يسأل ناظر البوساني - معلم - ما إذا كانت هناك ضوابط تحكم أداء المواقع الإخبارية اليمنية. ويقول: "أشعر أحيانا أن هذه المواقع "تسخر" من القارئ وتتعامل معه وكأنه لايفهم رغم أنني أعرف أن هناك قواعد مهنية ومعايير تحكم الصحافة وأن الأمور ليست فوضى".
البوساني كان يتحدث بامتعاض عندما التقيناه بالمصادفة في مجلس عزاء بصنعاء، وكان يوجه لومه لنا باعتبارنا ننتمي لمهنة الصحافة، ويتهمنا باللهث وراء القراء والربح من وراء إعلانات جوجل دون إدراك أن ذلك يؤثر على مستوى ثقة القراء بالصحافة - حسب تأكيده.
تحدث البوساني عن مواقع كثير وذكر أسماء بعضها، وقال: إن هذه المواقع تستخدم التضليل على القراء وتكتب عناوين مثيرة وعندما يتم النقر على الخبر لقراءته يتضح أن المضمون بعيد تماما عن العنوان، وهذا يجعلني أحمل نظرة سيئة على المواقع وعلى الصحافيين وأشعر أن ما فيش صحافة".
عشرات المواقع الإخبارية
تغص الساحة الصحفية اليمنية بعشرات المواقع الإخبارية اليمنية التي تتنافس على نقل الخبر والمعلومة للقراء. وبحسب أحمد السيد - مصمم مواقع إلكترونية - فإن سهول إنشاء المواقع وثمن إنشاءها الذي يصل أحيانا إلى 300 دولار جعل الكل يتدافع لتصميم مواقع إخبارية أصبحت تعتمد في دخلها على إعلانات جوجل.
ويضيف في تعليق لـ"المشاهد": "صممت مواقع كثيرة على ورد برس، معظمها لخريجين جامعات ليسوا من الإعلام ومعظمها ليس لها أي دعم من أي جهة، وكل دخلها يعتمد على إعلانات جوجل رغم أن العائد من جوجل ضئيل جدا".
ويتابع: "صحيح هناك أرباح تحققها بعض المواقع لكن تنحصر في المواقع التي لها جمهور عريض وهي مدرجة في محركات البحث مثل صحافة نت والسجل ومحيط اليمن واليمن الآن ويمن بوست وغيرها من محركات البحث التي ترفع سقف القراء للمواقع وهذا يسهم في رفع أرباحها من إعلانات جوجل".
إعلانات جوجل "تتحكم"
عامر الدميني رئيس تحرير موقع "الموقع" في حديث له مع "المشاهد" يؤكد أن إعلانات جوجل باتت تتحكم في توجيه الصحافة الالكترونية اليمنية وتحدد مسارها، بل تحولت إلى غاية لدى تلك المواقع وليست وسيلة للمساعدة في عملها.
ويضيف: "اعلانات جوجل أفقدت الصحافة اليمنية الكثير من أخلاقيات المهنة وضوابطها، وجعلتها تعمل في سبيل جذب مزيد من الاعلانات والحصول على عوائد مالية سريعة على حساب جودة المادة وأهميتها وطريقة تحريرها، فتجد أن أغلب المواقع تنشر مواد صحفية فيها الكثير من عوامل الجذب للقارئ في العناوين بهدف فتحها ومتابعتها، وعندما تدخل لتلك العناوين ستجدها فارغة، والغرض هو الحصول على الكثير من القراءات للحصول على عوائد مالية من اعلانات جوجل".
لكن الدميني أشار إلى أن إعلانات جوجل أسهمت في بقاء قطاع الصحافة الالكترونية حياً في اليمن بعد أن أعدمت جماعة الحوثي وحليفها صالح الصحافة الورقية والاعلام الفضائي في اليمن. وفي المقابل يأسف الدميني لعدم استفادة القائمين على هذا النوع من الصحافة (الإلكترونية) في إيجاد "صحافة مهنية تحترم نفسها وتقدم الايجابي لمتابعيها، بل ظهروا كمجموعة من المتسابقين نحو الحصول على أرباح أكثر بطرق لا تخلو في غالبها من المغالطة والالتفاف على القارئ وتسيء للمهنة الصحفية نفسها".
وتابع: "هذا الحال أغرى الكثير من الاشخاص لفتح مواقع الكترونية، ولذلك ارتفع عدد المواقع التي تقدم نفسها كمواقع إخبارية في اليمن خلال الخمس سنوات الاخيرة، وهي الفترة التي تعاني فيها الدولة من الغياب التام لمختلف سلطاتها، إضافة الى تواري وجمود دور نقابة الصحافيين اليمنيين ما أوجد بيئة خصبة لظهور هذا العدد الكبير من المواقع التي تعتمد في طبيعة عملها على اعلانات جوجل والتي تشكل الدخل الاساسي لها".
وبحسب الدميني فإن ما ضاعف الكارثة هو وجود عدد كبير من خريجي كليات الاعلام يحملون الشهادة الجامعية فقط دون أي خبرات مسبقة، انخرطوا في العمل بتلك المواقع مما تسبب بوجود أداء مهني متردي وخلق فضاء اعلامي مليء بالعبثية والسطحية.
ويؤكد الدميني أن "هذا الوضع أثر على سمعة ومكانة المواقع الاخبارية الالكترونية التي تعمل بضوابط مهنية، كما أفقد الصحافة الالكترونية اليمنية سمعتها بين نظرائها داخل الوطن العربي، وجعل منها مجرد مواقع صغيرة تفتقد لمصداقية الداخل قبل الخارج".
الشحت الألكتروني
ويتفق صفوان الفائشي رئيس تحرير موقع "الخبر" مع الدميني بأن إعلانات جوجل أصبحت هي من تحكم العمل الصحفي لدى المواقع الالكترونية الاخبارية، وخصوصا في اليمن حيث أصبح هم القائمين على المواقع هو كيف يمكن جلب القراءات أو ما أسماه بالشحت الالكتروني، من خلال عناوين "صفراء" تختلف وتتناقض عناوينها مع مضمون الخبر المنشور ضمن متنها.
ويضيف الفائشي في حديثه لـ"الخبر": "إعلانات جوجل أصبحت رئيس التحرير الفعلي لبعض المواقع اليمنية وهو ما أفقد الصحافة الالكترونية اليمنية مكانتها ورسالتها ، وحولها إلى صحافة صفراء، لا يهم القائمين عليها ومن يديرونها تناول هموم الناس ونقل معاناتهم ومناقشة قضايا المجتمع، من خلال الفنون الصحفية المختلفة، بقدر ما أصبح هم تلك المواقع رفع مستوى القراءات والزيارات، بعناوين فاضحة أحيانا ومستفزة، معتمدة على الإثارة مرتكزا رئيسيا لأخبار غير مثيرة أصلا".
الغريب في الأمر بحسب الفائشي أن هذا النوع من "صحافة الاثارة والشحت الالكتروني" تلقى رواجا وتحصد زيارات رغم اكتشاف القراء كذبها وزيف عناوينها بشكل متكرر لكننا - والكلام للفائشي - شعب يهوى الاثارة ويهتم بالتفافهات "لذا لا عجب أن يكون هذا النوع من الصحافة الباحثة عن إعلانات جوجل على حساب أخلاقيات الصحافة وميثاق شرفها تلقى اهتماما واسعا مقارنة بالصحافة النوعية والمتميزة التي تؤدي رسالتها على أكمل وجه".
ويرى الفائشي أن هذا النوع من الصحافة مرتبط أيضا بالواقع السياسي في اليمن "حيث أصبح فيه كل شيء بالمعكوس وصار الجيد غير مطلوب والسيء هو المطلوب، لذا تجد أن الصحافة التي تعتمد الأكاذيب والتهويل والفبركات متصدرة في تقييمات أليكسا بينما الصحافة الجيدة متأخرة، لكن لاغرابة فقد قال الأجداد إن أعجب الشعر أكذبه".
الصحافة الصفراء في الواجهة
من جهته يؤكد سمير حسن - مراسل الجزيرة نت في عدن - أن إعلانات جوجل قضت على ماتبقى من مهنية للصحافة في اليمن، ودفعت بالصحافة الصفراء إلى الواجهة، وأصبحت هذه الصحافة تكرس اهتمامها بالدرجة الاولى على الحصول على زيارات بأي ثمن كان، مستخدمة كل أساليب الإثارة بما فيها أخبار الجنس والكذب والتضليل للحصول على زوار بهدف رفع الدعم.
ولم تقتصر الآثار السلبية لإعلانات جوجل على ماسبق بحسب سمير حسن الذي تحدث لـ"المشاهد" بل أن ذلك تعداه إلى التأثير على الدقة والموضوعية والمهنية في وسائل ????? الاخرى التي كان ينظر إليها بأنها أكثر إنضباطاً، حيث دفعتها إعلانات جوجل لاستخدام عناوين تعتمد الاثارة والفبركة على حساب المهنية.
وأضاف: "بعض المواقع الإخبارية التي كانت حريصة على أن تكون مهنية باتت تستخدم بعض الأساليب التي تستخدمها مواقع الإثارة كأن تستبق العنوان بكلمة مثيرة مثل (مفاجئة غيرمتوقعة) و( تفاصيل خطيرة)، و (واسرار مذهلة) و (هااااااااااام) و (خطيييييير) و(صفعة يتلقاها)، فضلاً عن عناوين أخبار على شكل أسئلة استفهامية للتشويق والإثارة، وكل هذه دخلت على الصحافة الألكترونية بعد مجيئ إعلانات قوقل".
وسبق لناشطين صحفيين أن أنشأوا في العام 2013 صفحة أطلقوا عليها صفحة حبل الغسيل وعنيت بنقد الأخطاء المهنية التي ترتكبها المواقع الإخبارية، حيث حظيت هذه الصفحة باهتمام ومتابعة واسعة إلا أنها توقفت بشكل مفاجئ ودون معرفة الأسباب.
لكن صحفيين آخرين بدأوا مؤخرا إطلاق صفحة على الفيسبوك أطلقوا عليها غسيل الصحافة وتم إنشاءها لنفس الغرض، وتتناول هذه الصفحة الأخطاء التي تقع في المواقع الألكترونية التي انتشرت بشكل واسع.