من أهم نتائج الأحداث في السنوات الأخيرة في اليمن هي أن العسكريين باتوا أكثر ثقافةً ووعياً وعلماً من ذي قبل بمراحلٍ كثيرة تفوق الخيال. في الوقت الذي كانت فيه مؤسستا الجيش والأمن سابقاً ملاذين لمحدودي العلم والقدرة والثقافة؛ صارا اليوم متنفساً للمتعلمين والمثقفين في صفوف الأمن والجيش الوطني المدافع عن الشرعية والرافض للانقلاب، كما صارت قوات الجيش خليطاً جمع بين الدكاترة والأساتذة والمهندسين والطلاب، ورجال والكلمة والقلم في كل التخصصات وفي كل ميادين العلم.
صار الجيش الوطني ملاذاً آمنا للباحثين عن الحرية والمدافعين عنها؛ لإدراكهم العميق بأنه أصبح الأداة الوحيدة لتحقيقها، وتثبيت قواعدها، ورسم خطوطها الآنية والمستقبلية، كما أصبح القادة العسكريون يتكلمون عن أهمية العلم والإعلام في خطاباتهم التوجيهية والنقدية لسير المعارك في الحرب ضد الانقلاب وما يرافقها من تغطية إعلامية لا ترقى إلى مستوى إعلام الجبهة الأخرى، التي لديها على ما يبدو لي خطة إعلامية علمية ومدروسة، وضعها خبراء في الحرب والإعلام في خطٍ متوازٍ لسير المعارك العسكرية.
وقد تحدث اللواء الركن/ أحمد جبران قائد المنطقة العسكرية الثالثة في مأرب في كلمة توجيهية له أمام قيادات ميدانية عسكرية ومدنية عن التضخيم الإعلامي وتدليس آلة إعلام عدوهم وكذبها في تحقيق بطولات وهمية لا أساس لها، إلى الحد الذي بات الناس يصدقونه، بينما تغطية إعلام الشرعية للبطولات والانتصارات الخيالية لجيش الشرعية لا يفي بالغرض، ولا يرتقي الى مستوى حتى خصومه من الطرف الآخر الذي لديه جيشٌ من الصحفيين والإعلاميين على كل قنوات التواصل الاجتماعي والإعلامي المقروء والمرئي والمسموع.
مع إشارته إلى أن الجيش الوطني يقاتل بإمكانيات وقدرات محدودة؛ لأنه لازال في طور الإنشاء، ومقاتلوه من الأساتذة والأطباء والطلاب محدودي المهارات القتالية؛ لأنهم لا زالوا حديثي عهد بالجيش والعسكرية ويواجهون جيشاً امتلك مقدرات وإمكانيات ومخازن دولةٍ تدرب على أيدي خبراء في الداخل والخارج عقوداً من الزمن، وكذلك الميليشيات الحوثية، ومع ذلك يحققون الانتصارات الخيالية رغم كل تلك الصعاب.
أما القنبلة الخبرية التي فجرها اللواء جبران إضافة إلى محدودية إمكانيات جيشه والتي كنا في شك منها فهي أن الجيش الوطني يقاتل بدون مرتبات وتنقطع عنه شهوراً تصل الى الستة في كل الجبهات! الأمر الذي يكسر القلب، ويدمي الجوارح والروح. خيرة شباب اليمن ومتعلميه تطوعوا بأرواحهم للقتال؛ دفاعاً عن الوطن والشرعية بدون رواتب تعولهم وأسرهم يا للفاجعة!! بينما الوطن والشرعية مديرون لظهورهم، ولم يعيروهم الاهتمام ولا الرعاية التي يستحقونها.
ولا أعتقد أن قادة الشرعية لا يدركون أهمية الروح المعنوية في الحروب والتي تشكل عادة 70% من نسبة انتصارات الجيوش؛ لأنها تبعث في نفوسهم الاستعداد الأقصى للتضحية والفداء في سبيل تحقيق هدفهم وغايتهم المنشودة، وتساعدهم على التماسك والشجاعة والثبات في مختلف الظروف.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عند حفر الخندق حول المدينة " الله أكبر فتحت الروم، الله أكبر فتحت فارس" يشد أصحابه ويرفع من معنوياتهم. يقول "جون بيريه" في ذلك: " لا يُغلب الطرف الذي تكبد أكثر الخسائر في الرجال والعتاد؛ وانما يُغلب من تحطمت معنوياته قبل الآخر"؛ لأن الحروب يخوضها في العادة الشعب كله لا الجيش وحده، ومعنويات الجيش في العادة هي انعكاس لمعنويات الشعب، والكل مسؤول عن تحقيق النصر وحسم المعركة، مع إلزامية تسخير كل الإمكانيات المادية والمعنوية لتحقيق الهدف والنصر الأخير.