[ شكاوى من إغراق الأسواق بالسلع المستوردة (فرانس برس) ]
يشهد اليمن حركة واسعة، تطالب السلطات المعنية بتحمل مسؤوليتها في تخفيف حدة الأزمة المعيشية الناتجة عن انهيار الأمن الغذائي مع انحدار أهم القطاعات الإنتاجية العامة.
ويطاول الإهمال قطاعات صناعية واعدة بإمكانها أن تغطي جزءا من احتياجات السوق المحلي الذي يغرق بالمستورد لسلع غذائية كالحبوب والألبان.
تحصي "العربي الجديد"، عبر مصادر تجارية، انتشار أكثر من 70 صنفا من الألبان ومشتقاتها المستوردة في الأسواق المحلية اليمنية التي تعاني من إغراق واسع نتيجة اعتماد البلاد الكلي على الواردات لتغطية معظم احتياجاتها، في حين تجد الأصناف المنتجة محلياً صعوبة بالغة في منافسة المستورد، عدا عن الإهمال الذي يطاول منشآت الألبان العامة التي تشهد تراجعا ملحوظا في مستوى إنتاج ما تبقى منها مع تعثر بعضها وعدم وجود أي أثر لمنتجاتها في السوق المحلي.
الباحث الاقتصادي علي قايد، يرى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الاقتصاد اليمني يعاني من اختلال في قواعده التي تم التقليل منها وإهمالها مع الاتجاه للاعتماد على مورد وحيد يلاحظ الجميع الآن مدى خطورة ما تم تنفيذه من سياسات وخطط أدت بمجملها لترسيخ الاقتصاد الريعي وفتح الأسواق للاستيراد بصورة مفرطة وضارة.
أضاف أن تبعات ذلك طاولت الاقتصاد الريفي الذي يعتبر أهم مفاصل الاقتصاد الوطني، لذا يلاحظ تدهور الزراعة وكل ما يتصل بها من قطاعات إنتاجية كان الريف اليمني الأساس الرئيسي المكون لها، مثل إنتاج الحليب، بالنظر إلى ما كان سائداً في فترات سابقة من انتشار الثروة الحيوانية التي كانت تشكل ركيزة مهمة في معيشة الأسر اليمنية خصوصاً الريفية.
تعد صناعة الألبان من أهم القطاعات التي واجهت صعوبة بالغة في التكيف مع الظروف والأوضاع الراهنة نظراً لتعطل عملية استيراد مدخلات الإنتاج، الأمر الذي أدى إلى توقف عدد من المشاريع الصناعية العاملة في هذا القطاع.
وتقدر بيانات مسح ميزانية الأسرة الصادر قبل الحرب عن الجهاز المركزي للإحصاء إنفاق نحو 2.197 مليون أسرة يمنية على الألبان ومنتجاتها بنحو 47.5 مليار ريال يمني، فيما قد تتجاوز حالياً أكثر من 100 مليار ريال (الدولار يساوي 1685 ريالاً في عدن، و525 ريالاً في صنعاء).
ويصل الإنفاق على الحليب الطازج إلى نحو 51 مليار ريال وعلى الاستهلاك لنوعية الحليب السائل المعلب 12 مليار ريال. ويبلغ حجم الاستهلاك لحليب الشاي السائل المعلب 14 مليار ريال.
وترصد "العربي الجديد"، بعض التحركات التي تسعى للفت الانتباه لقطاع الألبان والاستفادة من قدراته الواعدة، حيث شهدت أكثر من منطقة في اليمن توجهات وفعاليات تخللتها مناقشات تبحث بتطوير قطاع الألبان ودعم المشاريع الإنتاجية للمزارعين في بعض المحافظات مثل صنعاء، التي شهدت أخيراً بعض الفعاليات التي بحثت بإيجاد آلية للتنسيق بين الجمعيات الزراعية التعاونية والشركات الصناعية لتوطين صناعة الألبان وتطوير القطاع الزراعي والإنتاج المحلي.
كما أن هناك توجها لإحصاء عدد الأبقار على مستوى كل مديرية، ووضع آلية بين الجمعيات والشركات الصناعية لاستقبال الألبان من المزارعين بإشراف الجهات المعنية، لضمان صحتها وسلامتها، إضافة إلى دراسة تنفيذ مشروع تجميع وتوريد الحليب الطازج، لكسر الحصار والتقليل من الاعتماد على الاستيراد الخارجي.
وتلقى قطاع إنتاج الحليب في بعض مديريات محافظة الحديدة، شمال غربي اليمن، في العام الماضي 2023، حسب مصادر محلية، دعما متنوعا من معدات الألبان استفاد منها نحو 439 منتجاً من صغار المنتجين.
ويدعو خبراء زراعة ومسؤولون محليون القطاع الخاص إلى التوسع في صناعة الألبان لتحل بديلاً عن المستورد، لما لذلك من مردود إيجابي على المزارعين والمستثمرين، وأيضاً لأهمية إيجاد آلية تعاون بين الجمعيات الزراعية والشركات الصناعية المنتجة للحليب ومشتقاته.
الباحث الزراعي بسام قاسم، شدد في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن اليمن بحاجة ماسة لإعادة تفعيل الجمعيات التعاونية الزراعية ودعمها وتشجيعها وتوفير كل احتياجاتها ومتطلباتها وتذليل الصعوبات أمامها لإعادة إحياء جزء من الإنتاج الغذائي المحلي المتهاوي بسبب الاستيراد والتغيرات والظروف التي يمر بها اليمن.
ولفت إلى أهمية استغلال منتجات الجمعيات التعاونية الزراعية من الحليب وتشجيعها والاهتمام بها كركيزة في تطوير القطاع الصناعي المحلي والنهوض به.
ويؤكد متعاملون في الأسواق أن هناك ارتفاعا حادا في تكاليف المنتجات الغذائية والاستهلاكية خصوصاً الألبان ومشتقاتها والتي تخضع تكاليفها أيضاً إلى عوامل أخرى مؤثرة مثل النقل والوقود الذي لا تزال أسعاره مرتفعة، بالإضافة إلى الاستيراد ومدخلات الإنتاج الصناعي.
الجدير بالذكر أن اليمن، حسب بيانات رسمية، يمتلك ثروة حيوانية تقدر بأكثر من 21 مليوناً و469 ألف رأس، منها تسعة ملايين و771 ألف رأس من الأغنام، وحوالي تسعة ملايين و485 رأس ماعز، بينما يصل عدد الأبقار إلى نحو مليون و818 ألف رأس، وما يقارب 447 ألفاً من الجمال.
ورغم امتلاك هذا العدد من الثروة الحيوانية، إلا أن ذلك لا ينعكس على القدرات الإنتاجية، إذ يقدر إنتاج اليمن من الحليب سنوياً بنحو 300 ألف طن، الذي يقدر بحوالي 12% من احتياجات البلاد من الألبان، الأمر الذي يجعلها تعتمد بصورة رئيسية على الاستيراد لتغطية احتياجات الأسواق المحلية.