[ مشائخ من قبائل اليمن في سويسرا للمشاركة في مؤتمر مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن "ديكاف" ]
ببدلات أنيقة، ظهر عدد من "زعماء قبائل اليمن" في سويسرا، حيث طاروا مؤخراً للمشاركة في مؤتمر مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن "ديكاف"، بهدف بحث دور القبيلة اليمنية في صنع السلام والأمن، برعاية الأمم المتحدة والحكومة السويسرية ومشاركة ممثلين عن الاتحاد الأوروبي ومنظمات وهيئات دولية.
وانعقدت أعمال المؤتمر، الذي حمل عنوان (نحو رؤية يمنية لتعزيز بناء الثقة والاستقرار الأمني باليمن)، خلال أيام الإثنين – الأربعاء، ويهدف وفق مشاركين فيه، لمحاولة الدفع بجهود بناء الثقة التي ترعاها الأمم المتحدة لحلحلة الأوضاع في اليمن، وبحث فيه المشاركون عن توافقات وآليات في مراحل ترتيب عملية السلام، لاسيما فيما يتعلق بملف الطرقات والعمليات الإغاثية والإنسانية، وسبل دعم تلك التوافقات من قبل العُرف القبلي، بما من شأنه إسناد عملية السلام الأممية.
وقال أحد المشاركين في المؤتمر، إنه بنسخته الحالية (سبقته نسختان في السنوات الماضية)، قد يخلص إلى تشكيل ملتقى قبلي يضم المشاركين، إذا ما حصل التوافق بينهم بشأنه، فيما لم يصدر أي بيان عن نتائج المؤتمر حتى اللحظة.
وشارك في المؤتمر، نحو 40 يمنياً، "مشايخ ووجاهات قبلية وشخصيات اجتماعية، يمثلون مختلف أطراف النزاع في اليمن شمالاً وجنوباً، من بينهم: كهلان أبو شوارب، سبأ أبو لحوم، صالح الجبواني، أحمد العيسي، علي الضبيبي، صلاح باتيس، فهد الشرفي، عبدالله حسين عبدالله الأحمر، محمد صالح طريق، على القبلي نمران، وآخرين"، وفق المصادر.
ومن أبرز المشاركين في المؤتمر الزعيم القبلي، أحمد سيف الذهب، وهو واحد من المشايخ الذين قدموا خدمة رائعة لميليشيا الحوثي خلال سنوات مضت، وساهم بشكل فعال في تمكينها من السيطرة على محافظة البيضاء "وسط البلاد"، انتهاء بظهوره وسط جمع من القبائل عقب استيلاء الحوثيين على منطقة خبزة 2022، والتي واجهت الميليشيا فيها مقاومة شرسة، ومارست أبشع الانتهاكات عقب اجتياحها.
لكن الذهب اختلف لاحقاً مع الميليشيا، كحال الكثير من النافذين الذين استعملتهم الميليشيا لتحقيق أهدافها قبل أن تنقلب عليهم وتسومهم سوء العذاب، وعندما فُتح مطار صنعاء، غادر البلاد إلى الأردن للعلاج، واستقر هناك، مثل العشرات من المشايخ الذين لم تعد لهم صلة بقبائلهم، وتركوا "الملاقي" القبلية والتي تنعقد عادة في مكان عام بأرض القبيلة، لميليشيا الحوثي التي استولت على كل عناصر تكوين القبيلة وسخرتها لحشد الشباب الى جبهات القتال.
وتلبية لدعوة لم تأت عبر "التنصير" وهي النار التي اعتادت القبائل إشعالها في رؤوس الجبال عند النكف القبلي أو الدعوة لاجتماع طارئ يناقش أمراً يهمها، بل عبر الهواتف الفخمة، غادر هؤلاء مقرات إقامتهم في مختلف العواصم إلى فنادق بلاد الألب.
وحرص الذهب على نشر صورة وهو يتزيّأ الثوب والكوت والجنبية ويقطع شارعاً عاماً بمدينة جنيف، كتأكيد على حفاظه على أسلاف وأعراف القبيلة التي لم يتخل عنها حتى وهو في قلب القارة الأوروبية، وذلك ضمن عدد من الصور التي تشعرك لأول وهلة أنك أمام شكل جديد من المشايخ الذين تركوا "الجنبية" وارتدوا البدلات وسراويل الجينز، أو أنك أمام شكل من أشكال الصراع بين الأجيال.
غير أن الصور ذاتها تضعنا أمام سؤال مهم، عن التأثير الذي ما زال يملكه المشاركون ومشايخ القبائل عموماً في الشأن اليمني حالياً. لا سيما بعد سنوات من الاستهداف الممنهج من قبل ميليشيا الحوثي التي أتت على كل شيء، ومكّنت شخصيات مجهولة من السيطرة على القرار في مراكز القبائل، فيما ألجأت كثير من المشايخ الحقيقيين الى الاختفاء عن الشأن العام، أو النزوح خارج البلاد.
ولعل الصور ذاتها قد تحمل إجابة على سؤالنا، فمن ظهر فيها غالباً هم أبناء وأحفاد مشايخ قبائل اختاروا العزلة والسكوت وأرسلوا "العيال تتسلى وتتعرف على العالم" بحثاً عن أي دور قد يأتي عن طريق المنظمات والفاعلين الدوليين، وفق مراقبين، وتركوا التأثير في قبائلهم لشخصيات أبرزتها الميليشيا وسيطرت بها على القبيلة.
كما أن من بين من ظهر في الصور أيضا مشايخ تحولوا نتيجة عجزهم عن التأثير في واقعهم الى ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا النوع غالباً هدف سهل لإنجازات المنظمات والسفراء، وأنشطتهم الباحثة عن حلول إعجازية لأزمة البلاد، في الوقت الذي تستغل ميليشيا الحوثي القبيلة للحشد والتجنيد، انتظاراً لفرصة توجه من خلالها الضربة القاضية، وتسيطر على باقي محافظات البلاد.