برزت منذ فترة اصوات تتحدث عن حل وسط بين طرفين متقاتلين على الارض اليمنية، وكاننا نعيش في اطار ازمة اقتصادية يختلف فيها الطرفين على ادارة الدولة، ولسنا في اطار انقلاب مكتمل الاركان على نظام سياسي ارتضاه اليمنيون ليس فقط منذ ،2011 بل منذ ما يقارب 54 سنة، وتحديدا منذ قيام ثورتي 26 سبتمبر 1962 واكتوبر 1963 وما تلاها من حركات تصحيحة حتى ثورة 11 فبراير الشبابية.
الحقيقة ان امر هذه المجموعة كان اقل من ان يتم الالتفات لها، الا ان دخول كتاب لهم ثقلهم في الوسط السياسي والفكري العربي على الخط، هو ما استرعى الانتباه نظرا للتدليس الذي ربما مورس على البعض منهم.
ان الحلول التي يرمي لها هؤلاء فيها انقلاب ناعم على العملية السياسية والعسكرية الحالية، باعتبار ان المشهد الان من الوضوح بحيث لا يمكن ان يخفى على احد.
هناك عملية سياسية جاءت نتاج اتفاق بين الاطراف السياسية والمكونات الاجتماعية في اليمن استمرت 10 اشهر بدأت في 18 مارس 2013 وانتهت في يناير 204، و نتج عنها اقرار وثيقة الحوار الوطني بإجماع القوى السياسية اليمنية بما فيها الانقلابيون (صالح والحوثي)، واكتسبت هذه المقررات والضمانات ليس فقط الرضى المحلى والاقليمي، بل اصبحت وبقرارات الاجماع الدولي جزء من وثائق الامم المتحدة.
وما قد يجهله البعض ان القرار الصادر عن مجلس الامن الدولي برقم 2140 قد اقر مخرجات الحوار الوطني بنصه (وإذ يرحب – اي مجلس الامن - بنتائج مؤتمر الحوار الوطني الشامل، التي وقعتها الأحزاب السياسية كافة، وهو المؤتمر الذي تعتبر قراراته بمثابة خارطة طريق من أجل عملية انتقال ديمقراطي مستمرة بقيادة يمنية تقوم على الالتزام بالديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون والمصالحة الوطنية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لأفراد الشعب اليمني قاطبة).
كما انه نص على "إجراء الانتخابات العامة في الوقت المناسب، على أن تنتهي بعدها ولاية الرئيس هادي الحالية عقب تنصيب الرئيس المنتخب بموجب الدستور الجديد.".
والقرار 2140 هو تحت الفصل السابع الملزم لجميع الدول فضلا عن القوى الوطنية اليمنية بمختلف توجهاتها، اضافة الى القرار 2216، وهو ما يعني ان ولاية الرئيس عبدربه منصور هادي مقررة بموجب القرار سالف الذكر وما تلاها من القرارات.
وبالتالي نحن نتحدث عن شرعية دولية وعربية ومحلية للقيادة اليمنية الحالية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي حتى تنصيب رئيس يمني منتخب بعد اقرار الدستور الجديد.
وتاكيدا لذلك فان القرار 2216 جاء استنادا الى رسالة الريس هادي بصفته الرئيس الشرعي لليمن في رسالته لمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية والامم المتحدة ومجلس الامن للتدخل لحماية الشعب اليمني بكل الطرق ومنها القوة المسلحة.
ولما كانت القضية بكل هذا الوضوح، فان اية اطروحات اخرى لا تراعي هذه الاسس لا يمكن ان تفهم الا انها التفاف على الشرعية المحلية والاقليمية والدولية، بل ان هذه الاطروحات فيها تشكيك قانوني واخلاقي بالعمليات العسكرية التي اتت بناء على طلب الرئيس هادي وما لحقها من القرار 2216 وهي ما عرفت بعاصفة الحزم وما تلاها من اعادة الامل.
ان المتأمل فيمن تأبط على عاتقه مسمى الطرف الثالث نجد ان البراءة مشكوك فيها من خلال الاطلاع على الاجندات المطروحة، فليس من بينها الارتكاز على مخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية، وعددها ستة ابتداء بالقرار 2014 لسنة 2011، وعلى راسها واهمها القرارين 2140 الصادرين تحت الفصل السابع الاول في شهر فبراير 2014 عقب الانتهاء من مخرجات الحوار الوطني، والذي نص صراحة على اقرار هذه المخرجات، باعتبارها خارطة طريق للدولة اليمنية والدستور الجديد، وكذا قرر طي صفحة الرئيس السابق على عبدالله صالح على حد وصف القرار ذاته.
والقرار المهم الاخر برقم 2216 الصادر في 15ابريل 2015 أي بعيد عاصفة الحزم ب 10 ايام بما مؤداه اقرار العمليات العسكرية كون القرار في ديباجته استند في الاساس الى رسالة الرئيس هادي كما اسلفنا.
وبالعودة لمن يسمون بالطرف الثالث وهنا اورد ما قاله الذي تولى كبر هذا الموضوع وهو السفير مصطفى النعمان والذي نشر بتاريخ 31 يناير 2016 في موقع المصدر اون لاين مقالا بعنوان مرة أخرى عن الطرف الثالث، "إن ما يغيب عن أذهان الطرفين اليوم هو أن كليهما عاجز عن اكتساب المشروعية لأهدافه المعلنة على الأقل. "
وهذه الرؤية مخالفة للصواب، وتحمل اجندة مشبوهة، باعتبار انها تسوي بين الطرفين، وتعتبر ان ما يحصل على الارض هو مجرد نزاع على المشروعية بين طرفين متقاتلين، ملقية بكل الوثائق المحلية من اسس الحوار الوطني والشرعية الانتخابية للرئيس هادي وما تلاها من قرارات اتفقت عليها كافة القوى السياسية والمجتمعية، وهذا هو الامر الاخطر في الموضوع، بل ان المذكور يتخطى ذلك مذكرا بمشروع المصالحة بين الملكيين والجمهوريين في العام 70 وعودة بيت حميد الدين الى اليمن على حد تعبيره.
اذاً مشروع هذا الطرف في الاساس قائم على اساس استبعاد الاساسات التي قامت عليها العملية السياسية برمتها، ويهدف عمليا الى الاعتراف بمشروعية الميدان، واعادة انتاج جمهورية مشوهة تضم في اجنحتها القوى الامامية و المناطقية المقيتة التي انتجت كل هذا الدمار.
بمعنى ان النتيجة الحتمية لهذا الطرف هي اعادة انتاج العنف وتدوير النفايات معتمدا على ان ذاكرة الناس في اليمن والدول العربية ربما تصاب بثقوب النسيان.
لا يمكن لاحد انكار ولاء وقرب الشخصيات المتبنية لهذا التوجه من صالح والحوثي وهما الطرفان الانقلابيان اللذان عصفا بامال اليمنيين في اقامة الدولة المدنية الحديثة فعن أي طرف ثالث نتحدث.