بوسع المرء أن يتمنى أنه أمكن تحاشي قيام ثورة سبتمبر 1962..؟! ومع ذلك لم أتمنَّ قط، مع أنه كان يمكن أن أكون مستفيدا على المستوى الشخصي بحيث يمكن لوالدي أن يعيش حياة إضافية وكان بالإمكان أن لا أعيش يتيما في طفولتي..كان بالإمكان أن لا أرى ثورة المظلومين، ثورة سبتمبر 1962، وهي تسرق من قبل أمراء الحرب وتستغل من قبل تجار السياسة، ثم يتولى أمر البلاد من بعد مثل من ثار الشعب عليهم في 2011.
هل كان محمد البدر الذي حكم أسبوعا واحدا بمستوى من السوء بحيث يحتم قيام ثورة ضدة ..؟ لا أظن ذلك .. لكن هل كان بإمكانه لو أُعطِي فرصة أن يحوِّل الإمامة إلى نظام حكم دنيوي مدني طبيعي بعيدا عن دعاوى الكهنوت والإصطفاء والحق الإلهي .. أشك في ذلك ، حيث لا أساس ولا سياق ولا سوابق تؤيد.. وما يجري من الحركة الحوثية ومعها اليوم يؤكد صعوبة إصلاح نظام الإمامة ويوكد صحة ومدى خطرها .. وأنا هنا أوافق ما ذهب إليه أستاذنا الشهيد الزبيري عن خطر نظام الإمامة على وحدة اليمن، ولحمتها وكرامتها..
كان لا بد لنظام الإمامة أن يتوارى و يزول بشكل نهائي.. ولو قدر له الزوال قبل قرنين مثلا، لكان حال اليمن أفضل.. كان على جيلٍ ما أن يثور في وجه نظام الإمامة ويزيلها .. ويبدو أنه كان لا بد من دفع ثمن .. وواضح أنه قُدِّر لجيلنا أن يدفع الثمن.. ولكن ماذا عن ثورة فبراير 2011..؟
بإمكان كثيرين الحديث عن مزايا لعلي عبد الله صالح كإنسان، لكن ليس من بين ذلك صلاحيته لقيادة اليمن ولو فترة قصيرة جدا.. ولا أقارن بفترة البدر القصيرة، مع أن الشيخ عبد الله الأحمر قال في مذكراته بأن صالح طلب بأن يرأس اليمن ولو أسبوع واحد كي يأخذ بثأر الغشمي..!
عشية ثورة 2011 قال عبد الرحمن الراشد أن اليمن أكثر حاجة للتغيير من أي بلد في العالم وقال إن صالح رئيس بلا خيال تسبب في إفقار شعبه.. كان بإمكان الراشد أن يقول أيضا بأن صالح يحكم ويمارس السلطة دون شعوره بمسؤلية حقيقية ملموسة تجاه شعب طيب وعريق اعطاه فرصة طويلة .
قال عنه أيضا علي بن إبراهيم ابن الإمام يحيى في مقابلة صحفية قبل ثورة فبراير إن صالح انتقل من تعز الى صنعاء دون أن يدرك الفرق..ومعروف أن صالح كان قائدا للواء تعز قبل أن يصبح رئيسا لليمن.
قال عنه روبرت بوروس أنه لا يختلف في إدارته لشؤون الحكم عن الأمام يحيى.. وبوروس هو الذي وصف حكم صالح بأنه نظام حكم يديره اللصوص لصالح اللصوص بواسطة اللصوص.. كان صالح يمارس أسلوبا بدائيا للحكم مثل الإمام يحيى ولم يكن بمستوى يحيى في الحرص على استتباب الأمن والعدل بين الموطنين .. كانت المؤسسات في عهد صالح صورية بما في ذلك حزب الموتمر، وكانت كل السلطة الحقيقية مركزة في يده.
كان هناك تحالفا سلطويا، خارج المؤسسات، لكنه لم يكن مبنيا على تدبير شؤون البلد ورعاية مصالح الموطنين، وإنما كان التحالف في حقيقته وجوهره يقوم على إطلاق يد المتحالفين في مصالح غير مشروعة.. كان بإمكان صالح أن يضع أسس وطنية للتحالفات، وكان كثيرون سيقبلون أو يرضخون .. لكن حلفاءه المباشرين وجدوا "رب البيت بالدف ضاربا.. " ..!
كان الأمن مضطربا والعدل غائبا .. وقد يُقتل الناس أمام دار الرئاسة ، دون اكتراث بملاحقة الجناة من قبل جهات الإختصاص.. مع أَن قوات الأمن كثيرة وعديدة والقوات المسلحة بمئات الآلاف.
عشية ثورة فبراير كانت اليمن أفقر بلد في الشرق الأوسط، و كان حوالي نصف سكان اليمن تحت خط الفقر .. وكانت مؤشرات التنمية الإنسانية، مثل الصحة والتعليم في أدنى مستوى مقارنة بكل بلدان الشرق الأوسط.. بالمقابل كانت الثروة تتكدس في أيد قلة، وكانت مظاهر البذخ مستفزة ومثيرة لمشاعر الناس.
كان يشاهد الناس مظاهر البذخ في جوانب كثيرة مقابل البؤس والفقر الذي تعانيه الأكثرية .. وللذين يقولون لم تنصحوا ولم تتكلموا ... بلا والله.. نصحنا وتحدثنا .. ولست هنا في معرض إيراد الشواهد والأدولة على كثرتها..!
هل يعيبنا إننا لم نُصنَّف معارضة تقليدية .. أو ثوار بطعنا ..؟ ربما..
كانت سلطة صالح أمرا واقعا وكرس ذاته باعتباره متغلبا، وكثيرون أدكوا مخاطر مواجهته في وضع يمني معقد.
لكن في الأخير لم يترك عذرا لأحد، فصارت الثورة عليه إضطرارا وليس اختيارا..
من صفحة الكاتب بالفيسبوك