من جديد عاد المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، لمتابعة مشاوراته مع الأطراف اليمنية. فماذا يحمل هذه المرة؟ وهل سينجح؟ ولد الشيخ لم يتحدث عن خطة جديدة ولكنه يعرب عن تفاؤل بحل في اليمن قبل نهاية العام وذلك ما شددت عليه الخارجية الأمريكية من قبل.
حسناً، سننتظر ونرى، ولكن هناك في المأثور اليمني بيت شعر بالعامية يقول «يا قافلة عاد المراحل طوال.. وعاد وجه الليل عابس»، ما يعني أنه ما تزال ثمة طريق طويلة يكتنفها الظلام للوصول إلى المقصد والهدف. إن هذا البيت يتردد على ألسنة أكثر المطلعين في اليمن أمام السؤال عن إمكانية التسوية السياسية في حين يتعلق كثيرون بخيط من الأمل مع أي إشارة كالإعلان عن هدنة أو عن عزم المبعوث الأممي استئناف مساعيه أو عند إحراز القوات الحكومية تقدماً في مواقع القتال.
وحيث تكررت الإشارات فإن الفريق الذي يخامره الأمل بات يدرك أنها من علامات الحمل الكاذب ومع هذا فهو يذهب وراء الأماني تأسياً بحكمة تقول إن ما ينطق به اللسان تكتبه الأقدار. حتى أولئك الذين رأوا عذاب الرحلة الباقية وعبوس الليل افترضوا أن القافلة قطعت شوطاً، وذلك غير صحيح بالمرة. على العكس فقد ذهبت في الاتجاه الخطأ وسوف يكون عليها، إن أريد لليمن أن يستقر، أن تعود إلى موقعها الأول كي تستأنف السير في الطريق الصحيح. ذلك الموقع هو المؤتمر الوطني وما تمخض عنه، ففيه اتفقت كافة القوى السياسية على كلمة سواء قبل أن يخرج فصيل من بينهم ويخوض في لجج الدم. ولا مرية في أن الأمم المتحدة والرعاة الإقليميين والدوليين للمبادرة الخليجية يتحملون مسؤولية ما يجري في هذا البلد لأنهم جميعاً كانوا حاضرين وشاهدين. وقد شهدوا بالحق أول ما شهدوا وصدر الحكم، وانتظر اليمنيون تنفيذ القرار 2216 لكن بعضهم عاد إلى قول الزور.
لقد تم تعيين مبعوث جديد خلفاً لابن عمر هو ولد الشيخ الذي تقتصر خبرته الدبلوماسية على الشأن الاقتصادي وإدارة المشاريع التنموية، وقد غفر له افتقاده العلم والتجربة في إدارة الأزمات ما يتمتع به من صدق وأمانة. وقد نجح بالفعل في إدارة مفاوضات طويلة ومضنية أنجزت في الكويت، انتهت بمشروع للتسوية، وافقت عليه الحكومة ورفضه الحوثيون، ثم ظهر ما يلفت إلى أن العلة ليست في شخص ابن عمر وإنما في الموقفين الأمريكي والبريطاني.
تبنت بريطانيا مشروع قرار في مجلس الأمن لا يقوم على البناء السابق بقدر ما ينسفه ويدمره، وطرح وزير الخارجية الأمريكية خطة للتسوية تعطي الحوثيين كل ما يريدون وتسلب اليمنيين أكثر ما يتمنون. مع ذلك لم يظهر على السطح ما يدل على أن كيري في عجلة من أمره إلى أن هزمت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون أمام الجمهوري المندفع دونالد ترامب فنزعت الغلالة عن فحشاء الإدارة الديمقراطية التي لازمت زرع داعش من أجل إشغال العالم العربي في حروب تخدم «إسرائيل» وفي سبيل حشر المسلمين في حروب طائفية.
فجأة حل كيري في مسقط وطرحت خطته بواسطة المبعوث الأممي، ولم تعترض دول التحالف بل إنها أعلنت هدنة قدمت دليلاً مضافاً لأدلة متواترة أن الحوثيين لا تهمهم دماء اليمنيين ولا حقهم في أن يأكلوا ويشربوا.
تنشئ الخطة حكومة مشتركة بين المتحاربين قبل إلقاء السلاح وإحلال السلام وذلك أمر يستحيل فهمه لأن استمرار الأصابع على الزناد يبقي القرار في يد التهور والاستعداد للضغط. ولا أظن أن ولد الشيخ في عودته الأخيرة يحمل مشروعاً آخر غير ما يعتقد أن إدارة أوباما تستطيع فرضه قبل انتهاء ولايته. وواقع الأمر أن الوقت تأخر كثيراً على كيري والذين معه وأن إدارة جديدة في البيت الأبيض تتحفز لنظرة مختلفة إلى شؤون العالم. ذلك يستوجب ستة شهور من الترقب ولكن، أيضاً، التحرك مع القادمين الجدد إلى البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، وأهم من ذلك انتظار صرخة الحوثيين في لعبة عض الأصابع لأنهم يختنقون في لحظة انطفاء الشمعة حيث ارتفاع لهيبها في ذبذبات الموت. علامة ذلك أنهم لم يكتفوا بقطع مرتبات موظفي الدولة والقطاع الاقتصادي والتسبب في تدمير القطاع الخاص بل نزلوا الشوارع يجبون الإتاوات بدءاً من الشركات حتى الباعة المتجولين.