[ الإصلاح أحد أبرز الأحزاب السياسية في اليمن ]
رغم التحديات المتزايدة التي تواجه حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يحتفل أعضاؤه هذه الأيام بالذكرى السابعة والعشرين لتأسيسه في 13 سبتمبر 1990، إلا أن الحزب سيظل يشكل أحد أهم ثوابت الحياة السياسية في اليمن، مهما كان حجم التحديات التي تواجهه، والتي تصل إلى التحدي الوجودي، في بيئة مضطربة محليًا وإقليميًا، وما تفرزه التوجهات الرسمية لعدد من دول المنطقة والعالم من مواقف مناهضة لأي بوادر تحول ديمقراطي حقيقي في العالم العربي، وتناصب الأحزاب الإسلامية العداء المطلق، بسبب إيمانها بالديمقراطية ودفاعها عنها، حتى وإن تغلفت أسباب العداء تحت قناع الإرهاب أو غيره.
وبما أن طبيعة الأزمة اليمنية، وأبعادها الإقليمية والطائفية، جعلت من الوضع بالنسبة لحزب الإصلاح وعلاقاته المحلية والإقليمية يشكل حالة خاصة من بين الأحزاب التي تشبهه فكريًا أو أيديولوجيًا في بلدان عربية أخرى، لكن ربما أن هذه الحالة الخاصة ستكون مؤقتة، لاسيما وأن مؤشرات تطورات الأحداث في المرحلة المقبلة تنذر بأزمات وخلافات وتحالفات جديدة، لعل أهمها ظهور مؤشرات تعزز التكهن بأن النظام العربي القديم يسعى إلى ترميم ذاته جراء عواصف ثورات الربيع العربي، خاصة بعد المرونة التي أبدتها بعض الأنظمة الخليجية تجاه نظام بشار الأسد في سوريا، ومحاولتها تدجين المعارضة السورية، وهو ما يفرض على الحزب التعامل بحذر وذكاء مع مختلف المستجدات المتوقعة.
- متاهة السياسة
الواقع المعقد والمحيط بحزب الإصلاح، جعله وكأنه وسط متاهة سياسية. وكما هو حال كل الأحزاب العربية، بمختلف توجهاتها الأيديولوجية، يبدو حزب الإصلاح بلا حلفاء أقوياء ودائمين، سواء كانوا أحزابًا أو أنظمة قوية ومستقرة، ذلك لأن التحالفات المختلفة في البلدان العربية تتسم بأنها غالبًا نفعية ومؤقتة، وكثيرًا ما ينقصها الثقة، وذلك لعدة أسباب، منها أن العرب أجمع ليس لديهم أي مشروع حضاري حقيقي يلتفون حوله، فهناك تعدد في الأهداف الذاتية والمصالح الخاصة من قبل الجميع، وخاصة المسلمين السنة.
وفي مقابل ذلك، تبدو العلاقة بين إيران وحلفائها من جماعات ومليشيات شيعية في العالم العربي قوية وأبدية، على العكس من التحالفات السنية، بما فيها التحالفات الموجهة ضد المشروع الإيراني الذي يستهدف الجميع، وتعود أسباب ذلك إلى أن حكام إيران يحركهم مشروع إمبراطوري توسعي، بينما الحكام العرب يحركهم مشروع عائلي سلطوي، وهو مشروع ضيق، غير قادر على تفهم المشاريع الإمبراطورية وكيفية مواجهتها، وينحصر التفكير في كيفية حماية السلطة وتوريثها للأبناء والأحفاد.
وإذا كانت تطورات الأحداث في اليمن، بعد انقلاب الحوثيين والمخلوع صالح على السلطة الشرعية، قد تجاوزت الإرث المقلق لثورات الربيع العربي بالنسبة لبعض دول المنطقة، وجعلت السعودية تتحالف مع حزب الإصلاح ضد التمدد الإيراني في اليمن، لكن السعي الدؤوب من قبل دولة الإمارات لتسميم العلاقة بين حزب الإصلاح والسعودية، والعمل على فض تحالف الطرفين، بعد أن سممت علاقته ببعض الأطراف داخل اليمن، تحت إغواء المال السياسي والتشكيلات العسكرية الموالية لها، فإن ذلك قد يتسبب بكارثة، ليس للحزب فقط، ولكن للمجتمع اليمني بشكل عام، وبما يخدم المشروع الإيراني ولو بعد حين.
ففي مجتمع قبلي وهش مثل اليمن، ويتراجع فيه الولاء الوطني لحساب ولاءات صغيرة ضيقة من السهل اختراقها، يبدو حزب الإصلاح صاحب الكتلة البشرية الأكثر حيوية وصلابة في المجتمع اليمني، وهي كتلة تنتشر على امتداد الجغرافيا اليمنية، ويعني ذلك شيئين: الأول، أن حزب الإصلاح، الذي يتجاوز الطائفية والمناطقية والقبلية بصلابته وحيويته، يشكل رافدًا مهمًا للحفاظ على الوحدة الوطنية، وعائقًا كبيرًا أمام المشروع الطائفي الإيراني وذراعه في اليمن (جماعة الحوثي). والثاني، حيوية حزب الإصلاح وامتداده الجماهيري سيجعل الحزب يمثل رقمًا صعبًا في مواقفه وتحالفاته السياسية، سواء كانت مع أطراف محلية أو قليمية.
وأمر كهذا، فإنه يفرض على الحزب مزيدًا من الأعباء، ربما تفوق أحيانًا قدراته وإمكانياته، كونه أصبح الحزب الوحيد في الساحة الذي يعول عليه كثيرون أمالًا كبيرة في التصدي لمختلف مشاريع التمزيق والإمامة والطائفية والمناطقية التي تعصف باليمن، والامتدادات الإقليمية لهذه المشاريع.
وفي الوقت نفسه، فإن مختلف الأطراف التي لها مشاريع صغيرة داخل اليمن، وتتناقض مع المشروع الوطني الكبير، فإنها ترى في حزب الإصلاح عقبة كبيرة أمام مشاريعها، سواء كانت مشاريع عائلية أو طائفية أو انفصالية، أو مشاريع أجنبية لها مصالح وأهداف خاصة في اليمن، مثل إيران ودولة الإمارات، وهذا هو ما يفسر الهجوم الإعلامي الذي يتعرض له الحزب من قبل معظم الأطراف، بمن فيهم بعض شركائه في الحرب على الانقلاب والتصدي للنفوذ الإيراني في اليمن.
- تحديات كبيرة
يمكن إيجاز المتاهة السياسية التي يعمل فيها حزب الإصلاح كالتالي: إنه يعمل وسط حقل ألغام، ومكبل بتحالفات محلية وإقليمية تفرض عليه تقديم المزيد من التنازلات والمزيد من التضحيات في نفس الوقت، وتتعرض مبادئه لعوامل التعرية بحسب ما تقتضيه تطورات الأحداث، ورغم ذلك، فالحزب يواجه بالنكران، وعدم الاعتراف بتضحياته التي يحصد مكاسبها الآخرون، وكل تحالفاته المحلية والإقليمية هشة وآنية وتنقصها الثقة.
منذ تأسيسه عام 1990 وحتى الآن، شهدت التحالفات السياسية لحزب الإصلاح تحولات كبيرة، ومثّلت تجربة ثرية ومتقدمة، قياسًا بالعلاقة التي كانت سائدة بين الأحزاب التي تشبهه أيديولوجيًا أو فكريًا وبين الأنظمة الحاكمة في عدة بلدان عربية، وهذه التجربة تعكس انفتاح الحزب على مختلف الأحزاب والتيارات، وأيضًا قدرته على ترويض خصومه السياسيين، الذين يحاولون استدراجه إلى معارك مسلحة أو فكرية أو إعلامية للنيل منه، ونجاحه في جرهم إلى مربع الصراع السلمي والهادئ الذي يريده هو وليس الذي يريدونه هم.
لكن مقتضيات المرحلة السابقة تختلف جذريًا عن مقتضيات المرحلة التي نعيشها اليوم، ففي السابق، كانت الأحزاب والحركات الإسلامية في عدة بلدان عربية تناضل من أجل الاعتراف بها، أو للتخفيف من حدة القمع الذي تتعرض له من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة، أو تبحث عن هامش ديمقراطي يمكنها من اكتساب شرعية الوجود، على الأقل لممارسة العمل الدعوي والخيري والاجتماعي، وفي أحسن الأحوال تمثيل نسبي في البرلمانات ومجالس الشورى، ولم تكن تحلم مطلقًا بالوصول إلى سدة الحكم.
أما اليوم، فقد أصبحت هذه الأحزاب والتيارات هي الحاكمة أو المشاركة في الحكم في عدة دول، مثل تركيا وتونس والمغرب، ووصلت لسدة الحكم في مصر قبل الانقلاب، وأصبح لها ثقلها الشعبي والإقليمي والدولي، ويعني ذلك أن هذه التحولات جعلت الأحزاب والتيارات الإسلامية تواجه دولًا وتحالفات إقليمية ودولية ضدها، تستهدف وجودها تمامًا، بعد أن كانت تواجه قمع الأجهزة الأمنية بنسب متفاوتة من بلد إلى آخر.
وعطفًا على ما سبق ذكره، يمكن القول إن القيادة الحالية لحزب الإصلاح لم تستوعب بعد التحولات المحيطة بها، وما زالت تتعامل مع مختلف الأحداث بنفس الأدوات القديمة، ويعود سبب ذلك إلى أن الحزب لم يطور ذاته تنظيميًا أو سياسيًا، ولم يطبق الديمقراطية بين صفوفه، وكل تصرفاته هي مجرد رد فعل على تصرفات الآخرين وبشكل غير مدروس غالبًا، ولا يمتلك حق الفعل والمبادرة في مختلف الأزمات أو محطات التحول السياسي.
- تراكمات سلبية
وبصرف النظر عن الأداء السياسي للحزب منذ تأسيسه عام 1990 وحتى يومنا هذا، والذي تختلف التقييمات له سواء من قبل بعض منتسبي الحزب أو من قبل الآخرين، لكن من الواضح أن هناك تراكمات سلبية لم يعمل الحزب على تجاوزها، مثله مثل غيره من الأحزاب اليمنية، وسيدرك الحزب حجم ذلك الخطأ في الوقت الحالي، والذي تتزايد فيه الدعوات إلى تطوير الحزب، وإجراء تغيير جذري في قيادته الحالية، وتطوير أسلوبه التنظيمي وخطابه الإعلامي وأدائه السياسي، بما يتواكب مع طبيعة المرحلة وتحدياتها الجسيمة.
صحيح أن الدعوات لتغيير قيادة الحزب عفوية ومبررة، لكنها غالبًا لا تعدو كونها مجرد استعراض كلامي، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الحزب مثقل بميراث سلبي تراكمي، ليس في ترسيخه لظاهرة "الأبوة السياسية"، المتمثلة في أن الحزب ترأسه الشيخ عبدالله الأحمر منذ تأسيسه حتى وفاته، ويرأسه حاليًا الأستاذ محمد اليدومي، وقد يستمر في رئاسة الحزب حتى وفاته، ولكن هناك معضلة أخرى، تتمثل في أن الحزب لم يهتم بإعداد قيادات سياسية وكوادر مؤهلة في السياسة والاقتصاد والإدارة والإعلام.
ما زالت اهتمامات الحزب منذ تأسيسه وحتى اليوم منصبة على التزكية الإيمانية والأخلاقية، وما زالت نظرته لأعضائه ومنتسبيه غالبا ما تكون وفقًا للالتزام التنظيمي وليس وفقًا للكفاءة والخبرة، وعلى هذا الأساس يتم التعيين في المناصب والوظائف المرتبطة بالحزب، وقد أضر غياب عنصر الكفاءة والخبرة كثيرًا بالحزب، وخاصة أدائه السياسي والإعلامي المرتبط مباشرة بالجماهير.
وهناك معضلة أخرى لم يتنبه لها الحزب، وهي تعد نتاجًا للميراث السلبي التراكمي للحزب بخصوص التأهيل، كما سبق ذكره، وتتمثل في "الفجوة الجيلية" بين جيل الشباب وجيل الشيوخ، فجيل الشباب أكثر ثورية وحماسة وحيوية وأكثر انفتاحًا في نفس الوقت، ومواقفه غالبًا متهورة وانفعالية وغير مدروسة.
أما جيل الشيوخ، وخاصة القيادات العتيقة للحزب، فهو جيل يتسم بكثرة التأني المبالغ فيه، وبطء الحركة، والتعقل السلبي، وعدم القدرة على المبادرة، ومسكون بهواجس المؤامرات، والاهتمام بالتحالفات السياسية وتوابعها وما تقتضيه من تنازلات، وغير ذلك من حالات التكلس والتبلد السياسي، وكل ذلك بسبب عدم الاهتمام بتأهيل وإعداد كوادر في مختلف المجالات، وخاصة المجالات المرتبطة بالعمل السياسي والحزبي، وعدم وجود مراكز دراسات وبحوث متخصصة تابعة للحزب، وتقدم استشارات يستفيد منها الحزب.
- أعباء الأيديولوجيا
ما الذي جعل حزب الإصلاح يعلن أكثر من مرة عدم ارتباطه بحركة الإخوان المسلمين؟ هل هي متاهة السياسة أم أعباء الأيديولوجيا أم الاثنتان معًا؟ وما الذي جعل جماعة الحوثي تصف حزب الإصلاح بالحزب السلفي الوهابي التكفيري أثناء الحرب في محافظة عمران والتقدم صوب العاصمة صنعاء؟ وعلى النقيض من ذلك، ما الذي جعل بعض خصوم الحزب يصفونه بإخوان اليمن؟ وقبل ذلك بسنوات، ما الذي جعل إعلام المخلوع علي صالح يصفه بطالبان اليمن؟
يُعرّف حزب الإصلاح نفسه بأنه يمثل امتدادًا لحركة الإصلاح اليمنية، والتي كان لها دور في مقارعة ظلم وفساد نظام الإمامة الزيدية، واستمر هذا الدور في مختلف مراحل النضال الوطني حتى اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1926 التي نجحت في الإطاحة بنظام الإمامة وإلى الأبد، حتى وإن ظهرت محاولات يائسة لإعادة الإمامة فمصيرها الفشل.
ومع كل ذلك، فالتوجه الحركي الإصلاحي للحزب، المستند إلى الشريعة الإسلامية، جعل الحزب يشعر بأنه مثقل بأعباء أيديولوجية، بسبب البيئة المختلة والاستبدادية والغير ديمقراطية محليًا وإقليميًا، فجميع الأطراف تدرك أن الحزب لا علاقة له بالتطرف والإرهاب، لكن التهم المختلفة مفصلة وجاهزة للاستخدام في أي وقت، وذلك يعني أنه لا فائدة من إعلان الحزب عدم ارتباطه بالإخوان المسلمين أو السلفية الوهابية أو غيرها، فمثل هذا الإعلان يدين حركات وأحزاب قدمت دروسًا وتضحيات جسيمة من أجل أهداف تقدمية وحضارية تمثل حلم معظم الجماهير في العالم العربي.