الصحافة هي عين الشعوب ولسانها وقلبها النابض بالإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي، وأهم ركيزة للنهضة الفكرية التي ترتقي بالشعوب فكراً وعلماً وسلوكاً ونظاماً، وفي الوقت الذي دخلت فيه المطبعة مصر وتونس في النصف الأول من القرن التاسع عشر على يدي محمد علي باشا والي مصر حينها، والملك التونسي المشير أحمد باي وازدهر التأليف والكتابة، ومن ثم الصحافة التي ارتقت بالإنسان على كل الصُعُد.
كانت اليمن تغط في عهد الأئمة في سباتٍ علمي وثقافي واقتصادي عميق، في وضع خارج العصر والتاريخ الافتراضي لها، كما دأبوا على خوض حروب بينية داخلية بفعل سياساتهم ودعاويهم الدينية، ومبدأ الحق الإلهي بالحكم المطلق حصرياً لهم، أنتجت حروباً مزقت الشعب اليمي الممزق روحاً والمنهك جسداً، وحَرَمتهُ من أبجديات التعليم الأساسية.
وأغلقت عليه منافذ الحياة حتى بات من يقول حينها: إن الأرض كروية يُفسَّق ويُجرّم وتثور حول معتقداته الشبهات؛ لأنها أي الأرض تقع في معتقد الناس على رأس ثور مبسوطة ومستوية، من منطلق أن الله سبحانه وتعالى يقول:" والأرض بعد ذلك دحاها"؟! ولم يعرف الشعب اليمني الصحيفة إلا في أواخر النصف الأول من القرن العشرين على أيدي الأحرار الهاربين إلى عدن، والتي كانت تنادي برفع الظلم والجهل من على كاهل الشعب في شمال الوطن.
وبعد أن أشعل الشعب اليمني ثورته السبتمبرية الخالدة (62)، وكَسَر كل تلك القيود والمفاهيم الظلامية أطلّت الإمامة برأسها في عصر السرعة الضوئية، والأقمار الصناعية، والصرخة الشاملة في مجال الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والتقني من جديد؛ لتُكَمم أفواه الناس وتلغي الصحافة ، وتصادر الحريات باعتقال الصحفيين وملاحقتهم، وإصدار أحكام الإعدام بحقهم ظلماً وجورا.
فكانت محاكمة الصحفي يحي عبدالرقيب الجبيحي، وإصدار حكمٍ بإعدامه بتهمة التخابر مع بلدٍ أجنبي مسرحية هزلية؛ تنم عن فشل صاحب السيناريو والمخرج والممثلين!! في زمن فتحت فيه قوى الانقلاب اليمن على مصراعيه، وصنعت منه مسرحاً لصراعٍ استخباراتي إقليميّ دوليّ شامل، وجلبت جيوشاً تتحرك في كل اتجاه، وغرفاً لعمليات عسكرية يمنيه ضدهم بالاشتراك مع كل دول التحالف، وأقماراً صناعية تسندها بالإحداثيات على مرأى ومسمع من العالم في الداخل والخارج؛ بل ومسنودة بقرارات دولية محددة البنود وواضحة المعالم، صوّتت عليها الأسرة الدولية بالإجماع دون اعتراضٍ من أحد.
التحمت قوى الشر الانقلابية مع رياح السموم الإيرانية؛ فأنتجت الدم والضفادع والقمّل في هضاب اليمن العليا التي مثلت جائحة العصر ومصيبة الزمان لليمن وشعبه، وفي أول خطوة لها بعد اقتحام صنعاء وبالتعاون مع الجيش الطائفي الأسري، قامت بفتح سجون الدولة وأطلقت جواسيس الفرس وحزب الطاغوت اللبناني، وقدمتهم هدية لمن أرسلهم لمحاربة الشعب اليمني وقتله في عقر داره، وتدمير تاريخه وكل مكتسباته.
وفي خطوتها الثانية فتحت المطارات لاستقدام خبراء وأجهزة شبكات التجسس والتنصت؛ لمراقبة كل نملة تدب على الأرض اليمنية، وترصد كل كلمة حق قيلت بحق الشعب اليمني وتكشف مخططات عصر الظلام الأثيم.
إن اختطاف وقتل وسجن وتشريد كل أحرار اليمن وأقلامها الوطنية كان متوقعاً، وخاصة بعد إطالة أمد الحرب التي كانت خطيئة كبرى ابتداءً، حتى أصبحت الدواء المر والكيَّ الذي كان لابد من استخدامه رغم مرارته وقسوته لتطبيب المآسي والعلل التي تسبب بها علي صالح مدة 33سنة، بدحرجته صخور السوائل الشعاب، جالباً على أمته وأهله وأبناء عمومته من اليمن العظيم الخراب المستحكم.
سكنت الشياطين قلوب تلك القوى، ونامت تحت جلودهم، وتبخترت نشوةً في شرايين قلوبهم، وسيطرت على خيالهم؛ حتى أيقنوا وهماً أن بإمكانهم إعادة عقارب الساعة للوراء، بعد أن رسمت الخطط الشاملة لنهب الشعب اليمني وتعذيبه، وتخابرت مع أعداء الأمة وباعته على غرار ما فعله أسلافهم ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي في تسهيل اقتحام التتار بغداد العراق قديماً، وما يفعله أقرانهم في أرض الرافدين اليوم؛ حتى أضحت موجةً من التشتت والصراع تجاوزت كل أخلاقيات العصر، ومبادئ القوانين الإنسانية والدولية.
* المقال خاص بـ "الموقع بوست"