في حدثين منفصلين، تثبت المملكة العربية السعودية نفسها مجددًا كدولةٍ رئيسةٍ في الحرب على الإرهاب بشتى أصنافه على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. الحدث الأول هو إعلانها عن تفكيك ثلاث خلايا إرهابية، والثاني حديث العراقي إبراهيم السامرائي المعروف بأبي بكر البغدادي، الذي هاجم فيه السعودية كعدوٍ له ولتنظيمه الإرهابي «داعش».
في الحدث الأول، أعلنت السلطات الأمنية السعودية عن ثلاث عملياتٍ نوعيةٍ في مواجهة الإرهاب، منها عملية كشفت عن إرهابيين في الدمام والقطيف قاموا بعملياتٍ إرهابية، وعمليتان أخريان اتسمتا بالاستباقية، وهي استراتيجية ناجعةٌ أثبتت أجهزة الأمن السعودية إبداعها فيها واستثمارها لأقصى حدٍ للقضاء على الإرهاب وخلاياه وعناصره، فكانت كل عمليةٍ هزيمةً لنوعٍ معينٍ من الإرهاب.
العملية الأولى استهدفت مجموعة إرهابيةً سنيةً من غير السعوديين، وعددهم أربعة، كانوا قد خططوا لاستهداف ملعب الجوهرة في جدة أثناء مباراةٍ أقيمت الشهر الماضي بين المنتخب السعودي والمنتخب الإماراتي، وذلك عبر سيارةٍ مفخخة يتم تفجيرها في المنطقة المحيطة بالملعب، وهو إرهاب داعشي هدفه قتل أكبر عددٍ من المسلمين الآمنين والمدنيين في أماكن عامةٍ ومكشوفةٍ، وهي دليل عجز التنظيم عن استهداف أي أماكن استراتيجية أو مهمة، وهذا بحد ذاته نجاحٌ أمني مهمٌ، وقد وأدت هذه العملية شرّ هذه الخلية الداعشية في مهدها.
العملية الثانية، استهدفت مجموعة إرهابيةً شيعيةً قامت بعدد من العمليات الإرهابية في المنطقة الشرقية بالسعودية، وعدد عناصرها تسعةٌ وفيها عنصرٌ أجنبي، وهي مجموعةٌ مدعومةٌ من إيران بشكل أو بآخر، وأهدافها معروفةٌ ومستنكرةٌ من كل طوائف وفئات المجتمع السعودي وتحديدًا من المواطنين الشيعة الأوفياء لوطنهم، الحريصين على أمنه واستقراره ونهضته.
العملية الثالثة، استهدفت مجموعة إرهابية خططت لاستهداف رجال الأمن في الرياض وتبوك والمنطقة الشرقية، وتضم مجموعة من السعوديين، وعددهم أربعة، ويتم التحقيق مع ستة عناصر لهم علاقة بهم، ورجال الأمن البواسل هدفٌ مهمٌ للجماعات الإرهابية بكل أنواعها وأشكالها، ذلك أنهم بالفعل حماة الديار الذين يقفون في وجه خطر الإرهاب بكل قوةٍ وعزمٍ وبكل مسؤوليةٍ وحزمٍ، ونجاحاتهم في فرض الأمن والأمان هي التي أغاظت الإرهابيين وهزمتهم مرارًا وتكرارًا، فالإرهابيون يعرفون عدوهم ويستهدفونه.
كان هذا في الحدث الأول، أما الحدث الثاني وهي خطبة الإرهابي العراقي زعيم تنظيم داعش الإرهابي، فقد ركز فيها هجومه على السعودية كالعادة، وحث فيها عناصره على القيام بعمليات إرهابية فيها استمرارًا لنهج «داعش» المعروف، وحرضهم على استهداف المواطنين الشيعة في محاولة مستمرةٍ لبذر فتنةٍ طائفيةٍ وضرب السلم الاجتماعي والوحدة الوطنية، وهاجم تركيا هذه المرة، وهدد بنقل المعركة إليها، وكالعادة لم ينبس «الخليفة» المزعوم ببنت شفةٍ عن إيران.
كما تحدث الداعشي السامرائي (كذلك) عن تمددٍ جديد لتنظيمه في السعودية واليمن ومصر وليبيا وتونس والجزائر، وتنظيمه موجود في هذه الدول من قبل، ولا جديد في ذلك، وهو فاشل فيها جميعًا ما عدا ليبيا التي كان يعدها لتصبح ملجأً له فيما لو ضيّق عليه الخناق في العراق وسوريا كما هو جارٍ هذه الأيام.
هناك عدة تعليقاتٍ يمكن الإشارة لها في هذا السياق؛ الأول، هو ضمور قوائم الإرهابيين في السعودية، والثاني، الاعتماد على غير السعوديين، والثالث، علاقة «داعش» بالحوثيين.
ضمور قوائم الإرهابيين في السعودية مردّه إلى النجاحات الكبيرة والمتتالية لأجهزة الأمن السعودية في ضرب جماعات الإرهاب وتنظيماته وخلاياه، وقضائها على كثير من رموز وعناصر تلك التنظيمات، وبالتالي صغرت أعداد المشاركين أو المطلوبين أمنيًا في مثل هذه الخلايا عما كانت عليه في السابق بشكلٍ ملحوظٍ، وتكفي مقارنة سريعة مع قوائم المطلوبين السابقة لمعرفة حجم النجاح. والسياق هنا سياق أرقام ووقائع تكشف الحقائق.
أما الاعتماد على غير السعوديين، فقد كان موجودًا من قبل ولكنه ظاهر في خليتي القطيف وجدة؛ فخلية القطيف الإرهابية كان من ضمنها مواطن بحريني معروفٌ لدى مملكة البحرين الشقيقة بتوجهاته الإرهابية، ولكن الظهور الأوضح للاعتماد على غير السعوديين كان في خلية جدة بحيث لم يكن من ضمنها ولا سعودي واحد، فمنسق العملية سوري والمشاركون فيها من باكستان والسودان وسوريا. وهذا مؤشرٌ على نجاح عمليات تحصين الشباب من مثل هذه الجماعات، لا نجاح الأجهزة الأمنية فحسب، بل نجاح المجتمع كذلك في التحذير من هذه الجماعات وفضح خطابها الآيديولوجي وداعميها من الإرهابيين إلا ربعًا على نطاق واسع وبشتى الوسائل، وهو نجاح إعلامي لكل وسائل الإعلام القديمة والجديدة.
وهناك نقطةٌ أخرى مثيرةٌ جاءت على لسان اللواء التركي بقوله: «لا نستبعد وجود ارتباطٍ بين تنظيم داعش والحوثيين في اليمن» وهذا موضوع بالغ الأهمية، فكثير من الناس لا يعرف عمق العلاقات التي تربط الجماعات الإرهابية والراديكالية بشقيها السني والشيعي بعضها ببعض، ويزيد الموضوع أهمية محاولة الداعشي السامرائي إظهار نفسه وتنظيمه كعدوٍ للحوثيين.
ويجمع بين «داعش» والحوثيين عدة جوامع: أولها، المصدر، فثمة وحدةٌ راديكاليةٌ في البنية الآيديولوجية لكلا التنظيمين، وإن ظهر لبعض قليلي المعرفة أو التخصص أنهما متناقضان، فالمراجع المهمة للبنية الأصولية الحديثة في الجماعات الإسلاموية لها عدة مصادر يقف على رأسها جمال الدين الأفغاني، الذي لا يخفى تأثيره على الجماعات الراديكالية السنية والشيعية من جهةٍ، وأبو الأعلى المودودي من جهةٍ أخرى.
تطورت الظاهرة الراديكالية السنية من جماعة الإخوان المسلمين إلى بناتها من جماعات الإرهاب المتعددة وصولاً إلى تنظيم داعش، وقد حاول الداعشي البغدادي التبرؤ منها ومعاداتها، وهو ابن الجماعة وابن فرعها بالعراق تحديدًا، والخلافات بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيم داعش هي خلافات على المصالح لا خلافات في المنظومة الآيديولوجية ولا في البنية التنظيمية.
وتطورت الراديكالية الشيعية من تلاميذ الأفغاني المتطرفين إلى نوّاب صفوي وجماعة «فدائيان إسلام» إلى «الجمهورية الإسلامية» وصولاً لميليشيات الإرهاب والتطرف الشيعية التي تقف ميليشيا الحوثي كشاهدٍ بارزٍ عليها.
ثانيها: الداعم والراعي، وهو هنا إيران، فلئن كانت إيران هي الداعم المعلن لميليشيا الحوثي فإن دعمها لتنظيم داعش له تاريخ طويل الذيل، بدأ بدعم جماعة الإخوان المسلمين والعلاقات الوطيدة مع تنظيم القاعدة، وما «داعش» إلا وريث لتنظيم «القاعدة»، وتعاون «داعش» في دعم نظام الأسد التابع لإيران معروفٌ ومشهورٌ.
أخيرًا، يجمع «داعش» والحوثيين - أيضًا - استهداف السعودية كأولويةٍ للجماعتين، واستباحة المقدسات الإسلامية كالحرمين الشريفين، والسعي الدؤوب لاستهداف الآمنين، واستباحة دمائهم.
* الشرق الأوسط