تطورت الأوضاع في اليمن منذ يوم السبت الماضي بشكل سريع، وانحدرت البلاد إلى مستوى آخر من العنف المسلح الذي تفجر في صنعاء بين قوات الحليفين: الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، الأمر الذي انتهى بصورة أكثر دموية بمقتل الرئيس السابق صالح على يد حلفائه.
قتل الرئيس السابق في منزله، وتوافرت الروايات عن أنه قتل وهو يقاتل حتى الرمق الأخير، على عكس رواية الحوثيين الذين رووا أنهم قتلوه وهو في طريقه إلى مأرب أو سنحان هارباً من صنعاء.
سقطت رواية الحوثي بشكل كبير بعد توافر أدلة طبية على أن جثة صالح التي ظهرت في فيلم قصير بثه الحوثيون كانت توحي بمضي ساعات طويلة على مقتله، وهو ما يؤكد مقتله في بيته وبين مقاتليه. أراد الحوثيون من «مسرحية» شريط الفيديو الذي بثوه أن يقولوا إن صالح يستحق الإعدام لأنه قتل خائناً وهارباً إلى معسكر «المرتزقة» في مأرب، كما أنهم أرادوا أن يكسروا صورته الشعبية كـ»زعيم» قاومهم حتى اللحظات الأخيرة. لكن رواية الحوثيين لم تلبث أن تساقطت بعد تضافر الأدلة على عكسها، وقد رفضوا الثلاثاء تسليم جثته، واشترطوا عدم تشريحها، لمعرفتهم بأن صالح قتل قبل شريط الفيديو الذي بثوه عن مقتله بساعات طويلة، أي انه قتل في البيت، في صنعاء، لا في الطريق إلى قريته أو مأرب. وأياً ما يكن، فإن صالح قد مضى، ويبقى السؤال الأهم هو ما هي تداعيات مقتله، وماذا بعد؟
علينا أن نقرر هنا أن حلف صالح والحوثي لم يكن حلفاً استراتيجياً، ولكن كان على مستوى التكتيك، لم يكن مقدراً له أن يطول، ولكنه كان مرحلياً، ولأهداف محددة، الأمر الذي جعل البعض يطلق عليه صفة الزواج المؤقت.
انهار الحلف الذي لم يكن مقدراً له أن يعيش، وتفجر الصراع، وانتهت جولة منه على ما يبدو لصالح الحوثيين. وعلى الرغم من أن حرب الحليفين انتهت لصالحهم، إلا أن تبعات مقتل صالح، والتشفي بمقتله، والصرخات التي عدت ذلك ثأراً لـ»سيدي حسين» كان لها أثر عميق في نفوس الكثير من أنصار الرئيس السابق، مولدة حالة من الحنق المكبوت ليس لدى أنصار صالح، بل لدى قطاعات واسعة من خصومه، الذين ساءتهم نبرة التشفي الواضحة لدى الحوثيين بمقتل الرئيس السابق.
كما أن محاولات الحوثيين التغطية على حقيقة أنه قتل وهو يقاوم كثافة نيرانية لا مثيل لها، ومن مختلف أنواع الأسلحة، تلك المحاولات التي فضحت لاحقاً بتأكيد مصادر إيرانية أن صالح قتل قبل الوقت الذي أعلن الحوثيون أنهم قتلوه فيه بست عشرة ساعة، تلك المحاولات التي انكشفت في ما بعد، و»مسرحية» شريط الفيديو القصير الذي بثوه عن لحظاته الأخيرة عندما قتل «هارباً»، كل ذلك سيكون له بالإضافة إلى عوامل أخرى تداعيات على مستوى وعي قطاعات واسعة من اليمنيين داخل المؤتمر الشعبي العام وخارجه. واليوم تبدو صنعاء وهي في حالة من الغضب لما حدث، الغضب الذي يجب أن يوجه في مساره الصحيح، نحو استعادة اليمن من حكم المليشيات. هذا الأمر يجب أن تضعه حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي في الحسبان، وينبغي أن ينظر إليه التحالف العربي باعتبار، حتى تتحول حادثة مقتل الرئيس اليمني السابق إلى محرك حقيقي لجهود إحداث اختراق عسكري كبير يعيد الثقة بالأداء، ويبعث الأمل لدى اليمنيين بإمكانية استعادة دولتهم. يجب من وجهة نظري أن تعمل الحكومة مع التحالف على تغيير «قواعد اللعبة» إن جاز التعبير، وذلك بالسعي لإنشاء تحالفات جديدة.
يجب استغلال حالة الغضب العارم لدى أنصار صالح لمقتله وذلك باستيعابهم ضمن التحالف الموسع الجديد، رجال صالح هم رجال الدولة التي كانت خلال السنوات الثلاث الماضية تعمل داخلياً وخارجياً بشكل محترف ضد الحكومة والتحالف العربي، وهؤلاء اليوم يمكن مد اليد لهم وفق توافقات جديدة على المستوى السياسي، بغرض جعل الحوثيين يبدون- دولياً- كما هم منعزلين يمنياً وإقليمياً، وبلا أنصار إلا الآلة العسكرية التي يملكونها. ربما لا تروق هذه الأفكار للكثير من أنصار الشرعية، وداخل معسكر صالح، لكن الوقت قد حان للتخلص من المماحكات السياسية، والمكايدات التي مكنت الحوثي من الانفراد بالمكونات السياسية اليمنية واحداً بعد الآخر، على طريقة المثل: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
الأهم من ذلك أن يعاد ترتيب الجبهات على مستوى أعلى مما هي عليه الآن. الوضع العسكري يجب أن يتحرك وفق خطط محكمة. الحوثيون اليوم رغم النصر الظاهر الذي حققوه ضد حليفهم وغريمهم في الوقت نفسه، إلا أنهم في حالة من الترقب والتخوف من وجود طوارئ داخلية وخارجية. وعلى الرغم من أنهم حققوا نصراً، إلا أنه نصر برائحة الخسارة، إذ أن هذا النصر كان ضد حليفهم، وهذا ما لا يجعله نصراً كاملاً. من هنا، فإن ضرورة استغلال اللحظة التاريخية الفارقة في اليمن يحتم تغيير قواعد اللعبة السياسية، وتغيير خطط وتكتيكات واستراتيجيات المعركة.
وإذا لم يتم التصرف بشكل قوي وسريع ومحكم، فإن الحوثيين سيعملون بشكل سريع على إرسال رسائل تطمينات للمؤتمريين، وكافة أنصار صالح بأنهم غير مستهدفين، وأن الاستهداف كان لـ»رأس الخيانة» كما قال الحوثي في بيانه، وبالتالي سيستطيع الحوثي استيعاب صدمة المؤتمريين، واستقطاب أنصار صالح، وسيعمل التيار الحوثي داخل المؤتمر الشعبي العام على السعي لتدجين حزب المؤتمر لصالح الحوثيين، أو ربما إنشاء مؤتمر جديد بلون وصبغة حوثية، يكون على شكل المعارضات التي تنتجها الأنظمة القمعية لإظهار وجود نوع من التعددية، وهامش من الحرية.
وفي هذا الشأن سيتحتم على قيادات المؤتمر الشعبي العام سرعة لملمة الجراح، والخروج من دائرة الصدمة، بتواصل مع قيادات المؤتمر في الخارج، والتغلب على ما كان من خلافات بين «مؤتمر صالح» و»مؤتمر هادي»، من أجل الظهور بقيادة موحدة تعوض ولو جزءاً من الخسارة الكبيرة التي لحقت بالحزب، بخسارة قيادات في الصف الأول والثاني في المؤتمر الشعبي العام. أعتقد أنه حان الوقت بعد كل هذه الفترة للنظر من زاوية أخرى، وبرؤية مغايرة، والتفكير بطريقة مختلفة تماماً، من قبل كل أطراف العملية السياسية والعسكرية في البلاد.
يمكننا إذا تحرك التحالف والجيش الوطني بصورة فعالة وسريعة ومحكمة، أن نجيب على التساؤل الوارد في عنوان هذا المقال، بأن الحوثي أطلق النار على نفسه بقتل الرئيس السابق، وأنه أصاب نفسه في مقتل.
*عن القدس العربي