حين نجاه القدر قبل 4 سنوات من المتطرفين في سوريا، لم يكن يتوقع جيرون أورليمانس بالتأكيد أنه سوف يلقى حتفه على يد المتشددين أنفسهم في ليبيا.. فقد قتل المصور الصحفي الهولندي جيرون أورليمانس، يوم الأحد 2 أكتوبر/تشرين الأول، من قبل قناصة تابعين لتنظيم داعش في مدينة سرت الليبية، في المعارك الدائرة بين التنظيم وقوات حكومة الوفاق الوطني في عملية "البنيان المرصوص".
فمن هو هذا الصحفي، وما الذي جاء به إلى سرت. "العربية. نت" حاولت تتبع قصته في هذا التقرير.
في موقعه الإلكتروني الذي يحمل اسم jeroenoerlemans.com لم يضع أورليمانس سوى صورة واحدة لم يوضح أين التقطها، وكتب تحتها رقم هاتفه المحمول بمفتاح هولندا +31 (0)6 22243003 وبريده الإلكتروني [email protected] وعبارة Fotojournalist أي مصور صحفي.
واتضح من خلال البحث أن هذه الصورة كانت قد وضعت في غلاف تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" وهو العدد الصادر في أغسطس 2006 والذي خصص للحرب الإسرائيلية على لبنان وقد كتب على غلافه "ضربات مميتة – هجمات إسرائيل العشوائية ضد المدنيين في لبنان".
وبحسب الشرح المقدم في الصفحة الأخيرة من تقرير مراقبة حقوق الإنسان فإن هذه الصورة، لنساء لبنانيات ينتحبن على أكفان أقاربهن من الذين لقوا حتفهم في الحرب خلال القصف الإسرائيلي، وقد تم جمع هذه الأكفان ليتم دفنها مرة واحدة. وسوف نعرف أن الصورة للهولندي جيرون أورليمانس والتقطت أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان أو ما عرف بحرب تموز 2006، وهي التي تتصدر صفحته الشخصية ولا شيء سواها.
وهنا صورة له شخصيا في بيروت سنة 2006:
ويبدو أن نهاية المصور الهولندي في ليبيا، هي تتويج لقصته مع توثيق الحروب، فهو شارك في تصوير العدوان الإسرائيلي على لبنان، كما شارك في تصوير الحرب في سوريا وغيرها من الحروب كما سنرى.
ففي يوليو 2012 تعرض للاختطاف مع زميله الصحفي البريطاني مصور صحيفة "صنداي تايمز" جون كانتيل، إلى أن حررتهما أجهزة الأمن البريطانية بعد أسبوع من اختطافهما
وقد روى تلك الحادثة حيث أصبح وقتها حديث العالم، انه اقتيد بواسطة المتطرفين للحصول على فدية، وظل لمدة أسبوع مكمما ومقيدا ومعصوب العينين ووجهه إلى الأرض، وكان خائفا إلى أن تم تحريره، وقد تعرض لطلق ناري في فخذه أثناء محاولته الهروب.
وفي عام 2014 كان قد نظم معرضا مصورا لأعماله في متحف فوغت بهولندا، حيث عرض لصور التقطها في الحروب في كل من العراق ولبنان والسودان وفلسطين وسوريا، وهنا صورة له داخل المعرض الذي توج فيه مسيرته.
ويبدو أن مساهمات الرجل قد تواصلت في بلدان أخرى، ففي صورة استخدمتها منظمة "أطباء بلا حدود" للتوعية بالملاريا، التقطت في 2014 يبدو طفل من الكونغو في أفريقيا وهو يتعافى من المرض بعد أن تم علاجه داخل مستشفى بالبلاد. وهذه هي الصورة:
أما سيرته في "الويكيبيديا" الإنجليزية حيث لا يوجد تعريف واضح بالعربية له، فتشير إلى أن من مواليد 1970 تخصص في تصوير حروب الشرق الأوسط وأفغانستان، متنقلا ما بين بلدان مشتعلة بالحرب. وقد درس العلوم السياسية في جامعة امستردام في بلده هولندا قبل أن يتبعها بدراسة التصوير الصحفي في كلية لندن للاتصالات.
وخلال عمله كمصور حر عمل على تغطية العديد من مناطق النزاع والحروب، ومنها أفغانستان، هايتي، باكستان، وجميع البلدان تقريبا في الشرق الأدنى مثل العراق، إيران، لبنان، السودان، ليبيا، سوريا، إسرائيل وفلسطين.
وقد نشرت صوره في العديد من المجلات مثل مجلة نيوزويك ومجلة تايم، وفي الصحف اليومية العالمية مثل الغارديان أو انترناشيونال هيرالد تريبيون، كذلك صنداي تايمز، وكورييه انترناشيونال والعديد من المنشورات الأخرى. وقد حصل على اثنتين من الجوائز العالمية في مجال التصوير. وقد كان يمثل وكالتي بانوس للتصوير في بريطانيا وهولاندس هواغتي في بلده.
أما عندما لا يكون في مهمة عمل فهو يعيش في العادة في أمستردام مع زوجته وابنائه الثلاثة.
في السنين الأخيرة نشط في أفغانستان وسوريا، وأخيرا ليبيا حيث لقي حتفه، ورغم أنه كان يرتدي سترة واقية من الرصاص إلا أنها لم تسعفه فقد اخترقته الرصاصة من على الجنب، ومات فور وصوله المستشفى. وقد وصفه زملاؤه بأنه كان يذهب إلى حيث يغيب الآخرون، ليرينا الأخبار عبر الصور وفي المناطق الأكثر إزعاجا في العالم، لقد فقدنا رجلا مهما.
وللرجل مواقف إنسانية.. فقد طالعت "العربية. نت" صفحته على الفيسبوك، لنجد مثلا أنه أعلن تضامنه مع ضحايا هجمات 13 نوفمبر 2015 في فرنسا عندما قام الفيسبوك بمنح خاصية وضع العلم الفرنسي على خلفية البروفايل.
وهذه صورة من منشوراته القديمة بالفيسبوك وهو يضحك بعمق: