يعتبر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الإعلام، عدوّه الأول. في استراتيجيّته المتّبعة منذ ترشّحه للرئاسة، يصف القنوات والصحف بـ"منصّات الأخبار الكاذبة". وليس هذا فقط، فقد اعتبر كبير مستشاري ترامب الاستراتيجيين، ستيف بانون، أنّ الإعلام هو "الحزب المعارض" للإدارة الحاليّة.
وقال بانون، في تصريحات نشرتها "نيويورك تايمز"، في يناير/كانون الثاني الماضي "على وسائل الإعلام أن تشعر بالحرج والخزي وأن تُبقي فمها مغلقاً، وأن تصمت حالياً". وأضاف أن الإعلام يمارس دور الحزب المعارض، ولا يفهم هذا البلد، "إنهم لا يفهمون حتى الآن لماذا دونالد ترامب هو رئيس الولايات المتحدة".
تصريحات بانون لم تصدم الإعلام، فقد كرّر ترامب، في مناسبات عدّة، أنّ الإعلام لا ينصفه ولا ينقل الحقائق. وبرّر استخدامه اليومي لموقع "تويتر" بأنّه أسرع وأقرب إلى الجمهور، ويعرض رأيه مباشرةً من دون "تحوير الإعلام الكاذب".
أما ما لا يجب فعله، فكان كالتالي "لا تخضعوا للترهيب. لا تخوضوا معارك غير ضرورية وتجعلوا القصة عنا. لا تعبّروا علناً عمّا يمكن أن يكون إحباطاً يومياً. في بلدان أخرى نحافظ على محامينا الخاصين حتى نتمكن من إتمام تقاريرنا من دون أن يُشتبه في العداء الشخصي. نحن بحاجة للقيام بذلك في الولايات المتحدة أيضاً. وأخيراً، لا تأخذوا فكرة قاتمة عن بيئة التغطية: إنّها فرصة لنا لممارسة مهارات تعلّمناها من أماكن أصعب حول العالم، وبالتالي توفير مواد طازجة وأكثر فائدة وتُلقي الضوء على معلومات أكثر من أي مؤسسة إعلامية في أي مكان".
رئيس تحرير موقع "فوكس"، إيزرا كلاين، في مقابلة مع "بيزنيس إنسايدر"، الاثنين، قال إنّ المؤسسة توظّف صحافيين جددا كي تستطيع تغطية سياسة ترامب والبيت الأبيض، والتي غالباً ما يتمّ تجاهلها بسبب التركيز على تغريدات ترامب ومشاجراته وهوسه. وتهدف التوظيفات إلى استقطاب صحافيين يغطون نهج ترامب، بينهم اختصاصي بأثر ذلك النهج على الاقتصاد والأميركيين والمجتمعات المنكوبة.
واعتبر رئيس تحرير "دايلي بيست" جون أفلون، أنّ كلّ حدث كبير يجلب معه فرصاً وقواعد جديدة، ووسائل الإعلام تحتاج إلى إعادة التقويم بناءً على كلّ تحدّ.
وأوضح أفلون في مقابلة مع "بيزنيس إنسايدر"، الاثنين، أنّ حسابات "دايلي بيست" خلال الحملات الانتخابيّة أظهرت "التركيز على السياسات المحليّة للرئيس الجديد، فالسنة الأولى تبرز فيها التحديات العالمية، وبينها التنظيمات الإرهابيّة التي تمتحن الرئيس الجديد".
وأكّد أفلون أنّ المؤسسة قامت بتوظيفات لهذه الغاية، بينها مراسل جديد للبيت الأبيض والشؤون العسكرية، وكاتب محافظ جديد.
وكذلك فعلت "ذي أتلانتيك"، فأكّد رئيس تحرير الموقع، جيفري غولدبرغ، أنّ المؤسسة تواصلت مع عدد من الصحافيين المعروفين في "بوليتيكو" و"بازفيد" لتغطية الإدارة الجديدة. وأضاف، في مقابلة مع "بيزنيس إنسايدر"، أنّ الموقع، كوسائل الإعلام الأخرى، خصّص مصادر أكثر من المعتاد لتغطية التجربة الجديدة.
وأكد غولدبرغ أنّه لا يأبه لانتقادات ترامب، مضيفاً "كأي صحافي يحترم نفسه، تلك الانتقادات تحفّزنا على القيام بعملنا فقط".
موقع "بازفيد" تعاقد أيضاً مع مراسل جديد للعمل بدوام كامل لتغطية العلاقات المتوترة بين ترامب والمؤسسات الإعلامية.
وأشار "بازفيد" إلى أن المراسل ستيفين بيرلبرغ سيتولى هذه المهمة، بعد انتقاله من صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إلى الموقع. علماً أن ترامب وصف الموقع بـ"كومة القذارة"، بعد نشره تقريرا مليئاً بالادعاءات المحرجة وغير المثبتة حول سلوكه في روسيا، في وقت سابق من الشهر الحالي.
وقالت المحررة الأولى في الموقع، كاثرين ميلر، "حاولنا النظر إلى المشهد العام، لنرى ما يمكننا إضافته"، وتابعت "خلال الأشهر الثلاثة الماضية، أثير نقاش واسع حول السياسة والإعلام، وكيف يمكننا تغطية الوافد الجديد إلى البيت الأبيض".
وحول ذلك، قال رئيس تحرير "بازفيد"، بن سميث، "أحد التغييرات الأساسيّة في الإدارة الجديدة هي العلاقة الهوسية بين ترامب والإعلام، خصوصاً التلفزيون. لذلك وظفنا بيرلبرغ".
وأضاف سميث، في مقابلة مع "بيزنيس إنسايدر"، "بشكلٍ واسع، سنستمر في تغطيتنا القوية والعادلة التي بدأناها منذ الحملة الانتخابيّة".
من ناحية ثانية، قال رئيس التحرير التنفيذي لـ "واشنطن بوست"، مارتن بارون، إنّ الصحيفة لم تُغيّر طريقة تغطيتها من أجل ترامب، مضيفاً، في مقابلة مع "بيزنيس إنسايدر"، "لم نبدّل طريقة تأديتنا لوظائفنا".
ويأتي ذلك في وقت كشف تقرير لمجلة "بوليتيكو" أنّ "واشنطن بوست" بصدد توظيف العشرات من الموظفين الجدد وضمهم إلى طاقمها.
وقالت "بوليتيكو" إن الصحيفة مقدِمة في 2017 على القيام بخطوة فريدة في عالم الصحافة اليومية. وهي إضافة المزيد من الصحافيين. ونقلت عن مديرها، فريد ريان، قوله إن السبب وراء هذا القرار يرجع إلى أنها مؤسسة "مربحة وفي توسّع مستمر".
كُلّ ذلك، دفع مؤسسات إعلاميّة عديدة إلى إصدار آليّات تحريريّة جديدة خاصّة بتغطية ترامب، وتوصيات لصحافييها "لتجنّب مضايقات الرئيس لهم"، بالإضافة إلى لجوئها إلى توظيف صحافيين يختصّون بمتابعة إجراءات ترامب وتأثيراتها.
فقد أطلق رئيس تحرير وكالة "رويترز"، ستيف أدلير، آليةً وُزّعت على العاملين في الوكالة، الأسبوع الماضي، لكيفيّة تغطية أخبار الرئيس الأميركي، تضمّنت ما يجب وما لا يجب على صحافيي الوكالة فعله.
الرسالة نُشرت على موقع الوكالة باللغة الإنكليزيّة، وقال أدلير فيها: "لقد كانت الأيام الـ12 الأولى لعهد ترامب (نعم، هذا كل الوقت الذي مرّ) لا يُمكن أن تُنسى، خصوصاً لنا كعاملين في مهنة الأخبار. ليس كلّ يوم يقوم رئيس أميركي بتصنيف الصحافيين على أنّهم "بين أكثر البشر كذباً على الكرة الأرضية"، أو أن يعتبر كبير استراتيجييه أنّ الصحافيين من ضمن المعارضة الحزبية. لذا، فإنّه ليس مستغرباً أن تكثر الأسئلة والنظريات حول كيفيّة تغطية شؤون هذه الإدارة".
وسأل أدلير "إذاً ما هو ردّ فعل "رويترز"؟ هل نقوم بمعارضة الإدارة أم نسترضيها؟ هل نقاطع جلسات الإحاطة الخاصة بها؟ أم هل نخصص منصّتنا لحشد الدعم للصحافيين؟"، مضيفاً "كل هذه الأسئلة صحيحة وممكنة في مكانٍ ما، لكن ليس لرويترز، لأنّها تفعل الأمر نفسه كلّ يوم حول العالم".
وأشار أدلير إلى أنّ "رويترز" تعمل في 100 دولة، بينها دول لا تُرحّب بالصحافيين مثل مصر والصين وروسيا والعراق واليمن وتركيا والفيليبين، والتي يتعرض فيها صحافيو الوكالة إلى مزيج من الرقابة والملاحقة القانونية، وعدم منح التأشيرة، وحتى التهديدات الجسدية، بحسب أدلير.
وأضاف "نرد على كل هذه التهديدات عبر بذل قصارى جهدنا لحماية صحافيينا، بإعادة التزامنا بتقديم التقارير الصادقة، ونحن لا نعرف، حتى الآن، كيف ستكون حديّة هجمات إدارة ترامب مع مرور الوقت، أو إلى أي مدى سوف ترافق تلك الهجمات قيود قانونية على جمع الأخبار".
وحدد أدلير ما يجب فعله، كتغطية ما يؤثر في حياة الناس، وتأمين حقائق تساعدهم في اتخاذ قرارات أفضل، وأن نصبح واسعي الحيلة أكثر من أي وقت مضى: إذا أقفل باب، نفتح آخر. ثالثا، التخلي عن البيانات والنشرات الموزّعة وعدم القلق على الوصول الرسمي، لم يكونوا مساعدين أصلاً في السابق. تغطيتنا في إيران قوية ولا نملك أيّ وصول رسمي للمعلومات، بل فقط مصادر. الاختلاط مع المواطنين أكثر لمعرفة كيف يعيشون، وماذا يفكرون، ما يساعدهم وما يؤذيهم، وكيف تبدو لهم أفعال الحكومة، لا لنا. وخامساً إبقاء مبادئ تومسون رويترز حاضرة: يجب الحفاظ في جميع الأحوال على النزاهة والاستقلال وعدم التحيّز.