لم يفعل الاستقبال الرسمي والشعبي القطري للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في الدوحة أمس، والترحيب الكبير به، غير تأكيد الإحساس الخليجي المتعاظم بخطورة الأوضاع الراهنة في منطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية، من يمنها الملتهب، مروراً بالعراق الأشدّ تعقيداً واختلاطاً للعناصر الإقليمية والدولية والطائفية فيه، وصولاً إلى شامها التي يشهد قلبها السوريّ منذ سنوات حرباً مشتعلة لنظام كاسر ضد شعبه، وطرفها اللبناني الذي يسيطر عليه حزب موال لإيران، وصولاً إلى فلسطين التي ترزح تحت احتلال إسرائيلي منذ عقود طويلة.
وكأن هذه المشاغل الجغرافية ـ السياسية غير كافية لتحميل دول الخليج مسؤوليات كبيرة وتعريضها لمخاطر هائلة فهناك ايضاً مشاكل البلد العربيّ الأكبر، مصر، والذي بدأ انزياحه باتجاه روسيا وإيران يؤثّر سلباً في موازين القوى في المنطقة، ويزعج دول الخليج وخصوصا المملكة العربية السعودية وقطر، وهو الذي كان أحد رعاة مؤتمر غروزني الذي أخرج المذهب الوهابيّ والإخوان المسلمين من الطائفة السنية، إضافة إلى دوره المستجدّ الذي بدأت الأنباء تتزايد عنه في سوريا، وكذلك قبضته القاسية على الفلسطينيين في غزّة (الذي أغرق في نبأ أمس أربعة مقاومين فلسطينيين بسبب تعريض الأنفاق للمياه)، ورعايته العسكرية والسياسية لحركة الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، وخلافاته المتعاقبة مع المغرب على خلفية منظمة البوليساريو وغيرها.
وقد تسرّبت أنباء عن أن غضب الرياض من ممارسات حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد بلغ حدّاً غير مسبوق، وأن المحاولات التي أجرتها الإمارات العربية المتحدة، أقرب الدول الخليجية إلى القاهرة، لترتيب مصالحة بين الطرفين، قبل أيام، قد باءت بالفشل، وقد تنوقلت أنباء عن رفض الملك سلمان بن عبد العزيز زيارة دبيّ، حيث موقع الاجتماع، قبل أن يغادر السيسي البلد.
لقد كلّف دول الخليج الوصول للاستنتاج الذي وصلت إليه حول الخطوط غير المتقاطعة بين السياسات الخليجية والمصرية، الكثير من الأموال التي أمنتها، نتيجة قناعة بضرورة حماية الدولة المصرية وتأمين خروجها من تبعات القرار الذي نفّذه الجيش المصري بالاستيلاء على السلطة المنتخبة للرئيس محمد مرسي، لكن الكلفة الماليّة تهون أمام الإحساس بالخطأ الاستراتيجي الكبير الذي أدخل مصر والمنطقة العربية في نفق سياسي لا مخرج منه، والذي تبدّت نتائجه لاحقاً في استقواء الحوثيين ودخولهم إلى صنعاء، وكذلك في إضعاف جبهة المعارضة السورية التي أوضح الحكم العسكري الجديد بسرعة عداءه لها، وبدأ طرد عناصرها واختراع نسخة منقّحة منها تكون حصان طروادة للنظام السوري، ناهيك عن وضعه أجندة محاربة «الإخوان المسلمين» على رأس أولوياته وهم جزء اضطراري من الحرب على أعداء السعودية في اليمن وسوريا، كما جعل أحد تهم قياداتها في المحاكم «مخابرة قطر وحماس»، وهو ما أهّله للاندراج بسرعة في صف روسيا وإيران والنظام السوري، رغم كل المحاولات الخليجية لكبح جماح هذا الاتجاه.
الوقائع السياسية الجديدة ـ القديمة التي تواجه القمة الخليجية هي: استشراس الحوثيين وقوات علي صالح الذين أعلنوا حكومة جديدة في اليمن، وتقدم النظام السوري الذي استغلّ الكثافة النارية الروسية والخزّان البشريّ الشيعي الذي وفّرته إيران لفتح قوس كبير لسيطرته على منطقة المشرق العربي والبحر الأحمر، وتواطؤ الأمريكيين الذين شاركوا في حصار حلب عبر «وحدات الحماية الكردية» الخ…، والتحوّل السياسي المصري من شبه الحياد المبطّن إلى الالتزام المعلن بالأجندة الروسية ـ الإيرانية في المنطقة.
الحلول الوسطى التي استغرقت سنوات من عمر المنطقة أدّت إلى النتائج المذكورة أعلاه، فهل تبتكر القمة الخليجية ديناميّات سياسية ـ اقتصادية جديدة تواجه التحدّيات بطريقة جديدة؟
إن الآتي لناظره قريب.
افتتاحية صحيفة القدس العربي في عددها الصادر بتأريخ السادس من ديسمبر/كانون الاول