[ خصص الحوثيون مقاعد لأنصارهم بحجة مشاركتهم بالقتال لصالحهم ]
بنفسية مكسورة، وبعد عامين من متابعته لنشرات الأخبار التلفزيونية، في انتظار خبر سار يخرجه من دائرة القلق والانتظار بتوقف الحرب، قرر الشاب أصيل محمد أن يحمل ملفه هذا العام، ويترك قريته في ريف شرعب السلام بمحافظة بتعز، ويتجه نحو التنسيق في جامعة صنعاء، رغم تفاقم كل الصعوبات أمامه وبقاء الحرب مستمرة وانقطاع راتب والده منذ أكثر من عام.
في كلية الطب بجامعة صنعاء، اصطدم أصيل بالعدد الكبير والهائل للطلاب المتقدمين الذين وجدهم أمامه صباح يوم اختبارات القبول، لكنه يقول إنه سيخوض الاختبار، وسيتمسك بطموحه ولن يتخلى عنه رغم الحرب والصدمة التي وجدها أمامه، خصوصا وأن العدد الكبير المتقدم مقارنة بعدد الطاقة الاستيعابية والطلاب الذين سيتم قبولهم يجلب الصدمة فعلا.
يقول أصيل لـ "الموقع بوست": "عدد المتقدمين ثمانية آلاف طالب، بينما عدد الطلاب الذين سيتم قبولهم مئة وخمسون طالبا فقط، ولك أن تتصور أن المئة والخمسين سيكون بينهم وساطات ومحسوبية وما إلى ذلك".
محرر "الموقع بوست" زار كلية الطب بجامعة صنعاء وتحدث للطلاب الملتحقين أمام الكلية ويستعدون للدخول إلى قاعات الاختبار.
يبدو العدد كبيرا من خلال الازدحام هناك، ومن التقيناهم أكدوا بأن عدد الطلاب المتقدمين وصل إلى ثمانية آلاف طالب، وهو عدد كبير مقارنة بالأعوام الماضية، ومقارنة بالظروف، لكن ومن خلال مشهد الطلاب هناك يمكن القول بأن المجتمع اليمني، لا يزال متمسكا بمستقبله، ولم يتخل عنه، رغم الظروف ومحاولة الاستقطاب من قبل أطراف الحرب للشباب والدفع بهم إلى جبهات الحرب والقتال، وهو ما تحدث لنا عنه بعض من التقيناهم من طلاب وأكاديميين.
التمسك بالمستقبل والوعي المجتمعي
يقول الأكاديمي عبدالرقيب الدبعي، في حديثه لــ "الموقع بوست": "اليمنيون في وضع سيء للغاية من جميع النواحي، فالحرب وبقاؤها طويلة أضرت بالجميع، فلا رواتب ولا عمل ولا حركة، ولكن ورغم هذا إلا أن هناك إصرار مجتمعي على مواجهة هذه التحديات، فلاحظنا وتفاجأنا حين فتحت كلية الطب أبوابها هذا العام لاستقبال الطلاب المستجدين، إقبال بالآلاف، وهذا انعكاس لمدى تمسك اليمنيين بالحياة والتعليم، وتمسكهم بالمستقبل مهما كانت العوائق، إضافة إلى أن الأكاديميين مستمرون في مزاولة التدريس، واحترامهم ووفاءهم للعملية التعليمية دون أن يستلموا رواتبهم، ولكن هذا الأمر يتطلب سرعة صرف مستحقاتهم كي تستمر العملية التعليمية، ولكي لا تدمر حياة هؤلاء الطلاب الذين هم أساس تقدم الشعوب ".
من جهته يقول الناشط اليمني، محمد المقبلي في حديثه لـ "الموقع بوست": "هذا الإقبال المستمر على التعليم من قبل شباب اليمن إدراك وتشبث بالمستقبل، والهلع من أن توقف الحرب مستقبلهم هو انعكاس للشخصية اليمنية التي لا تتوقف عن التعليم ومعركة التعليم في اليمن ارتبطت بعناوين كبيرة بينها الحرية والخلاص من الجهل".
نهب المقاعد الدراسية
بعد يوم واحد من اختبار القبول، تحدثنا إلى أحد الطلاب الذين تقدموا، وكشف لنا بأنه لم يكن من ضمن المقبولين، ومن خلال اطلاعه على النتيجة، قال أستطيع أن أجزم بأن العملية لم تتم بنزاهة، وإنه كان هناك تدخل ومحسوبية ووساطات بإدراج أسماء لن تكن مقبولة، ونحن أفضل منهم وخضنا الاختبار بتفوق.
ويؤكد بالقول: "بإمكانك أن تقرأ أسماء المقبولين ستجد اغلب ألقابهم "الشامي" ما يثبت أن لجماعة الحوثي علاقة بنهب مقاعد الدراسة التي كان يفترض أن تكون هي من تبقت لنا وسط هذا الدمار والنهب لكل المقدرات ولكل المؤسسات المجتمعية".
ويشير هذا المتحدث الذي فضل عدم ذكر اسمه، كونه سيخوض اختبارا آخر في النظام الموازي نظام النفقة الخاصة، ويتمنى يكون من ضمن من سيتم قبولهم رغم أن المبلغ الذي سيدفعه يتجاوز الألف والخمس مئة دولار في العام الواحد، وظروف والده ليست على ما يرام حاليا ولكنه سيغامر، والمهم كما يقول إنه يقبل هذه المرة.
وسيخوض هذا الطالب أيضا اختبار قبول آخر في كلية طب الأسنان، ويؤكد أنه على إصرار بالالتحاق في التعليم الجامعي.
يقول أحد الصحفيين المهتمين بالعملية التعليمية في صنعاء، لــ "الموقع بوست": " هناك كارثة حقيقية على التعليم الجامعي التخصصي مثل الطب، والهندسة، لأن جماعة الحوثي، تقدم سنويا حسب معلومات قائمة بأسماء طلاب مشاركين معها في جبهات القتال، وتريد إدراجهم كطلاب في العملية التعليمية، وأنا شخصيا التقيت أحد الأشخاص قبل أيام وسألني عن طريقة التنسيق ليكمل إجراءات تسجيل شقيقه الغائب، الحاضر بجبهات الحرب في كلية الطب".
صعوبات الاستمرار
تقف الظروف الاقتصادية والمعيشية على رأس العوامل التي عملت على تراجع العملية التعليمية في اليمن، واضطرت الألاف من الطلاب على عدم المواصلة، وهذه واحدة من المشاكل التي رصدناها في هذه الجولة.
يقول أحد طلاب كلية الصيدلة بجامعة صنعاء، لـ "الموقع بوست" إنه عندما بدأ دراسة الصيدلة في العاصمة اليمنية قبل ثلاث سنوات، كان يخطط لنيل درجة البكالوريوس بسرعة ومواصلة دراسته ليصبح أستاذاً جامعيا، أو يصبح مندوبا صيدلانيا لدى إحدى الشركات الدوائية لكن، بدلاً من ذلك، كانت دراسته بطيئة وسببت له الكثير من الحرج، حيث اضطرت والدته لبيع أساورها الذهبية لدفع رسوم جامعته".
يقول بنبرة ألم وحسرة "الظروف المعيشية قاسية جداً في ظل الحرب على الرغم من أننا لسنا قريبين من مناطق الاشتباك ولسنا ضمن شريحة المتحاربين ولا علاقة لنا بذلك لا من قريب ولا من بعيد".
وتسببت الحرب الدائرة في اليمن بتوقف شبه تام لمنظومة التعليم العالي بالبلاد؛ حيث تضررت المنشآت التعليمية والمرافق الخدمية، بالإضافة إلى الأضرار التي تعرضت لها بعض مساكن أعضاء هيئة التدريس في الحرم الجامعي، والمساكن الطلابية.
وكانت أرقام تحدثت عن حرمان مئات الآلاف من اليمنيين من التعليم بسبب الحرب وبسبب الظروف الاقتصادية والدمار الذي طال الكثير من الجامعات، إلى جانب أسباب أخرى.
"الحرب لم تعد المشكلة الوحيدة أيضا، رغم الدمار، فتفاقم أزمة المشتقات النفطية، وانقطاع الرواتب وتدهور الوضع الاقتصادي جعل من عودة الطلاب للجامعات أمرًا في غاية الصعوبة" بحسب حديث البعض.
الانخراط في التطرف
بقاء الطلاب خارج الحرم الجامعي، أمر خطير حسب كثيرين، فالفراغ والفقر سيحول هؤلاء الشباب إلى متطرفين أو إلى محاربين مع أطراف الحرب، خصوصا في ظل بقاء الصراع وبقاء الحرب مستمرة في بلد يعتبر من أفقر البلدان في الشرق الأوسط.
يقول البروفيسور صالح باصرة، وزير التعليم العالي الأسبق، وأستاذ التاريخ اليمني، إن "ضعف التعليم العام، وتسرب الطلبة عن الدراسة، وعدم تمكن البعض من الالتحاق بالتعليم الجامعي، إلى جانب عدم توفر فرص عمل لخريجي التعليم الجامعي، والفقر، والبطالة المتفشية في اليمن، هي إحدى أسباب استقطاب الجماعات المتطرفة للشباب، وانخراطهم فيها، وتحويلهم إلى محاربين، يحملون معاول هدم للوطن، بدلا عن معاول البناء القائمة على العلم وحب الوطن".
وأكد باصرة بأن أم الكوارث هي تحويل مؤسسات التعليم العام والجامعي في اليمن إلى معتركات سياسية تضر بالوطن والتعليم ومخرجاته سلبا، قائلا في ندوة نظمها اتحاد الطلبة اليمنيين بماليزيا قبل فترة: "الجامعات ومؤسسات التعليم هي محل لتعليم السياسة وليست محل للمعترك والصراع السياسي".