كلا الرجلان أحدثا في تاريخ اليمن الحديث من الفرح والأمل والألم ما لم يصنعه حكاماً قبلهم في التاريخ اليمني المعاصر، وأحدثوا جدلاً سياسياً غامراً بلغ أواره عنان السماء واعتلجت في قلوب اليمنيين كل تلك الأحداث حتى باتت على مقربة من تشكيل يمن آخر بوجه مختلف.
قال الحمدي في خضم خطاباته أثناء المعركة السياسية التي كانت تدور رحاها في عهده بينه والمنتفعين من ثورة الشعب ثورة 26 من سبتمبر الذين ورثوا السلطة عن حكم الإمامة وحلوا محلها بأبشع صورة وأدنى معتقد، مخاطباً الشعب فارداً همومه وناشراً تخوفاته على الدولة الوليدة " ماذا يريدون منا ليحاربونا وماذا يأخذون علينا ليقفوا في طريق مشروع دولتنا ألأنا وحدنا الجيش الذي كان جيوشاً تختلف وتقتتل على صغير الأمور وكبيرها وأوقفنا نهب الخزينة العامة لمن هب ودب" بعد أن رسم خطة النهضة الشاملة بالبلد الذي سحقه الطغيان وفتت كبده عاتيات الزمان.
وبرغم الرؤية الوطنية التي كان يحملها الشهيد الحمدي إلا أنه غرس في خاصرة اليمن رجلاً وصفه ذات يوم أمام القيادات الاجتماعية المجتمعية حينها في محافظة تعز إبان تعين علي صالح قائداً للواء "عينَّا لكم قائد لواء أُمي لكنه "تيس" وكان يقصد بذلك التيس الأمي علي صالح، تسميةً كانت لا تطلق على ضباط الجيش المحترفين ذوي القيم والمبادئ الوطنية بل على عكسهم من حاملي ثقافة الفتن وسلوك العصابات بدليل أنه حمل نقيض ما حمل وأنجز وخطب حتى ساعة الخيانة الأخيرة التي أسدلت الستار فيها على حياة الأول وفتحت أبواب الحياة للثاني أي "للتيس" فكان له من تلك التسمية نصيب وكان ذلك الغرس شجرة طلعها رؤوس الشياطين سلطهم على شعب اليمن فساموه ألوانا من العذاب، وضربت بجذورها أعماق البحر والمجتمع وستظل تلك الحادثة الشامة السوداء في تاريخ حكمه الرخيِّ القصير.
وفي المقابل تحمل الرئيس عبد ربه منصور هادي مسؤولية حكم اليمن في عهدٍ تلاطمت أمواجه وتراكمت طبقات الظلام في سماء ليله ونهاره، فكانت الأحداث تجري وبخطىً متسارعة ًكثرت فيها الرؤوس المملوءة بكل شيءٍ عدا الحكمة والحرص على إنقاذ ما تبقى من تضحيات شباب اليمن وثورتهم الفبرايرية التي أخذتها المراكب بعيداً عن مسارها إلا ما تبقى من أصدائها في وجدان الكثيرين ممن لا يزالون في اليمن أو هائمين على وجوههم خارج حدوده ، فعمل هادي على صياغة الدستور الاتحادي وأصر على تطبيقه ونادى بأهمية النظام الاتحادي المحقق لأحلام الجماهير الكاسر لمركزية السلطة الُمفكِكْ لقوى الهيمنة والنفوذ.
وبرغم خطابه الذي قال فيه سنضرب بسيف السلم ولن أسمح بتشظي اليمن في عهدي، إلا أنه استمع للوعلان الذين غاصوا في مياه غير مياهه واقتاتوا في لياليهم قوتاً غير قوته، أصحاب الأرواح المنهزمة، إبتَركَ إليهم ليصيغوا مناخاته ونظرته واستراتيجيته وفقاً لهواهم بعيداً عن سيف السلم الذي ألقيَّ جانباً ولم يستخدم يوماً سيفاً للسلم أو للحرب، بل وتمسكَ بغمده الذي قاسى بعدها ألوانا من الغدر والخديعة ولم يأبهوا لتشظي اليمن وانفجار مجتمعه إلى أنهارٍ من الدم وأكوامٍ من رفاة القتلى توارت بعضها في بطون الأرض والأُخر في بطون السباع.
غير أنه وعقب كسر أحد أعمدة العسكرية الوطنية في الجمهورية، ذهب هادي إلى محافظة عمران ليعلن أن السلام والأمن حلاّ على ربوع المحافظة ودماء المقاتلين لا زالت تنزف وجراحاتهم شاخصة تلتهمها كل أنواع البكتيريا والجراثيم القاتلة، ورفاة قائدهم القشيبي حبيس الروح والجسد، فدخل في سباقٍ محموم مع خصمه لإرضاء الخصم التاريخي لهم جميعاً ولشعبهم المغدور به.
كلا الرجلين حملا هماً في لحظة زمنية تاريخية فارقة إلا أنها لم تخلُ من الزلات التي توزعت بين القدر الرباني والقدرة الشخصية التي قادت إلى زلات أخرى عانى منها الشعب اليمني وعلى قمتها زراعة الشجرة شجرة جهنم حاملة رؤوس الشياطين في عروق الشعب والتي خلفت الفساد السياسي والحرب المجرمة والتدني الأخلاقي الذي قاد الناس للانخراط في صراع وحرب قد يكون علاجاً له إذا ما اعترف الناس ببعضهم وركبوا سفينة واحدة اسمها اليمن التي تتسع للجميع.