عشت الأزمات العربية ـــ العربية على مدار خمسين عاما، وتابعت أحداث الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 والمؤامرة عليها 1961، كما تابعت الاتحاد الهاشمي بين المملكتين الأردنية الهاشمية والعراقية الهاشمية والذي لم يكتب له التاريخ النجاح لأسباب وأسباب، وتابعت وقائع انفصال الوحدة المصرية السورية 1961 وتابعت أحداث الثورة اليمنية سبتمبر 1962 وما تلاها من تدخل و حرب ضروس كان للجمهورية العربية المتحدة (مصر) والمملكة العربية السعودية أيد في تلك الحرب التي استمرت أكثر من خمسة أعوام ،الأول مؤيدا للنظام الجمهوري في اليمن، والثاني يرفض النظام الجمهوري ويؤيد عودة النظام الملكي الإمامي هناك، فبقي النظام الجمهوري وانتهى العهد الملكي الإمامي في اليمن إلى غير رجعة.
(2)
تابعت كغيري من الناس في تلك الفترة بشغف تلك الأحداث عبر وسائل الإعلام المسموعة، وما تنشره وسائل الإعلام الصحفية والمجلات التي كانت تصل إلى القاري العربي في كثير من إمارات الخليج والسعودية في تلك المرحلة ، إما تهريبا أو عبر مسافرين، قرأنا وسمعنا الكثير مما يكتب وما يقال. والحق أنني لم أجد إسفافا وانعدام أخلاق بين أطراف الخصومة بين تلك الدول. كانت الخصومة بين حكام ذلك الزمان على أشدها إلا أن الصحافة لم تكن بذيئة في تناول أوجه الخلاف بين الحكام، ولم تمس كرامة وكبرياء أي شعب من شعوب الدول المختلفة. ولم يتنابز الحكام بالألقاب إلا مرة واحدة ، كانت بين عبد الناصر والملك حسين ملك الأردن ،والثانية بين الملك فيصل وعبد الناصر ولكل أسباب ،ولكن لم ينجر الملك فيصل والملك حسين رحمهما الله إلى ميدان التنابز بالألقاب، وهم الآن الثلاثة بين يدي الله عز وجل. والرأي عندي، أنه، عندما تكون راقيا في خصامك فأنت تخبر العالم بأنك على حق ويحترمون ما تقول، وعندما تنجر إلى غير ذلك من أدوات الردح فاعلم أن العالم يعلم بأنك على باطل.
الصحافة العربية في ذلك الوقت، السيادة فيها لصحافة مصر ولبنان، ولكل دولة عربية صحافتها في لبنان، إلى جانب الصحافة الداخلية، لكنهم والشاهد الله عز وجل، لم ينزل الصحفيون في لبنان، أو أي دولة عربية على خلاف مع دولة أخرى إلى مستوى الانحطاط الصحفي والإعلامي الذي نشاهده ونقراه اليوم .لم يتعرض أي مواطن من مواطني تلك الدول العربية يعيش في أي من تلك الدول لأي إهانة لكرامته أو اعتداء عليه بأي طريقة كانت.
(3)
لا جدال بأننا في دول مجلس التعاون نعيش مرحلة من السفه والانحدار الأخلاقي والأعمال اللا إنسانية نتيجة لحصار إخواننا في السعودية والبحرين والإمارات على دولة قطر وشعبها المسالم كريم الخلق. ذلك الحصار / المقاطعة نشر إعلاما سفيها وليس من أخلاقنا في هذه البقعة من العالم . هناك تحريض على المواطن القطري من قبل وسائل الإعلام اللاأخلاقية التي انتشرت في سماء الخليج العربي.
اضرب مثلا: مواطن قطري ينتمي إلى قبيلة من أعرق القبائل العربية بني مر، ويجرَ عن غير إرادته ،إلى منطقة معزولة رملية من قبل مواطنين سعوديين ويكبلون يدية خلف ظهره، ويصورونه وهو يتعرض للإهانة تحت شعار "أنه يسب السعودية" وهو يؤكد أنه لم يسب السعودية ولا دخل له في السياسة، ويتعرض للضرب والسباب ليس عليه فقط وإنما تطاول معتقلوه على أمير دولة قطر وأمه وأبيه، فأي أخلاق تلك، وذلك مسجل على اليوتيوب بالصوت والصورة. هل نستطيع أن نقول هذه أخلاق النبلاء وتريدون عودة المياه إلى مجاريها بين أفراد الشعب الخليجي!!
لقد عمق الحصار المفروض على قطر روح الكراهية والحقد والثار بين أبناء مجلس التعاون الخليجي. لم نعهد من آل سعود في عمرنا أن مسؤولا منهم حرض وعمق روح الكراهية بين أفراد الأمة العربية، رغم خلافات وصراعات مسلحة حدثت بين بعضهم وبعض الدول الأخرى، فما بالك بدول الجوار الشركاء في مجلس التعاون.
مثال آخر أرسله إلى الخلق جميعا، مجموعة من الرعاع من مواطني دول الحصار/ المقاطعة رفعوا صوراً لسمو أمير دولة قطر الشيخ تميم ووالده ووالدته وعليها علامة (x ) وتحتها تعليق لا يليق بهم. إنه عمل حاقدين، وليس من أخلاقنا الخليجية العربية. مثل هذه الأحداث لم تحدث من أي قطري ضد مواطن سعودي أو ضد أي قائد خليجي حيا كان أو ميتا محبا لقطر أو كارها لها.
(4)
في الآونة الأخيرة جد علينا عمل كريه ذلك هو إقحام الفن الغنائي والموسيقى ـــــــــ التي تروض الروح على سمو الخلق ـــــــــ في ميدان الخصومة بين الحكام ، وأقحموا الأدب والشعر وكذلك الرياضة ليعمقوا جذور الكراهية بين الناس. لمصلحة من، كل هذا؟ هل يقبل خادم الحرمين الملك سلمان حفظه الله كل هذه الأفعال؟ وهل يقبل سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هذه الأفعال ضد قطر وأهلها؟ أشك في أنهما يقبلان، ولكن عليهما أن يضربا بيد من حديد ؛ ليكون هؤلاء المسيئون نموذجا يحتذى به على كل من يتطاول على الذات الحاكمة أو التطاول على أفراد الشعب جماعة أو فرادى باليد أو القول، وأن يكون الخلاف بين ولاة الأمر محصورا بينهم ولا يصل إلى الشعب لأن تمدد الخلاف إلى العامة أمر خطير، وخاصة أننا مجتمع قبلي لا يقبل بالضيم ولا المهانة.
آخر القول: اتقوا الله يا ولاة الأمر فينا، ولا يمتد خلافكم إلى الشعب، واعلموا علم اليقين بأنه لا رابح فيكم في هذا الخصام ولا المنطقة رابحة برمتها، واعلموا أنه لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب، وأنتم أصحاب القامات العالية.