قاسم سليماني يظهر في حلب، هو نوع من المكايدة، لكنها صورة لما بلغته سوريا من خراب. ولحكام طهران مرض الغطرسة.
بسقوط حلب لن تنتهي الحرب، سقطت سوريا بيد فارس قديما، بعد هزيمة الروم، ثم استرد الروم سوريا بعد دحر فارس، وبعدها بزمن كانت دمشق عاصمة امبراطورية; فارس احد امصارها.
لا يعني هذا اننا نتغنى بالتاريخ لتعويض نقص في الحاضر.
لكن طهران لا تتعظ من التاريخ الا في سياق النقمة، وسيكون امامها تحفيز ظروف قد تحترق بها، لان فارس لا مكان لها في العودة مع وجود قوى بحجم قارات، والعرب اضافة لأمريكا، والصين وروسيا واوروبا، من يمتلكوا ذلك، وفي احسن احوالها ستكون ايران قوة محورية تعمل لصالح قوى اكبر كما تركيا، وهي ستملأ هذا الفراغ بتوظيف الراديكالية الشيعية.
فارس مثل سوريا ومصر والعراق من اكثر البلدان عرضة للغزو، ولديها ادراك عميق بأهمية جغرافيتها، لكن ايران تدرك تماما ان اي صعود لها يكون على حساب المشرق العربي، ثم ان هذا المشرق، اي غربها يشكل عقدة ملغمة لأي طموح، اقصد غربها الجنوبي، فمن هناك توالت عليها الهزائم، وهذا لن يحدث بأي حال في وجود مشيخات النفط.
عدا ان فارس رغم ارثها في الغزو، تعاني من عقدة الخضوع الطويل، وعلى اي حال لم يكن الفرس سكان اصليون، بل غزاة من بدو الجبال، الارجح جماعات اوروبية سكنت شمال ايران واختلطت بشعوب اسيوية سواء عبر تطويعها او اقامة تحالفات. لقد اقيمت امبراطورية على غطرسة الجنس الاري.
لكن ارثها مثل معظم الشعوب هو مزيج من التجبر والخضوع. ثم تعرضت لغزو مقدوني يوناني، لكن الاكثر اذلالا اتى من العرب. وبعد هيمنة العرب، سادها الاتراك الى بداية القرن العشرين.
وتاريخ ايران صورة تشبه كل الشعوب والقوميات، التي تظل عرضة لتهجين مستمر. لكنها اكثر كثافة ووضوحا لتعاقب الغزاة والهجرات.
ولم يعد هناك جنس واضح لان تلقيح عارض واخر قسري تلاحق ليعيد تشكيل تلك الامة، كما هو الامر بالنسبة للعرب او حتى اكثر القوميات انعزالا.
لكن تبقى ثقافة ملحة تصنعها الجغرافيا، وليس عيب في ذلك، كون ان الحضارات نتاج هجين متعدد ثقافي وجنسي، ومن هذا التهجين يتشكل هذا الارث القومي، وحتى القبلي ليتقوقع في فكرة بعينها.
ايران الحديثة، اقصد سياسيا، هي ولادة ثلاث شوفينيات، قومية، عرقية ومذهبية، والقومية الفارسية بدلالتها الامبراطورية، وهي تدعي بان ايران الكبرى تضم اذربيجان والبحرين وربما الاحساء، وجزء من افغانستان.
ثانيا الادعاء العرقي، وهو حاضر في اصل التسمية ايران، المنحوتة من اري، اي ارض الاريين، وكانت تسمى فارس، حتى اسماها الشاخ وضا بهلوي ايران في ثلاثينيات القرن العشرين، وحظي هذا الهوى بشهادة هتلر، بان ايران تنتمي للجنس الآري، بينما سلب شعوب قريبة منه النقاء العرقي، واظن انها مغازلة من اجل ايجاد حليف هناك، ضمن غايته للسيطرة على منابع النفط في بحر قزوين.
كما ان سلطة ولاية الفقيه فرضت المذهب في معمدانية شوفينية ذات طابع ثالوثي، وفارس كانت حتى القرن الخامس عشر ذات اغلبية سنية، فرض الصفويين المذهب الشيعي، وتم قسر الايرانيين عليه، ومارسوا حملات ابادة اجبرت معظم السكان على التشيع في القرن السادس عشر، ودلالة تشيع الاتراك الصفويين سياسية، للاحتماء عقائديا في مواجهة الاتراك العثمانيين، وهكذا ميزت ايران نفسها.
بدأت محاولات احياء القومية الفارسية مع الفردوسي، في القرن الحادي عشر، والف الشهنامة باللغة الفارسية، وهي عبارة عن قصص وملاحم فارسية فيها كثير من الاسطرة، لكنه زمن احياء الكتابة الفارسية للخروج من هيمنة اللغة العربية. وظهر شعراء فارسيون بعدها، حافظ شيرازي، عمر الخيام وسعدي.
سياسيا كانت ايران مركز مهم لولادة دول منشقة او توسعية، وفي القرن الثامن عشر غزت قوات نادر شاه نيودلهي، كما انها استعادت جزء من ارثها في صراع ضد العثمانيين حول العراق.
اذن ففارس مهماز حيوي في طريق الحرير، وتاريخها محك متأرجح بين السيطرة او الخضوع. فما ان تنعم بمقدار من الاستقرار والقوة تبيح نفسها للغزو، ومع اندحار فتوتها سرعان ما تتحول ضحية غزو او هيمنة.
وقاسم سليماني في حلب، هو حلم استعادة امبراطورية، لكنها جزء حيوي من صراع حول ممر اوراسيا، او قلب العالم، من بحر ايجة وحتى بحر قزوين ومن سوريا الى افغانستان.
وبالنسبة للعرب، فهي صورة سقوط وتشظي، اولها في مظهر نظام الاسد من القومي الى الطائفي، ومن الممانع الذي يبني خطاب استبداده على السيادة، الى المرتهن الذي يقوم استبداده على جلب الغزاة، لكن قوى لن تقف مكتوفة الايدي، بانتصار روسي- ايراني.
وعلى ايران ان تعيش هذا الدور ومتغيراته، وعلى المنطقة ان تشتعل، ثم سنسأل انفسنا اين سيتوجب على سليماني الظهور: تدمر، حلب مجددا، الموصل، بغداد، طهران.
خريطة صراع سيتحدد عليه اعادة تقسيم خارطة الهيمنة في المنطقة بين غرب امريكي، وشرق روسي وربما صيني.
نقلا عن صفحة الكاتب بالفيسبوك