مطلع ديسمبر الجاري انفجرت الأوضاع عسكريا بين أنصار صالح ومليشيا الحوثي، وانتهت تلك الأحداث بمقتل صالح في الرابع من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وعدد من قيادات حزب المؤتمر والقادة العسكريين.
عقب هذه الأحداث بدأ الحديث يعود مجددا عن العميد أحمد علي عبدالله صالح، وتحدثت مصادر صحفية أن السعودية استدعته من مكان إقامته في الإمارات، ووصل الرياض والتقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأعضاء في الاستخبارات العسكرية السعودية.
وبدأ ناشطو حزب المؤتمر في الرياض حملة تطالب باستقدام نجل صالح، وتكليفه بقيادة المعارك لأخذ الثأر لوالده من الحوثيين كما زعموا.
هذه الترتيبات لاتزال غامضة، لكنها ليست بعيدة، خاصة مع حرص الحكومة اليمنية والتحالف العربي على توحيد الجهود نحو معركة واحدة تنال من مليشيا الحوثي في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرتها.
وفقا للمعطيات القائمة فإن العميد "أحمد" اليوم يبدو مكبلا بالعقوبات الأممية المفروضة عليه، ويحتاج التحالف العربي لقرار يسقط تلك العقوبات، أو دعمه لمواصلة القتال وتحقيق نجاح ميداني، ومن ثم إسقاطها لاحقا.
فهل ينجح أحمد فيما أخفق فيه والده؟ هذا السؤال هو الذي يفرض نفسه حاليا، لكن وفقا لما كان عليه والده يختلف الأمر كثيرا، فصالح الذي حكم اليمن لأكثر من ثلاثة عقود، تمكن من إحاطة نفسه بلفيف من التشكيلات التي جعلته محميا، وحائزا على النصيب الأكبر من الولاء حتى بعد خروجه من الحكم.
من تلك التشكيلات علاقته الواسعة برجال القبائل ومراكز النفوذ، إضافة للألوية العسكرية التي تدين له بالولاء خاصة في الحرس الجمهورية والقوات الخاصة، إضافة لدور حزب المؤتمر الذي شكل إطارا لصالح في البقاء، كما لا نغفل هنا تأثير شخصية صالح جماهيريا والتي استمدها من بقائه في الحكم لسنوات عديدة.
تلك الحزمة من التشكيلات تأثرت كثيرا في السنوات الأخيرة بعد تحالف صالح مع مليشيا الحوثي، فقوات الحرس الجمهوري انفرط عقدها عندما قاتلت مع الحوثيين في أكثر من جبهة، وتعرضت للخسائر المادية والبشرية، وأحكمت المليشيا الحوثية قبضتها عليها، من خلال تحكمها بمرتبات الجنود والضباط، وتعيين قيادات موالية لها لقيادة ما تبقى من تلك القوات.
الأمر نفسه ينطبق على مشائخ القبائل الذين كانوا يدينون لصالح بالولاء، ثم تبدلت قناعتهم مؤخرا، بسبب الإرهاب المستمر للحوثي بحقهم، وشراء نفوذ الكثير منهم، وهو ما يبرر عدم نجدتهم لصالح مؤخرا.
أما حزب المؤتمر فقد تعرض لنكسة كبيرة في الداخل بعد رحيل صالح عندما أقدمت المليشيا الحوثية على قتل القيادات البارزة فيه، ووجهت ضربة قاصمة لوسائل الإعلام التابعة له، ولاحقت مختلف القيادات الباقية داخل العاصمة صنعاء وبقية المحافظات.
لذلك سيفتقد العميد "أحمد" لمثل هذه التشكيلات التي كانت بحوزة والده، ومع بقائه في الخارج، فسيبدو عاجزا عن تحريك تلك التشكيلات وإحياءها من جديد لصالحه، خاصة مع استمرار قبضة الحوثيين في الداخل.
النافذة التي يمكن أن يطل "أحمد" منها هي انخراطه مع الجيش الوطني في المعارك العسكرية من الخارج، ودعم جيوب مسلحة في الداخل ضد المليشيا، وبالنسبة للغضب المتصاعد ضد الحوثيين في الداخل، فسيكون عديم القيمة، إذا ما نظرنا للتعامل الإرهابي الذي تتعامل به مليشيا الحوثي مع الخصوم، الأمر الذي سيؤثر على وجود حراك شعبي مناوئ سواء من أتباع صالح في حزب المؤتمر، أو من مختلف التيارات المتبقية المناهضة للحوثيين.
ويوم أمس نشر حساب ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد صورة له مع "أحمد" قال بأنها كانت أثناء تقديم واجب العزاء بمقتل والده، ما يشير إلى أن الإمارات ربما ستتحرك خلف "أحمد" من جديد وفق الأهداف التي تأمل تحقيقها داخل اليمن، وهي أهداف معروفة وواضحة، ولا تحتاج مزيدا من التفاصيل.
تبقى العلاقة الأهم مع المملكة العربية السعودية ذات التأثير الأكبر في الملف اليمني، ومن ثم علاقة "أحمد" بالحكومة الشرعية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته، فهل ستذيب السعودية "أحمد" في مكون الشرعية لتخليق جبهة واحدة، أم ماذا؟ وهل ستولي أحمد مواقع رفيعة في نظام الشرعية، أم سيأتي على حسابها؟.
سيمثل "أحمد" رمزية لدى كثير من محبي والده، لكن في حال تولى المسؤولية فتنتظره العديد من الملفات، الأولى في الجانب العسكري، ويرتبط بمدى انخراطه في المعارك ضد المليشيا، والثانية في الجانب العسكري، وإمكانية تصعيده لموقع قيادي داخل حزب المؤتمر الذي بات يتطلب اليوم هيكلة وإعادة ترتيب بعد الضربة التي تلقاها من المليشيا الحوثية في صنعاء.
وفي المجمل لن يستطيع "أحمد" بمفرده خوض لعبة كبيرة في الوقت الراهن بناء على شخصيته وقدراته، وسيكون هو بحاجة للجميع في سبيل خلق صف واحد متعاضد يتوجه نحو المعركة الأهم وهي استعادة الدولة وهزيمة مشروع المليشيا، لكن ستواجه هذا المشهد عدة تحديات أبرزها الدور الإماراتي الذي يحتفظ بنظرة سلبية تجاه الحكومة الشرعية ومكونات فيها، وإذا ما مارست أبوظبي نفس سياستها في تعامله مع "أحمد" وفق مخطط الاستقطاب الذي تمارسه، فهذا يعني مزيدا من الانقسام داخل صف الشرعية، يصب في النهاية لصالح المليشيا في صنعاء.