أثار بث قناة الجزيرة خبر "تجارة الجنس في اليمن "موجة من السخط والصخب والاستنكار في أوساط الناشطين اليمنيين، والذين شنوا حملة ضد القناة، واتهموها بأنها أساءت لشرف اليمنيين، واعتبروا أنها سقطت مهنيا، وذهب للبعض للقول بأنها لم تعد قناة الشعوب وإنما صارت أداة لتنفيذ السياسة "القطرية" وللأسف الشديد ان هناك ناشطين عرفوا أنهم واقعيين انجروا خلف هذه الحملة التي وجهت بشكل منظم لإدانة الشاهد وبراءة المتهمين.
لست هنا في صدد الدفاع عن الجزيرة فهي لا تحتاج ذلك، واعتقد أنها لن تتأثر، ولكن يجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها، ونطلق الصفات على اصحابها بعيدا عن نظريات المؤامرة، وفلسفة شق الصف، ولهذا الجزيرة بثت خبر عن تقرير صادر عن الخارجية الأمريكية يتهم سعوديين واماراتيين بتجارة الجنس في اليمن، ولم تأتي بالخبر من غرفها لتستغل الأزمة الخليجية للنيل من الدول الخليجية على حساب الشرف اليمني، فهذه القضية المعروفة بالزواج السياحي ليست جديدة، وليست إشاعة غرضها الإساءة لليمنيين كما يخيل للبعض، وإنما حقيقة قديمة ربما زاد رواجها الآن، وسبق أن بثت فضائية "العربية" تحقيق "مهمة خاصة" قبل أربع سنوات، وهذه الظاهرة منتشرة في عدد من الدول العربية الفقيرة ومنها اليمن ومصر.
من الضحالة والسطحية أن نوجه سيوفنا وسهامنا نحو ناقل الاخبار ونتجاهل المتهم بهذه الجريمة، فناقل الكفر ليس بكافر، وكان حريا بالناشطين ان لا ينجروا وراء الازمة الخليجية والتمترس مع هذا الطرف أو ذاك على حساب شرفنا وكرامتنا، وإنما التوجه بخطاب إلى الحكومة للتحقيق في هذه القضية ومعالجتها، ولكن انتم ومن خلال استنكار نشر الخبر يفهم انكم تتسترون على جريمة، وتمنحون المدان غطاء يستطيع من خلاله الاستمرار في ممارسات الفعل نفسه دون وجل، وربما تتسع مساحة انتشارها بدلا من تحجيمها.
ثارت غيرتكم من نشر خبر بحاجة إلى تحقيق لكشف خيوط القضية، ولم تغضبوا من التقارير الموثقة بالصوت والصورة عن إشراف الإمارات على سجون سرية جنوب البلاد، يجري فيها إعتقال المئات من المواطنيين، وتعذيبهم بأساليب وحشية وصلت إلى حد الشوي بالنار، والاغراق في البحر، وقضى العديد من المعتقلين تحت سياط الجلاد الذي أدعى أنه جاء يحررنا من سجون ومعتقلات المليشيات الانقلابية، وانقاذنا من مسالخ ومطاحن الموت الشيعية، ليأتي بالفعل نفسه، سجون سرية في حضرموت وعدن، تعذيب بتعليمات الاستخبارات الأمريكية، استجواب على السفن، ونقل مختطفين إلى قاعدة إماراتية في أرتيريا، اساليب مروعة في التعذيب منها "الجنسية"، كل هذه الانتهاكات الإجرامية يدعمها ويشرف على تنفيذها الأشقاء الإماراتيين، وحلفاء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في ملف "التعذيب بالوكالة "الذي كشفت عنه أواخر عام2015م عن مشاركة13دولة عربية في تعذيب معتقلين يتهمون بالقاعدة.
أحدث تقرير وكالة "اسوتشييتد برس" عن إدارة الإمارات سجون سرية في اليمن انتقادات واسعة في الدول المقدمة وفي اروقة المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، وسبق أن اصدرت عدد من تلك المنظمات تقارير عن هذا الملف، ودعت الأمم المتحدة إلى أجرى تحقيق دولي، فيما الكونغرس الأمريكي وجه بفتح تحقيق مع القوات الأمريكية المتهمة بالمشاركة في عملية التعذيب، ولازالت ردود الأفعال المنددة تتوالى، وكان آخرهم زعيم حزب العمال البريطاني الذي دعا إلى تحقيق دولي فيما طالبت منظمات حقوق بريطانية بوقف بيع السلام للامارات.
غضب العالم لأجلنا، فيما نحن لم نغضب رغم معرفتنا أن السجون في الجنوب تكتظ بالمعتقلين شباب وشيوخ قبائل وقيادات في المقاومة، وأسرهم تجوب شوارع عدن في مظاهرات تطالب بالأفراج عن ذويها، ما هذا الهون والذل والخنوع الذي أصابنا ووصلنا إلى درجة مداهنة المتهم برعاية السجون والتعذيب والتصفيات وانشاء تشكيلات عقائدية خارجة عن سلطة الدولة.
في معرض نقاشي مع احد الزملاء عن قصة الجزيرة ونشر خبر تجارة الجنس، أشار إلى أن قطر ومن خلال ذلك تبتز الإمارات، وأنها صارت -أي الجزيرة- تميل الى طرف الانقلابيين، سألته عن تقرير اسوتشييد برس هل قرأته، قال نعم، والوكالة وقعت عقد عمل مع 12مؤسسة إعلامية اماراتية ووصلت لهدفها، بمعنى ان تقرير وكالة اسوتشييتد مفبرك وغرضه ابتزاز الإمارات، قلت له سبق أن نشرت عدد من المنظمات ومنها هيومن رايتس ومنظمة سام عدد من التقرير عن نفس القضية قبل الازمة الخليجية بفترة، ولكن للأسف تملص من الرد بأسلوب منطقي يقنعني بوجهة نظره، والتي تبدو أنها تبرأ المتهم وتتهم الشاهد ،وتطمس قضية الضحايا.
لنفترض ان الوكالات والصحف العالمية، والمنظمات الحقوقية تفبرك التقارير لغرض الابتزاز أو أنها تعمل لصالح "قطر"، رغم أننا ندرك أنها مستقلة وتعمل بحياد، ولكن لنفترض ولن نخسر شيئا، ماذا عن الضحايا الذين نشاهدهم بأعيننا جثث هامدة وعليها آثار التعذيب، ماذا نقول لأسر المختطفين والمخفيين قسرا التي تستجدي السلطات في عدن إعادة ابناءها؟ هل نكذب عيوننا، ونتهم الضحايا بأنهم عذبوا أنفسهم وماتوا؟ وماذا عن مليشيات الحزام الأمني والنخبة الحضرمية؟ لماذا ترفض قرارات الرئيس؟ لماذا تمنع محافظ عدن من دخول مبنى المحافظة؟ ولماذا الرئيس لم يعود إلى عدن؟ ولماذا.. ولماذا .. هناك ألف علامة استفهام؟