدولية قال للصحفيين معلقا على تصريحات سفيرة أمريكا عن أسلحة وصواريخ ايران في اليمن "اعتقد ان البعض في الادارة يدرك ان هذه الكارثة الانسانية في اليمن ليست سيئة فقط للشعب اليمني بل هي وصمة عار على سمعة الولايات المتحدة".
منتصف يناير القادم سيحل موعد التصديق على البرنامج النووي الايراني في امريكا، وهذا ما يفسر تحليل البعض بأن التصعيد الامريكي ضد ايران واتهامها بدعم الحوثيين بالصواريخ التي هاجموا بها الرياض مقدمة أمريكية لاتخاذ خطوة ما تجاه البرنامج النووي الايراني، مع العلم ان ترمب وعد في حال فوزه بإعادة النظر بهذا الاتفاق الذي أبرم في عهد الرئيس السابق باراك اوباما.
الصحافة البريطانية هي الاخرى شنت حملات واسعة على موقف الحكومة البريطانية من اليمن والازمة الانسانية المتصاعدة فيه، ووصل الامر حد تهديد وزير بريطانية باتخاذ موقف مع السعودية في حال عدم فتح المجال أمام تدفق المساعدات الانسانية الى ميناء الحديدة.
قبل أقل من أسبوع احتفلت 350 شخصية بارزة من بينهم ستة من الحائزين على جائزة نوبل للسلام والجنرالات العسكريين السابقين والسياسيين والدبلوماسيين والمشاهير احتفلوا بما أسموه اليوم الـ 1000 للحرب الأهلية في اليمن ودعوا قادة فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لوقف " لهيب الحرب " واستخدام مقاعدهم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للعمل كوسطاء للسلام في اليمن.
من الواضح أن الحديث عن الوضع الانساني في اليمن يتصاعد وتتوسع دائرته أكثر من أي وقت مضى، وكان لمرور 1000 يوم من الحرب زخما كبيرا وحظي بتغطية واسعة من الصحف الدولية الشهيرة حول العالم.
هذا الخطاب الاعلامي في غالبه لم يعد يتعامل مع القضية الرئيسية في اليمن، كمشكلة بين مليشيا انقلابية ممثلة بمليشيا الحوثي وطرف شرعي ممثلا بالحكومة اليمنية الشرعية، بل إن الممارسات الطائفية التي يمارسها الحوثيون داخل اليمن في كل أتجاه لا تحظى بالحضور الكافي، او يتم تناولها باعتبارها مشكلة حقيقية، ومنبع للصراع، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فمختلف الانتهاكات التي تمارسها الجماعة الحوثية لحقوق الانسان اليمني لا تكاد تجد طريقها للإعلام الدولي او المهتمين حول العالم، الا بالشكل البسيط.
نحن بالفعل أمام قضية شائكة وخطيرة، ففي الوقت الذي نتمنى فتح منافذ اليمن لتدفق المساعدات لليمنيين الذين يعانوا من مختلف الامراض والاوبئة والجوع والنزوح، نواجه ايضا جهلا واضحا بحقيقة المشكلة اليمنية وجوهرها، وهذا الأمر بالتأكيد يخدم المليشيا الحوثية، ويبقي جذوة النار مشتعلة في اليمن.
ومن وجهة نظر شخصية فمن المؤكد أن الخطاب الاعلامي التابع للحكومة الشرعية والتحالف العربي قد عجز في تقديم الواقع الحقيقي لما تعانيه اليمن أمام الرأي العالمي، وعزز عجزه بسلسلة من الاخطاء والممارسات التي جعلت الحكومة والتحالف عرضة للنقد ومادة دسمة للتناول والتجاذب في الاعلام الدولي.
في الخطاب الاعلامي للتحالف وكذلك الخطاب الحكومي للشرعية يبدو لافتا الضخ الاعلامي عن إيران ودورها وخطرها في اليمن والمنطقة، لكن ذلك لم يتم تعزيزه بالأدلة ليكون مقنعا للرأي العام العالمي، فالعالم اليوم ينظر الى طفل مريض ومٌسن مشرد وأمراءه جائعة أكثر مما ينظر لماذا حدث كل هذا لهؤلاء.
هذا لا يعني التقليل من الدور الايراني في اليمن، ولكن بقاء هذا الوضع دون توضيح يخدم إيران نفسها، ويمد الحوثيين بشرايين التنفس للبقاء أكثر.
نحتاج إعلاميا لصوت مسموع يخاطب العالم، ويقدم المشكلة اليمنية بكل تفاصيلها، صوت يتجاوز أداء القنوات الرسمية لإعلام التحالف العربي، وآلياته الحالية، إلى خطاب مسئول يتزامن مع ضخ اعلامي واقعي، يستطيع أن يؤثر ويضع العالم أمام الصورة الواضحة لما جرى ويجري في اليمن.
تتحمل الحكومة اليمنية الجزء الكبير مما يجري، إذ أن ضعف الاداء الاعلامي التابع لها يعود للعديد من المسببات، لعل من أهمها إسناد المهام في مختلف مؤسسات الاعلام لشخصيات وفقا للمصالح المتبادلة ودرجات الولاء، والمجاملات الشخصية، بعيدا عن الكفاءة وفهم متطلبات الواقع واللحظة الراهنة.