الطور الخبيث من الحرب
الثلاثاء, 18 أكتوبر, 2016 - 09:25 مساءً

ليلة دخول التحالف العربي الحرب في اليمن كان عبد الملك الحوثي قد صار ملكاً على كل اليمنيين.

طرد هادي، وقتل أهله وحراسته، ثم قصف القصر الجمهوري بالطيران، وحذف الأهداف الستة من صحيفة الثورة.

خطاباته الأخيرة، وهو يقتحم المدن بعد صنعاء، كانت مليئة ب:

سنفعل، سنعطيكم، سنسمح لكم، وسنتيج لكم، لن نغضب منكم إذا، .. إلخ.

كنت أستمع إليه، فأوقن بشيء واحد: لقد صار هذا المختل ملكاً، واستسلموا جميعهم. أرسل الإصلاح وفداً وطلبوا تسوية معه. أرسل الحراك الجنوبي وفداً وطلبوا تسوية ما. وتواصل معه كل السياسيين، بمن فيهم جمال بن عمر. نقلت صحيفة المصدر عن ضابط عسكري رفيع كان صحبة وزير الدفاعي الصبيحي. قال إن عبد الملك الحوثي أعطاه خطة البدء باقتحام مأرب، ثم هاتفه وأعطاه الأوامر! بحاح يروي شيئاً مشابهاً. فقد تلقى أوامر تلفونية، على شكل نصائح، من قبل عبد الملك الحوثي.
 
عندما التقته مجموعة صحفية خاصة بالجماعة، يتقدمها صحفي الجماعة المعروف محمد عايش، نصحته المجموعة الصحفية بالانتقال إلى صنعاء. لا أحد ينصح عبد الملك الحوثي، لذا دعونا نقول: ربما اقترحوا أمامه، أو تمنوا في سرهم. كتب عايش قائلاً إنه يتمنى أن ينتقل الحوثي إلى صنعاء. وقع ذلك بعد لقاء استمر خمس ساعات طبقاً لتدويناته اللاحقة.

لم يكن بينه وبين التتويج سوى أن ينتقل إلى صنعاء، رسمياً.
 
وكتب ناشط هاشمي عن رحلة قامت بها الأسرة إلى صعدة: قبل لقاء السيد قمنا وغسل أيدينا مرات عديدة قبل السلام عليه! وقال آخر إنه نظر في وجه ابن عمه القادم من زيارة "للسيد" ثم انهمرت دموعه، ولم يكد يصدق أن بشراً رآه!
لقد صار الملك الإله، دفعة واحدة. ما كان لليمنيين أن يفلتوا من هذا التركيب الثلاث: الأحمق، الذي أصبح ملكاً، ثم آض إلهاً.
 
كان ملكاً نهائياً، وكانت اليمن في قبضة يده. حتى حضرموت سقطت في طرفة عين: كانت تحت سيطرة منطقة عسكرية، مع المحافظ والحرس الجمهوري والشرطة! وكل أولئك دانوا بالولاء للملك الجديد، وراح الحليلي، الجنرال المعروف، والتقط صوراً وهو يؤدي الصرخة في حفل أقامته الجماعة..
 
ذلك الزمن صار جزءاً من الماضي، عبد الملك الحوثي لم يعد قادراً على الخروج إلى حمام الكهف الخاص به! صار الإنجاز الأعظم للجماعة، حالياً، أن تكذب عملياً أخبار مقتل قياداتها!
 
أما قواته وساسته فيكافحون، داخلياً وخارجياً، لأجل تحسين شروط الاستلام.
 
اللقاءات السياسية، منذ شهور، انحصرت حول تحسين شروط الاستلام. عبد الملك الحوثي يريد أن يستسلم، لكنه يريد استسلاماً بطعم الانتصار، ولو شكلياً.
 
لقد صنع الرجل في كل كيلومتر مربعاً ثأراً، مع كل الناس وضد كل الناس، وخاض حروب رجل انتحاري، لم يأبه قط بالذاكرة، ولم يعن بالتاريخ، وكأنه كان متأكداً أنه لن يعود مرة أخرى ليخاف من ضحاياه.
 
الآن يخشى من ضحاياه أكثر من أي شيء. لذلك يحاول تحسين شروط الاستسلام.
 
في تقديري، لقد أدت الحرب غرضها وأطاحت بالملك عبد الملك الحوثي، كما جردت صالح من القوة التي حملها في كشوف طويلة وعرضها أمام السعوديين قبل العاصفة قائلاً:
 
لدي مائة ألف مقاتل، اطلبوا مني واعطوني، وسأقاتل الحوثيين وأعيدهم إلى صنعاء!
 
صالح لم يعد قادراً حتى على مهاتفة ابنه، أما الحرس الجمهوري فقد صار ذكرى سيئة السمعة.
 
بعد العاصفة بستة أشهر كان الحرس الجمهوري قد تحلل عملياً، ولم يعد قادراً على الحركة ضمن أفواج أو تشكيلات صلبة.
 
وصلتني رسالة من العميد الصفواني، الناطق باسم الحرس الجمهوري، تعليقاً على مقالة لي: لقد انتهى كل شيء، لم يعد هناك من حرس جمهوري، لا صحة لما يرد على لساني، أنا ارقد في بيتي الآن.
 
أنجزت الحرب ـ التي أيدتها ـ هدفها الرئيسي، وبقي الجزء الخبيث منها.
 
الجزء الذي أدى إلى الإطاحة بعبد الملك الحوثي، ومنع نشوء الدولة الإسلامية الحوثية، انقضى.
 
ما يعمل الآن هو الجزء الآخر: الحرب التي ستخلق الارتزاق والعصابات والفقر، وسيحول دون أي عودة ممكنة للسياسة!
 
ما حدث في صالة العزاء لم يكن أمراً هيناً أبداً. أراد التحالف العربي أن يسدد ضربة رجل مل الحرب، وملّته. اعتقد التحالف أنه سيقضي على صالح وحشد من قيادات الحوثيين وقيادات الميليشيا والجيش، وسيحقق مكسباً يضع ختاماً للحرب. كانوا يعلمون عن وجود مدنيين بالمئات، لكن ذلك عُد ضمن الخسارات الجانبية التي يمكن احتواؤها. سيكرر التحالف العسكري العملية نفسها لكي يجبر الحوثيين على الاستسلام بشروط أقل. أما الحوثيون، وهم يدفعون الفناء بعد أن خسروا، تقريباً، كل شيء، فقد يرتكبون حماقات جليلة ومدمرة لكي يجبروا التحالف على قبول سقفهم العالي للاستسلام. ما حدث مع البارجة البحرية الأميركية لم يكن عفوياً.
 
سيقاوم الحوثيون وحلفاؤهم، ليس لأنهم أبطال بل لأنهم يريدون استسلاماً مشرّفاً. شخصياً يساورني قلقٌ من المنتصرين، أو المنتصرين الوشيكين.
ستتدحرج الحرب وقد تفلت من الجميع.
 
الحوار الجاري ليس سياسياً. على مدى شهور والحوارات محصورة في شروط الاستسلام التي يقدمها الحوثيون. هو حوار حول أفضل وضع للاستسلام، لا يوجد تعريف أكثر دقة.
 
قامت المقاومة بفعل مجيد، وحالت دون دخول اليمن في الحلزون الطائفي. الضالع وعدن ومأرب وتعز، هناك بدأت المقاومة الحقيقية. أتذكر الأيام الأولى لمقاومة تعز، ولم يكن هناك سوى المخلافي مع بضعة عشرات، وقفوا في الساعة الحاسمة والأكثر جللاً. عندما قال أحد الكتاب الكبار ساخراً: صامت تعز وأفطرت على المخلافي، كان المخلافي يؤسس لفعل سيتذكره أهل تعز لمئات السنين، ولم يعد بحاجة لمجد أكثر من ذلك، ولو كنت مكانه لانقطعت للتصوف، والنساء.
 
في الوقت نفسه كنت أتحدث إلى برلماني من تعز، وكان المفسبكون يتحدثون عن انتصارات المقاومة. أخبرني قائلاً: هناك حشود عسكرية رهيبة، أتوقع أن يقتل المخلافي ويقضى على المقاومة، فارق التسليح مهول. وراح علي البخيتي يكيل نقداً حاداً للكاتب ماجد المذحجي لأنه كتب مقالة قصيرة سمى فيها فيها المقاتلين في تعز ب"المقاومة". كرر البخيتي، عبر عشرات البوستات، موقفه الصارم: ما يجري في تعز هو حرب ضد القاعدة، ومن يقول غير ذلك فهو متمالئ مع القاعدة. مع الأيام سيشعر محمد عبد السلام بالغيرة القاتلة من البخيتي النشِط، والديناميكي، وسيعمل على تفريغه من كل عناصر القوة. هناك سيتذكر البخيتي أن الحوثيين جماعة كهنوتية، وسيدعو "مقاومة تعز" إلى تفويت الفرصة على المتربصين بها، وأن عليها أن تحتفظ بمكانها كنموذج أخلاقي مشرف!
 
لسنا "لستُ" بلا ذاكرة..
 
انتهت تلك الأيام.
 
ليس أكثر مجداً من المقاومة، ولا أقدس من الاستشهاد "بصرف النظر عن دين الشهيد وعقيدته"..
 
الآن...
 
لنضع حداً لما بقي من هذه الحرب. أعني الدفع في اتجاه مشروع كبير للعدالة الانتقالية، وقبل ذلك للسلم الأهلي..
 
الحرب تدخل، تدريجياً، الطور الخبيث .. بالنظر إلى ما تنتجه من الجوع والتشرد وبمعدلات مذهلة..
 
يكفي
وإلا، فإننا سنقف في المطارات منتظرين العودة، وستجري علينا لعنة درويش:
 
في مطار أثينا
انتظرينا سنينا!

*نقلا عن صفحة الكاتب
 

التعليقات