كشفت تقارير عديدة صادرة عن منظمات حقوقية عالمية بينها «هيومن رايتس ووتش» و«منظمة العفو الدولية» وجود سجون سريّة في عدن والمكلا وسقطرى وحضرموت، وهي مناطق يفترض أنها تحت سيطرة السلطات الشرعية للرئيس عبد ربه منصور هادي، وهي تناظر سجوناً سرّية أخرى في المناطق التي تسيطر جماعة الحوثي وقوات الرئيس السابق علي صالح، وخصوصاً في صنعاء.
لا تخضع هذه السجون لرقابة أو إشراف سلطات قضائية بل تتبع لتشكيلات عسكرية منها قوات «الحزام الأمني» في عدن وقوات «النخبة الحضرمية» في المكلا.
غير أن المفاجأة التي كشفها التقرير أن هذه التشكيلات العسكرية تخضع بصورة مباشرة لإشراف دولة الإمارات العربية المتحدة العضو في «التحالف العربي» الذي تقوده المملكة العربية السعودية في اليمن، وأن محققين أمريكيين على علاقة بهذه المعتقلات ويشاركون في التحقيقات.
توفيق الحميدي، أحد مسؤولي المؤسسة الحقوقية (سام)، قال إن منظمته وثّقت 450 اسما في عدن والمكلا تعرّضوا للتعذيب ومنهم من تمت تصفيتهم، وأن بعض المعتقلين محتجزون منذ سنة ونصف السنة وتمارس ضدهم أشكال مروّعة من الانتهاكات.
وكان يمكن لهذه التقارير أن تمرّ كما مرّ غيرها لو كانت تتحدث فقط عن عمليات المداهمة والاعتقال والسجن خارج إشراف القضاء والتعذيب المرعب وتصفية المعتقلين، فهذه شؤون تحوّلت، للأسف، إلى علامات فارقة تميّز العالم العربيّ كلّه، حتى في الدول التي لا تشهد حروباً أهليّة واضحة المعالم، وللقارئ أن يتابع صفحات اليوم من «القدس العربي» ليجد الكثير من التقارير حول حالات الاختطاف والتصفية في مصر، على سبيل المثال، وهو بلد تدّعي سلطاته أنها تلتزم بالقوانين المدنية والشرعيّة.
لكن المثير في التقارير الحقوقية المذكورة هو أن أبناء البلد في المناطق التي يعتبرها العالم تحت سيطرة الحكومة الشرعية يأتمرون بأوامر ضباط دولة أخرى وينفّذون أوامرها، وينفذون أجندتها السياسية والأمنية، وهي دولة تحارب ضمن تحالف من أهدافه المعلنة عربيّا وعالميّا هو تثبيت هذه السلطة الشرعية وليس نقضها وتأسيس سلطات «قطاع خاص» تدار من بلد آخر.
الأغرب من ذلك هو أن أحد الأهداف الأخرى المعلنة والمعروفة للتحالف العربي هو مواجهة خطر التدخّل الخارجي في اليمن، متمثّلاً بالدعم الإيراني للمتمردين الحوثيين.
المفترض، في هذه الحال، أن يقوم التدخّل العسكري الإماراتيّ بتعزيز سلطات اليمنيين وقدراتهم على حكم بلادهم وليس حرمانهم منها وتحويلهم إلى تشكيلات عسكرية منفلتة العقال تهدّد السلطات الشرعيّة المفترضة للبلاد وتقوّض أحكام القانون وتعامل مواطنيها بطرق المتمرّدين أنفسهم من خطف واعتقال وتعذيب وقتل.
لقد قام اليمنيون بثورتهم عام 2011 طامحين إلى تأسيس نظام يحترم الحرّيات والحقوق والقوانين ويوقف الفساد العسكري والأمني الذي استنزف البلد واقتصاده وأفقر أبناءه، وجاء التدخّل الإيراني ليدعم مدّ الثورة المضادة ويجهض أحلام اليمنيين ويشدّهم إلى مزيج بشع من الحكم الإمامي المنقرض وحكم الطغمة العسكرية ـ الأمنية لعلي صالح وأبنائه.
فتح التدخّل الخليجي المناهض لإيران والمنتصر للسلطة الشرعيّة باب الأمل بعودة اليمن إلى التاريخ من باب انتصار الإخوة العرب لجارهم الشقيق لكن الذي جرى عمليّاً هو أن انخراط بعض أطراف التحالف في دعم جهات يمنية بعينها وتوظيفها في أجندة سياسية كل همّها قتال التيارات الإسلامية السنّية أضعف جبهة الصراع مع الحوثيين وقوّات صالح وأدّى إلى إطالة أمد النزاع وأدخل اليمن في أتون حروب عبثية وانهيار كامل للبنى التحتية وانتشار للميليشيات وكان المنتصر الأكبر هو الكوليرا التي تحصد ضحيّة يمنية كل ساعة.
… وهي الأجندة نفسها التي استهدفت الثورات في سوريا وليبيا ومصر.