تتطلب التحليلات المناسبة لشبكات الروبوتات (البوت) مهارات وطريقة تفكير جديدة تماماً على علماء الاجتماع والصحفيين.
تحمل كل انتخابات جديدة جولات جديدة من التقارير عن أن شبكات البوت، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عززت اصطناعياً حظوظ مرشح بعينه، وتدعو بالتالي إلى دراسة حالة أخرى تنتهي إلى تأكيد تحديات التعامل مع عصر جديد من الدعاية الرقمية الزائفة.
خلال الانتخابات العامة في المملكة المتحدة، كانت إحدى تلك المحاولات الجديرة بالملاحظة مقال في صحيفة التلغراف حول سلسلة من شبكات البوت التي قامت بإغراق تويتر برسائل مؤيدة للمرشح كوربين ومعارِضة للمرشحة ماي. كانت الحقائق الأساسية للقصة غامضة، على صحتها: فقد كان هناك عدد كبير من مستخدمي تويتر الذين يطلقون رسائل مؤيدة لكوربين بتواتر سريع في الأسابيع الأخيرة السابقة ليوم الانتخابات. ولكن لم تتمكن المقالة من تقديم دليل قوي عن الحجم أو النية.
إن إمكانية قيام الروبوتات بتضخيم حجم الدعم لمرشح معين – ناهيك عن نشر المعلومات المضللة – أمر يستحق الحديث عنه. لكن التحليلات المناسبة لهذه الشبكات تتطلب مهارات وطريقة تفكير جديدة تماماً على علماء الاجتماع والصحفيين.
كيف يمكننا البدء في التفكير في التحقق من أشياء مثل الحملات الآلية؟ ما هي الأسئلة التي نود طرحها إذا كنا نبحث عن حملات بوت مناصرة لكوربين؟ فيما يلي بعض الأفكار:
كيف نحدد “الروبوتات”؟
تركز معظم الجهود للكشف عن الروبوتات على تجميع سجلات من مجموعة من الخصائص، مثل المتابعين والأصدقاء وأعمار الحسابات. في حين يمكن لميزات مثل هذه إخبار الكثير، إلا أن نهج التصنيف يعتبر ضيقاً جداً إذ أنه يفترض أن جميع الروبوتات تبدو متشابهة. في حين أظهر عملي، على النقيض من ذلك، أن كل مجموعة من الروبوتات مميزة بخصائص مختلفة تميزها بطابع زائف.
ولكن لا تأتي جميع الأنشطة الآلية من حسابات غير إنسانية كلياً. فبالإضافة للحسابات التي تديرها البرامج حصراً، هناك تقارير عن حالات من حسابات “سايبورغ” مدارة بشكل مشترك من قبل أشخاص وحسابات قانونية تُستخدم في الحملات الآلية. تبدو هذه الحسابات طبيعية تقريباً بحيث تعرض سلوك غير طبيعي بشكل محدود أو بشكل متقطع.
أكان الحساب آلياً أم لا، هناك خاصية مشتركة غير قابلة للتغيير للحسابات الآلية المشاركة في الحملات، لأنها ترتبط مباشرة بقيمتها ويُعتبر تجنبها مكلفاً: إنها تنشر كثيراً. إن خلق كمية كبيرة من اللغو لدفع خططك قدماً هو هدف حملات وسائل الإعلام الاجتماعية الآلية. ولكن الطريقتين الوحيدتين للقيام بذلك هما (1) وجود عدد قليل من الحسابات تنشر الكثير أو (2) الكثير من الحسابات التي تنشر القليل. الخيار الأخير هو أكثر تكلفة بكثير. ولهذا فإن ارتفاع وتيرة النشر عموماً هو إشارة جيدة للبدء في البحث عن الحسابات المشتبه بها.
للخوض في هذه الفكرة، قدم معهد أكسفورد للإنترنت تعريفاً لمستخدم تويتر الذي ينشر بتواتر عال: هو حساب يغرد أكثر من 50 مرة يومياً تقريباً. حتى أن هذا المعيار ليس مثالياً، لأنه في بعض الأحيان يشير للتغريدات الغزيرة للصحفيين، على سبيل المثال. يفضل باحثون آخرون تعريفات أكثر تحديداً، ولكن يمكن اعتبار تعريف أكسفورد صحيحاً وقابلاً للتطبيق وذا مصداقية بشكل عام.
كم من مستخدمي تويتر الذين ينشرون بتواتر عالٍ عملوا لحسابات المرشحين كوربين وماي؟
عند البحث عن شبكات الحسابات الآلية، يطلب المرء بيانات عن النشاط والمستخدمين والمتابعين والأصدقاء. في حالة تويتر، يعني ذلك العودة للعديد من واجهات برمجة التطبيقات (API) الخاصة بتويتر، على سبيل المثال: أنظمة لطلب البيانات عبر برمجيات الويب.
هناك واجهات برمجة تطبيقات يمكن من خلالها استرداد التغريدات حول موضوع معين: واجهة برمجة تطبيقات البحث وواجهة برمجة تطبيقات التدفق. يأخذ كلاهما مصطلح البحث كدخل ويعرض التغريدات التي تحمل هذا المصطلح في نصها. على سبيل المثال، من خلال البحث عن ‘jeremycorbyn@’ و ‘theresa_may@’، يمكننا جمع عينة من التغريدات التي ذكرت كل حساب، بما في ذلك إعادة التغريد.
لكل نوع واجهة برمجة تطبيقات مزاياه وعيوبه. على سبيل المثال، تعرض واجهة برمجة تطبيقات البحث عينة غير كاملة من التغريدات والتي قد لا تشكل تمثيلاً صحيحاً للحسابات “غير المرغوب فيها”. ومع ذلك، فإنها واجهة برمجة التطبيقات الوحيدة التي تسمح بعرض التغريدات التي تم نشرها، لذلك هي ما استخدمته هنا.
شكلتُ عينتين عشوائيتين من 5000 حساب ذكر إما حساب كوربين أو ماي على تويتر بين 25 مايو/ أيار و 5 يونيو/ حزيران*، ثم قمت باسترجاع الجدول الزمني لكل حساب باستخدام واجهة برمجة تطبيقات تويتر وحسبت المتوسط اليومي لتواتر نشر التغريدات. (من الناحية الفنية، يمكن للمرء حساب التواتر تقريبياً بقسمة مجموع تغريدات الحساب على عدد الأيام منذ إنشائه، ولكن قد تؤدي هذه الطريقة إلى ظهور نتائج كاذبة في حالات الحسابات غير النشطة لفترة طويلة أو التي قامت بحذف تغريداتها).
ينطبق تعريف أكسفورد لمستخدم تويتر الذي ينشر بتواتر عال على ما يقرب من 7 في المئة ممن ذكروا كوربين. ولكن بفضل إنتاجيتهم، نشرت هذه الحسابات أكثر من 19 في المئة من كل ما ذُكر عن كوربين في العينة العشوائية. بعبارة أخرى، فإن مجموعة صغيرة نسبياً من مستخدمي تويتر الذين ينشرون بتواتر عال نشرت تغريدة واحدة تقريباً من كل خمسة من التغريدات التي ذكرت كوربين، أو أعادت نشر التغريدات عنه، في العينة.
أهم الوسوم للتغريدات الأتوماتيكية لمن ذكروا المرشحة ماي
ولكن ماذا عن المرشحة ماي؟ لعله من المستغرب أن تكون نسبة مستخدمي تويتر الذين ذكروا رئيسة الوزراء أكبر بكثير (أكثر من 10 في المئة) من الحسابات التي توافق معيار أكسفورد لمستخدمي تويتر الذين ينشرون بتواتر عال. ومع ذلك، على الرغم من أن مستخدمي تويتر الذين ينشرون بتواتر عال يشكلون نسبة أكبر من المغردين عنها، فقد نشروا 22 في المئة فقط من التغريدات التي تذكر ماي وتعيد نشر التغريدات عنها – وهو رقم أكثر بقليل مما أنتجه مستخدمو تويتر الآليون الذين ذكروا كوربين.
هذه الأرقام جديرة بالملاحظة بشكل خاص نظراً للتحيز المحتمل لواجهات برمجة تطبيقات البحث ضد حسابات البريد المزعج (spam)، وحقيقة أن الدراسة السابقة لجامعة أكسفورد وجدت مستويات أقل من النشاط عالي التردد باستخدام واجهة تطبيقات التدفق.
ماذا كانت تغريدات الحسابات؟
النشاط الآلي ليس بجريمة بحد ذاته. قدرت دراسة صدرت مؤخراً من USC وجامعة إنديانا أن ما بين 9 و 15 في المئة من حسابات تويتر النشطة هي آلية، تغرد كل شيء من الأخبار وحتى الشعر الحديث. ومع ذلك، من الضروري أن ننظر ما إذا كانت التغريدات المنشورة بمساعدة الكمبيوتر ذات صلة بالانتخابات وتروج لمرشح واحد على حساب الآخر.
إذا نظرنا مرة أخرى للجدول الزمني لكل حساب، فإن متوسط 79 و 76 بالمئة من تغريدات ذاكري كوربين وماي، على التوالي، كانت عبارة عن إعادة تغريد بدلًا من كونها محتوى أصلي. أما بقية التغريدات التي وردت في التغريدات الآلية كانت تتكون بشكل أساسي من ردود تبدو طبيعية.
أظهرت أكثر 25 تغريدة أعادت الحسابات الآلية تغريدها لصالح كوربين في بيانات البحث تعاطفاً مع قائد حزب العمل، و 18 منها كانت إعادات تغريدات من كوربين نفسه. في حين كانت مثيلتها لدى ماي عبارة عن انتقادات لرئيسة الوزراء، وشملت أيضاً عدة إعادات تغريد لكوربين، الذي كانت له عادة تضمين عنوان حساب ماي على تويتر في تغريداته. ولكن حتى بعد تهميش كل إعادات التغريد لكوربين جانباً، بقي تغريد مهم واحد فقط في صالح ماي.
أهم التغريدات التي أعاد تغريدها مستخدمو تويتر ذوي التواتر العالي لكوربين:
جاء بعض المحافظين لزيارة أمي بينما كنت أتحدث معها على برنامج فيس تايم. عليك مشاهدة هذا. jeremycorbyn@
أهم التغريدات التي أعاد تغريدها مستخدمو تويتر ذوي التواتر العالي لماي:
ينعكس هذا النمط المؤيد لكوربين في أكثر الوسوم تداولاً التي تستخدمها كلتا المجموعتين من مستخدمي تويتر ذوي التواتر العالي. بالنسبة لأولئك الذين ذكروا كوربين، كان أهم 25 وسم (هاشتاغ) إما موالياً لحزب العمال، أو محايداً أو لا علاقة له بالانتخابات. على النقيض من ذلك، شملت الوسوم المفضلة لمن ذكر المرشحة ماي #VoteLabour #ForTheMany و #ToriesOut
هذا لا يعني أنه لم يكن هناك روبوتات تعمل لصالح ماي. على سبيل المثال، أتت أكثر الردود ثرثرة على كوربين من مؤيدي ماي. ولكن يبدو التحيز لليسار بين مستخدمي تويتر ذوي التواتر العالي جلياً.
هل هناك أي دليل على وجود شبكة؟
بالنظر إلى أن العديد من الحسابات الآلية تملك نفس الميل السياسي، فإنه من الجدير التساؤل عما إذا كان هناك تداخل بين العينتين.
في الواقع، فإن نصف ذاكري كوربين الآليين على تويتر ذكروا ماي أيضاً، مرة واحدة على الأقل، وحوالي 62 في المئة من ذاكري ماي الآليين على تويتر ذكروا كوربين أيضاً. هذا ليس غريباً بالضرورة بسبب عدد المرات التي ذكر فيها كوربين ماي. ومع ذلك، هناك عوامل أخرى تشير إلى أن الحسابات قد تكون مرتبطة ببعضها. باستخدام واجهة برمجة تطبيقات أخرى – للصداقة – تنتج قوائم من أسماء الحسابات التي تمثل أصدقاء كل حساب. وباستخدام هذه الأسماء، يمكن للمرء إنشاء جداول تصف العلاقات بين الحسابات.
تمت متابعة أكثر من 55 في المئة من هؤلاء المغردين الآليين من قبل مستخدم آلي آخر، وتقاسم ما يقرب من 24 في المئة من أصدقاء المغردين الآليين (أي الحسابات التي يتبعونها) اثنين على الأقل من المغردين الآليين. (ملاحظة: من المحتمل ارتفاع الأرقام بزيادة حجم العينة).
ليس من الواضح أن الشبكة التي وجدتها هي نفسها التي ذُكرت في صحيفة التلغراف. فقد كان لدى 2 في المئة فقط من مستخدمي تويتر ذوي التواتر العالي أسماء مطابقة للنمط الموصوف في مقال صحيفة التلغراف، وهو اسم تليه ثمانية أرقام. ومع ذلك، قد يرجع عدم وجود مثل هذه الحسابات جزئياً إلى تحيز واجهة برمجة التطبيقات للبحث ضد بعض الحسابات.
الخلاصة
تم تحفيز حسابات تويتر الآلية المؤيدة لكوربين والرسائل المعارضة لماي في الجزء الأخير من الانتخابات إلى درجة مثيرة للقلق. وعلاوة على ذلك، يبدو أن بعض هذه الحسابات ربما تنتمي لنفس الشبكة.
ومع ذلك، لا يوجد في هذه النتائج التي عرضتها هنا ما يربط الحسابات بحملة حزب العمل أو أي مجموعة أخرى. حتى أنه يشك بصحة الاعتقاد أنه تمت تعبئة هذه الحسابات بشكل واضح لتعزيز حظوظ كوربين: من المعروف أن الروبوتات تتداخل اعتباطياً مع المحتوى في محاولة لإظهارها أكثر طبيعية. وبما أن الكثير من مشاركات تويتر سياسية، فإننا نتوقع تداخل الحسابات الآلية للتعامل مع السياسة إلى حد ما. بكل الأحوال فإن تأثير هذه الحسابات على النقاشات الانتخابية لا يتغير.
إن التقرير عن الدعاية الرقمية الزائفة هو عمل مهم. ولكن على الرغم من عدم إمكانية الروبوتات التصويت، لكن إظهار الدعم لمرشح، له تأثير حاسم على أولئك الذين ينتخبون. ومع استمرار الصحفيين باستقاء الدلالات من وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر، ومع استمرار انكماش غرف الأخبار وحقيقة أن وقت الصحفيين أصبح أكثر قيمة، يبدو أن هذه الحقيقة لن تتغير.
لقد بدأنا التفكير في كيفية البحث عن التشغيل الآلي لوسائل الإعلام الاجتماعية، ولكن كيف يمكننا إعداد الصحفيين للقيام بهذا العمل؟ ربما من خلال اشتراك المنظمات الإخبارية مع الجامعات لإرسال طلاب الدراسات العليا في العلوم الحاسوبية للانضمام إلى غرف الأخبار خلال الانتخابات. ولكن يحدث التشغيل الآلي خارج وقت الانتخابات أيضاً. وقد تكون أفضل إجابة هي إقامة شراكات بين الباحثين والمطورين وصحفيي البيانات لتطوير أدوات سهلة الاستخدام وتنظيم مناسبات تدريبية.
أياً كان الحل، علينا أن نجده. لا يمكننا ترك الروبوتات تهزمنا.
يستند هذا التحليل على ما يقرب من 460 ألف تغريدة تم استردادها من خلال واجهة برمجة تطبيقات البحث لتويتر. تم جمع كل التغريدات التي ذكرت كوربين بين 25 مايو / أيار و 4 يونيو / حزيران، والتغريدات التي ذكرت ماي بين 31 مايو / أيار و 5 يونيو / حزيران. كما تم جمع عينات عشوائية أصغر من الحسابات للضرورة، بسبب اعتمادها على الطلبات الإضافية لواجهة برمجة تطبيقات تويتر لتحديد معدلات تغريدات الحسابات.
دعم فيسبوك وغوغل نيوز لاب عمل فيرست درافت وفل فاكت مع غرف الأخبار الرئيسية لتحديد الشائعات والمعلومات المضللة المنتشرة على الإنترنت خلال الانتخابات العامة في المملكة المتحدة.
هذا هو المقال الرابع في سلسلة مقالات حول مشروع فيرست درافت وفل فاكت خلال انتخابات المملكة المتحدة.