صدمة مروعة هزت الكثير من دول العالم نتيجة انتخاب رونالد ترامب ليكون رئيسا الولايات المتحدة الأمريكية حتى نهاية 2019. لكن نتيجة الانتخابات هذه أنعشت آمال اليمين المتطرف، ليس في أمريكا وحدها وإنما في أوروبا أيضا.
(2)
على إثر نتائج تلك الانتخابات، عقد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي اجتماعا في بروكسل الأحد الماضي لتدارس المستجدات التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية، وإعداد الخطط ورسم السياسات لكيفية التعامل مع ساكن البيت الأبيض الجديد في واشنطن، في الثلث الأخير من شهر يناير القادم 2017. وكنت أتوقع من المجلس الوزاري لدول مجلس التعاون الخليجي عقد اجتماع في دورة طارئة لتدارس وتوحيد مواقفهم انطلاقا من خطابات وكلمات دونالد ترامب في حملته الانتخابية. خطاباته في كل الميادين الانتخابية كانت جارحة لقياداتنا والشعب العربي في الخليج، كما كانت كلمات ومواقف الرئيس باراك أوباما جارحة ومسيئة أيضًا.
يجب ألا ينتظر قادتنا كعادتهم حتى دخول ترامب في العشرين من شهر يناير القادم في البيت الأبيض وتسلم مقاليد السلطة دستوريا ثم يقررون ما يفعلون. فقد قال في خطابه إنه في اليوم الأول من تسلمه مقاليد السلطة سيتخذ قرارا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة منذ عام 1967 والاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل. أخاطب قيادات مجلس التعاون الخليجي في شأن القدس لأنهم المجمع الوحيد في العالم العربي الذي ما برح متماسكا ولو ظاهريا، وبحركتهم يستطيعون استدعاء العالم الإسلامي للوقوف ضد اعتبار مدينة القدس المقدسة عاصمة إسرائيل.
(3)
الرئيس المنتخب رونالد ترامب اتهم دول مجلس التعاون بأنها لا تملك شيئا غير الأموال، وقال: "على أمريكا دين مقداره 19 تريليون دولار، لن تدفع أمريكا ذلك الدين، سأجعلهم يدفعون، وهم سيدفعون". لغة تهديد ووعيد، فماذا عملت النخب الخليجية لمواجهة ذلك التحدي الخطير، فكل استثماراتنا أو معظمها في أمريكا، وعندما حاق بالاقتصاد الأمريكي معضلة اتجهت إلى دول الخليج العربي لعونها وإنقاذها من الانهيار الاقتصادي.
لا بد من إبلاغ الإدارة الأمريكية التي تتشكل هذه الأيام بقيادة الرئيس المنتخب رونالد ترامب أننا مولنا كل حروب أمريكا ضد الشيوعية من أوروبا إيطاليا وفرنسا وإسبانيا مرورا بإفريقيا وانتهاء بأمريكا اللاتينية والكاريبي نيكاراغوا وغرنادا وغير ذلك. ساهمنا وحاربنا، نحن الخليجيين، في الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي، وانهار على أيدي المجاهدين الإسلاميين، وتحملنا أكثر من 50 مليار دولار من أموالنا، بينما تكلفة أمريكا في حرب أفغانستان لا تزيد عن 5 مليارات دولار.
في حرب تحرير الكويت دفع الخليجيون 2.5 مليار دولار لتغطية تكاليف الوقود والمياه والتجهيزات ونقل القوات الأمريكية إلى مناطق التجمع بالقرب من ميدان المعركة، كما تحملنا تكاليف نقل القوات الأمريكية من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الخليج العربي (مذكرات جيمس بيكر، مترجم ص 450) . لقد تحملنا تكاليف ضخمة لحرب فرضت علينا وكان بإمكان العالم تجنب تلك الحرب لكن العناد الأمريكي أصر على الحرب ضد العراق تحت أسباب وذرائع واهية لا أساس لها من الصحة. والحق أنني لست بصدد تقديم جداول إحصائية عما دفعنا في كل حروب أمريكا.
(4)
في مواجهة المتغيرات في واشنطن علينا أن نحصن مجتمعاتنا الخليجية بتقوية الجبهة الداخلية وتحصينها عن طريق تحقيق العدالة والمساواة والانفتاح على الشعب وإشراكه في اتخاذ القرارات المهمة وسد الثغرات. وعلى النخب السياسية أن تجمد خلافاتها البينية من أجل مواجهة خطر قادم. التعاون الجاد والصادق بين قادة دول المجلس مهم من أجل حسم المعارك العسكرية في اليمن قبل انتقال السلطة في واشنطن إلى الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
في تقدير الكاتب أن وصول وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى الخليج العربي بالأمس الاثنين عشية مغادرته وزارته، واجتماعه بالانقلابيين الحوثيين في مسقط، بمثابة اعتراف بمختطفي الدولة اليمنية ومنحهم شرعية لمواجهة السلطة الشرعية اليمنية بقيادة عبد ربه منصور هادي. إن قدومه إلى المنطقة في هذه الظروف ما هو إلا لتعميق الخلافات الخليجية-الخليجية واستخدام بعضها لتفتيت وحدة الصف والقرار، بغية تمكين القوى التي اختطفت الدولة اليمنية (الحوثي وصالح) وغرس نبتة سياسية مسلحة في خاصرة دول مجلس التعاون الجنوبية، تلك النبتة تشبه حزب الله في لبنان، وحزب الدعوة في العراق. كل ذلك يجري لصالح إيران وتمدد سلطانها في المنطقة بتسييد خاطفي الدولة اليمنية.
آخر القول: قادتنا الميامين، احزموا أمركم، وشدوا صفوفكم، ووحدوا كلمتكم ومواقفكم، واحسموا مشروعكم في اليمن، بتحقيق النصر المبين، لاستعادة اليمن من خاطفيه، ولا تثقوا بعد اليوم إلا في شعبكم، واعلموا أن دبلوماسية جون كيري لا تصب في مصلحتكم وأمتكم ووطنكم.
*الشرق القطرية