ما يضبحوا بك إلا الناصرين. لهم سنة ونص يطبخوا الطبخة والآن تحولوا إلى دعاة لضبط النفس, والتحذير من العواقب الوخيمة, اذا لم تتوقف المعارك الجانبية المشتعلة في شوارع تعز منذ الظهيرة. حتى هذا التباكي والوعض لم يتخلى عن نبرة التشفي ولو من باب الاعتبارات الاخلاقية. ليست هذه المهمة السياسة ولم يصل مستوى الانحطاط من قبل, بالنسبة لمن يتعاطون مع السياسة الى هذا المستوى. كنتم عنوان بارز لمرحلة وضيعة لا تزال فصولها تتوالى.
هذي عصيدكم يا ناصريين او انتم أبرز من شارك في صناعتها. كنا نعرف ان الوضع في تعز سيصل الى هذا المستوى وربما الى ما هو أبعد. هندستم الطبخة وأججتم الخلافات, بنيتم التحالفات على هذا الأساس أو من أجل الوصول إلى هذه اللحظة. بلاش وعظ الآن وضحك على الدقون.
ثلث الجهد الذي بذلتموه طوال عام ونصف كان يكفي لدراسة وفهم الاشكاليات القائمة, وبناء رؤية بديلة لتجاوزها. رؤية تنطلق من هم وطني حقيقي ومن تحديد واضح لأولوية الناس والواقع. وكان كل شيء واضحا كما هو الآن. الناس لا تحتاج الى صراعات جانبية بقدر حاجتها الى تحرير المحافظة والتخلص من كابوس الحرب وتقديم نموذج مشرف ولو بالحد الأدنى في ادارة مصالح الناس والتخفيف من مآساتهم الانسانية. نموذج سيكون بمثابة دليل للمستقبل. الآن ما هو المستقبل يا ترى في ظل هذا الوضع القائم؟
نحن في حرب, ولسنا بصدد معركة انتخابية او لدينا ترف الانخراط في المناكفات ومعارك الابتزاز الرخيصة. لسنا بحاجة الى الارتهان ايضا او البحث عن مخلص. كنا ولا نزال في امس الحاجة لأنفسنا وتنظيم جهودنا الواعية, وايضا مواجهة التجاوزات بشجاعة من لا يضمر اي تهديد او استقواء بالغير.
كان لدينا تجربة كافية وفيها دروس مهمة. تجربة الفترة التي سبقت الحرب, والتي لم ندرك جميعنا كيف نتعامل معها وما الذي تحمله لنا من خراب. كان يبرر تلك التجربة المريرة اننا كنا نعيش في وضع غير حربي وليس لدينا ادنى فكرة عن الاشياء التي ستترب على مسألة صرف الجهود ضمن سياقات غير مدروسة وكأن امر البلد لا يعنينا.
تكررت نفس التجربة لكن هذه المرة بوقع أشد ولا وجود لمبررات يمكن تفهمها.
لكي تحتجوا على انتهازية الاصلاح ونزعته الاقصائية, رغم انكم اقل من مسهم نار الاصلاح إن لم يكن قد حاباكم بما يكفي خلال العام الأول من الحرب, لكي تحتجوا لم تكونوا بحاجة إلى انتهاج ذلك المسار الذي يا ما حذرنا منه.
واليوم لكي تدعوا الحرص, لستم بحاجة لهذا التباكي. يمكنكم البحث عن فرصة أخيرة, لنقد مسلككم وبناء تصور بديل لو انكم حقا تهتمون لأرواح الناس ويهمكم أمر الحفاظ على مشروع المقاومة الذي بالتأكيد لا يمنع من مواجهة الاختلالات المرافقة بشجاعة وتجرد. لا اعتقد ان الوقت قد فات. فكروا بالأمر او على الاقل اعفونا من هذا التباكي السامج. يكفينا ان الاصلاح لم يتعلم بعد ويكرر ذات الاخطاء المرة تلو الأخرى وكأن الفهم مسألة مستحيلة.