في 21 فبراير/ شباط 2012 انتخب الشعب اليمني رئيسه الانتقالي عبد ربه منصور هادي، وسط أجواء مشحونة بالأمل بإمكانية تجاوز المرحلة الصعبة والتركة الثقيلة التي خلفها حكم المخلوع صالح.
خرج اليمنيون بأعداد كبيرة إلى مراكز الاقتراع، في عملية مزدوجة جاءت في صورة اقتراع لاختيار الرئيس الجديد، واستفتاء على إنهاء المرحلة المظلمة من حكم سلفه التي غلب عليها الاستبداد والفوضى وعدم الاستقرار، وهي أمراض كان المخلوع صالح حريص على أن تظل تناوب في ليل اليمنيين ونهارهم.
كان الجميع يعتقدون أن هادي ربما يمثل الحلقة الأضعف في سلسلة الرؤساء الذين حكموا البلاد، خصوصاً وأن سلفه ظل يتحين الفرصة للعودة إلى الحكم ويبقي الجيش والأمن والسلاح رهناً لسطوته القديمة نظراً لبقاء ولاء معظم منتسبي الجيش والأمن له ولعائلته. لكن الرئيس خيب هذا الاعتقاد عبر سلسلة من المواقف التي جعلته في النهاية ينجح في تقويض السلطة الموازية للانقلابيين وضرب إمكانياتهم، التي ادخروها طيلة عقود للاستحواذ على البلاد أطول فترة ممكنة.
وصادف أن التقى مخطط استعادة السلطة برغبة بعض الأطراف الإقليمية والدولية في إنهاء ثورة الحادي عشر من فبراير/شباط 2011، وهو الذي يفسر تسارع الأحداث باتجاه تقويض الدولة على الرغم من وصول مؤتمر الحوار الوطني إلى نهايته وخروجه بوثيقة تاريخية تتعلق بحل مستدام لأزمات اليمن ومشاكله.
كان للرئيس هادي دور بارز في إنجاح ذلك المؤتمر وفي تخطي الصعوبات الهائلة التي اعترضته والعراقيل التي وضعت في طريقه، خصوصاً من قبل تحالف المخلوع صالح والحوثيين، وهو التحالف الذي تجدد في الحرب الشاملة التي أعلنوها على اليمنيين.
خلال فترة إعادة هيكلة الجيش، واجه الرئيس هادي تحدياً حقيقياً يتعلق بمدى قبول التشكيلات العسكرية الراسخة كمؤسسة عائلية بامتياز بإعادة الهيكلة التي تجعل من الجيش مؤسسة وطنية ساندة لمشروع الدولة لا لمشروع العائلة.
لكن هيكلة الجيش مع ذلك تمت بنجاح تام، وإن كانت أبقت على التحديات حيث نجحت غرفة العمليات السرية التي يديرها المخلوع في الاتصال بالتشكيلات العسكرية والاستفادة من تموضعاتها الجديدة، وتفكيك بعضها والزج به في العملية العسكرية الواسعة التي بدأها الحوثيون من دماج.
المعركة التي خاضها الرئيس هادي إبان تواجده في صنعاء كانت صعبة للغاية وغير متكافئة فقد كان يحارب بشرعيته فيما يحاربه أعداؤه بكتائب عسكرية تحيط به من كل الجهات في القصر الرئاسي وفي المنزل، وكانت أولوياتهم هو انجاز ترتيبات تضمن استعادة السلطة ولكن عبر الرئيس هادي وبإمضائه واستناداً إلى شرعيته.
ولهذا مضى مسلسل تصفية الرئيس بخطى متأنية، أي لم تكن هدفاً مباشراً منذ اللحظات الأولى التي قرروا فيها بدء العمل العسكري لاستعادة السيطرة على الدولة، لكن في لحظة ما فقدوا أعصابهم وقرروا الضغط العسكري المباشر على الرئيس عبر الهجوم على دار الرئاسة ابتداء من الـ 19 من يناير/كانون الثاني 2015، بقوات هي جزء أساسي من ألوية الحماية الرئاسية، ولكن التركيبة الجهوية لهذه الألوية حولتها إلى أدوات بيد المخلوع والحوثيين.
استمر الضغط العسكري المصحوب بسلسلة من الطلبات التي هدفت إلى حمل الرئيس على تعيين نائب له كان يمكن أن يتولى الحكم مباشرة في حال تصفية الرئيس، ولكن الرئيس لم يمنحهم تلك الفرصة فقدم استقالته.
كانت هذه الاستقالة نقطة اختبار صعبة لشريكي الانقلاب، فلو مضت الإجراءات الدستورية بشكل سلس فإن المؤتمر هو الذي سيحكم، وهذا من شأنه أن يضع نهاية سريعة لنفوذ الحوثيين ووجودهم، ولهذا سارعوا إلى تعطيل الدستور وإصدار إعلان وصف بأنه "دستوري"، وتمت صياغته بلغة ركيكة وتضمن بنوداً لا تعكس أي نضج قانوني أو دستوري.
في نهاية المطاف نجح الرئيس في الإفلات من يد الانقلابيين، بتغطية أمنية واستخبارية وسياسية محلية وإقليمية، وانتقل إلى عدن واستعاد سلطاته وكلف الحكومة بالاستمرار في مهمتها.
يواجه الرئيس اليوم في عدن ما كان يواجهه في صنعاء بنفس الأدوات وبنفس المشاريع التفكيكية، ويتورط الحراك المرتبط بإيران والمحسوب ميدانياً على الإمارات مهمته في تقويض مهمة الرئيس مستغلاً الإمكانيات العسكرية التي وضعت بين يديه، في العمل خارج السياق معتقداً أن التحالف جاء ليقيم دولة الانفصال الحراكية وهذا تفكير يفتقد إلى الرشد ويبقي هذه القوى أداة هدم عمياء لا ترى النور ولا تبصر معالم الطريق الحقيقية نحو المستقبل.
*ياسين التميمي اعلامي ومحلل سياسي يمني.
*المقال خاص بالموقع بوست.