[ السفينة الإسرائيلية غالاكسي ليدر التي احتجزها الحوثيون واقتادوها مع طاقمها إلى السواحل اليمنية (الجزيرة) ]
قال مركز كانيغي للشرق الأوسط إن هجمات الحوثيين الحالية في البحر الأحمر جزءًا من استراتيجية لتعزيز سلطتهم السياسية في اليمن، خاصة في ظل المفاوضات الأخيرة مع المملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب رسميًا.
وأضاف المركز في تحليل للباحثين محمـد علـي ثـامـر، وبتول دوغان عكاس، أنه على نطاق أوسع، تقول إن الوضع الحالي يكشف الافتراض المضلل بأن حرب اليمن يمكن احتواؤها بشكل دائم داخل البلاد.
وذكر التحليل "منذ أكتوبر 2023، شهد البحر الأحمر تصاعدًا غير مسبوق في التوترات العسكرية. حين شنت قوات الحوثيين في اليمن سلسلة من الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باتجاه إسرائيل واستهدفت السفن التجارية والعسكرية في المنطقة، ردًا على الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة. وفي ديسمبر/كانون الأول، أعلنت الولايات المتحدة تشكيل عملية "حارس الازدهار"، وهو تحالف عسكري دولي يهدف إلى حماية البحر الأحمر من هجمات الحوثيين، ومنذ 12 يناير/كانون الثاني، نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات ضد أهداف للحوثيين داخل اليمن".
في المقال الأول، يستكشف الباحث اليمني محمد علي ثامر مسار هذه الهجمات والهجمات المضادة خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ويجادل بأنها هجمات قد لا يكون لها عواقب طويلة المدى على التجارة العالمية فحسب، بل قد تتصاعد أيضًا بسرعة إلى حرب إقليمية أوسع.
ويشير ثامر أيضًا إلى أن تشكيل تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة ردًا على هجمات الحوثيين قد يشير إلى وجود مصالح أمريكية أكبر من مجرد تأمين السيطرة على البحر الأحمر، الذي أدركت واشنطن أهميته منذ عقود.
وقال بعيداً عن آثارها الإقليمية والدولية، يجب أيضاً فهم هجمات في البحر الأحمر في سياق السياسة الداخلية في اليمن. وكما توضح الدكتورة بتول دوغان عكاس في المقال الثاني، فإن سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة على البحر الأحمر – وهو فصل دموي في الحرب الأهلية اليمنية – أرست الأساس للقدرات العسكرية الحالية للحوثيين.
وتذهب بتول إلى أنه قد تكون هجمات الحوثيين الحالية جزءًا من استراتيجية لتعزيز سلطتهم السياسية في اليمن، خاصة في ظل المفاوضات الأخيرة مع المملكة العربية السعودية لإنهاء الحرب رسميًا. وعلى نطاق أوسع، تقول إن الوضع الحالي يكشف الافتراض المضلل بأن حرب اليمن يمكن احتواؤها بشكل دائم داخل البلاد.
البحر الأحمر وأهداف التصعيد
وبحسب التحليل فإن الولايات المتحدة ضخمت هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر سعيا لشـرعية دولية تهدف إلى عسكرة المنطقة، والسيطرة على واحدٍ من أهم الممرات المائية في العالم.
وذكر أن كثيرٌا من الخبراء الدوليين والمحللين السياسيين يتساءلون هل ستتوسع الحرب لتصبح حرباً إقليمية؟ أم أننا أمام حربٍ اقتصادية من نوعٌ آخر، تتمثل في المواجهة المتأخرة بين الدول الغربية والعملاق الاقتصادي الصيني ومبادرته (الحزام والحرير) وعلى حليفته روسيا أيضاً؟ والسؤال الأهم هو: ما هي تأثيرات استهداف الحوثيين للتجارة العالمية؟
استهداف السفن الإسرائيلية
وقال "لم يتوقف استهداف السفن على الإسـرائيلية فقط. فقد قامت الحركة بالاستيلاء واحتجاز السفينة (جالاكسـي ليدر) يوم 19 نوفمبر الماضـي، ومهاجمة سفنٍ إسـرائيليةٍ أخرى، بل وأعلنت في التاسع من ديسمبر منع مرور جميع السفن من جميع الجنسيات المتوجهة من وإلى الموانئ الإسـرائيلية إذا لم يسمح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة".
وأشار إلى تعرض اليمن في يوم 12 يناير/كانون الثاني للعدد من الضـربات الجوية الأمريكية والبريطانية، استهدفت مواقع عسكرية يمنية، ويأتي الرد الحوثي بإعلانه أن جميع المصالح الأمريكية والبريطانية أصبحت أهدافاً مشـروعة؛ الأمر الذي يذهب لتفسيرات مختلفة بشأن نية استهداف تلك المصالح في دول الخليج العربية أيضاً وليس فقط تلك التي تـمر عبر البحر الأحمر.
وقال "هذا بشأن الأهداف المعلنة للحوثيين أم تلك غير المعلنة فتتعلق بالسياسات الداخلية للحركة، فقد تعرَّض الحوثيون لاتهامات سياسية سواءً في الداخل أو الخارج بأنهم يسعون من وراء استهداف السفن لكسب تعاطف شعبيٍّ عربي وإسلامي، ومن أجل الهروب من التزاماتها تجاه الشعب اليمني، المتمثلة في تحقيق السلام الدائم بين اليمنيين، ودفع مرتبات الموظفين، وتشكيل حكومةٍ وطنية".
أهداف التحالف الدولي
أعلنت واشنطن عن تشكيل تحالفٍ دولي يضم عشـر دول لحماية أمن البحر الأحمر، يهدف إلى مواجهة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وهذا هو الهدف المعلن من هذا التحالف؛ ولكن هناك أهداف غير معلنة .
يرى خبراء بأن أمريكا تدرك أهمية البحر الأحمر منذ حرب أكتوبر 1973. ومن ثم فإنها تستخدم هذه الهجمات ذريعةً من أجل عسكرة البحر الأحمر، وجعله منطقة نفوذٍ لها، وللسيطرة على باب المندب، وإدخال أكبر قدرٍ من القوات الأمريكية إلى المنطقة، لتسمح لها بالمناورة السياسية وحماية أمن إسـرائيل؛ وذلك عن طريق خلق عدوٍّ وهمي والاستفادة منه كما حدث في أفغانستان والعراق، ليصبح البحر الأحمر محل تنافسٍ دوليٍّ كبير نظراً لوجود 11 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي القريبة من مدخله، تتبع العديد من الدول المتنافسة إقليمياً ودولياً، الأمر الذي يؤدي إذا ما تفاقمت حدة المواجهات إلى اندلاع حربٍ دولية، وفرض شـروطٍ جديدة على منطقة البحر الأحمر والملاحة الدولية فيه والتي تعده واشنطن ذا أولويةٍ استراتيجية.
ولهذا يرى خبراء استراتيجيين بأن واشنطن حاولت تضخيم الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وركزت عليها إعلامياً، وسعت لاستصدار قرارٍ من مجلس الأمن، وهو القرار (2722) لكي يُعطي لها شـرعية عسكرة المنطقة والسيطرة على واحدٍ من أهم الممرات المائية في العالم، ليعكس هذا رغبةً أمريكيةً وبريطانية للتواجد في باب المندب، ورغبتهما في إضعاف النفوذ الصيني وتهديد تواجده، وعدم السماح بعبور تجارته عبر هذا المضيق، وبالتالي عدم السماح أيضاً لروسيا، ومحاصـرة نفوذها السابق في هذه المنطقة.
البحر الأحمر.. إلى أين؟
وطبقا للتحليل يعد البحر الأحمر ممرا مائيا استراتيجيا مهم تتصارع عليه القوى الإقليمية، له أهميةً بارزةً اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، وهو أكثر طرق الملاحة البحرية الدولية حيويةً في العالم؛ الأمر الذي يجعل أي صـراعٍ فيه مثل فتيل حربٍ سيجعل الأمن والسلم الدوليين في حالة تهديدٍ مستمر، وقد تكون المنطقة تشهد حاليا توسعٍا لرقعة الصـراع.
ويذهب اقتصاديون إلى أن استمرار الهجمات ستسهم في تردي التجارة العالمية، بل وستضعها في مأزقٍ كبير، كما أنها ستربك شـركات الشحن ليس على المدى القصير بل على المدى الطويل، ما سيوثر سلباً على الاقتصاد العالمي، بل وسيحدث صدمةً جديدة وشيكة على شاكلة الصدمة التي شهدها هذا القطاع الحيوي إبان وباء كوفيد-19.
احتواء الحوثيين في اليمن: أمل زائف
تقول الباحثة بتول "كما هو واضح الآن، أدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر إلى تصعيد الحرب في غزة إلى بُعد جديد، ما يعرض التجارة الدولية للخطر في واحد من أهم ممرات الشحن في العالم.
وأشارت إلى أن هناك عنصرًا أيديولوجيًا في الهجمات على السفن التجارية، لأنها تسمح للحوثيين بإعادة وضع أنفسهم بوصفهم داعما إقليميا رئيسا للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي. لكن هذه الهجمات هي أيضًا جزء من الاستراتيجية السياسية للحوثيين للحفاظ على قوتهم وتوسيعها داخل اليمن.
ولفتت إلى أنه في يونيو/حزيران 2018، حاصرت قوات التحالف بقيادة السعودية مدينة الحُديدة، وهي ميناء على البحر الأحمر يسيطر عليه الحوثيون ونقطة دخول رئيسة للمساعدات الإنسانية. وبحلول نهاية العام، ضمنت اتفاقية ستوكهولم التي توسطت فيها الأمم المتحدة وقف إطلاق النار في الحُديدة. ومع ذلك، لم يجبر الاتفاق قوات الحوثيين على مغادرة المدينة، واستمرت انتهاكات الحوثيين لوقف إطلاق النار على مدى السنوات التالية.
وقالت "مع وصول الصراع في اليمن إلى طريق مسدود بحلول نهاية عام 2022، ومع عدم قدرة الأمم المتحدة على الحفاظ على وقف مؤقت لإطلاق النار على مستوى البلاد، تضاءل الاهتمام الدولي تجاه الصراع في اليمن. تفاقم هذا الوضع مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، التي حولت التركيز الدولي وحتى الإقليمي نحو أزمة الطاقة العالمية".
وذكرت أن الحوثيين استغلوا هذه الحقائق الجيوسياسية لتعزيز الحكم الاجتماعي والسياسي في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
وتابعت بتول "قبل الهجمات الأخيرة على أهداف عالمية، كان الحوثيون قد بسطوا سلطتهم بشكل رئيس في شمالي اليمن، بما في ذلك صنعاء، ولكن من المرجح أنهم وصلوا إلى حدود توسعهم الإقليمي: على الرغم من الهجمات المتجددة، لم يتمكنوا من السيطرة على مدينة مأرب وحقولها النفطية القيمة، بينما بقي الجنوب تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو هيئة سياسية وعسكرية مستقلة تدعمها الإمارات العربية المتحدة.
وأردفت بعبارة أخرى، أصبحت أهدافهم داخل اليمن الآن مقيدة، ما يترك لهم مجالاً للتمحور وتأكيد قدراتهم العسكرية على المسرح العالمي.
وأوضحت أن المفاوضات الخلفية الجارية بين الحوثيين والسعودية توفر لهم عنصرًا سياقيًا حاسمًا آخر لفهم هجمات البحر الأحمر.
وقالت "كجزء من صفقة محتملة مع الرياض، يأمل الحوثيون في الاعتراف بهم بوصفهم سلطة شرعية في اليمن، وفي إنهاء التدخل العسكري السعودي وتقليل تهديد الهجمات التي يقودها المجلس الانتقالي الجنوبي، وتلقي المساعدات الدولية لتجنب أزمة اقتصادية. قد يعتقد الحوثيون أنه من خلال مهاجمة سفن الحاويات وتشكيل تهديد خطير للنظام الاقتصادي الذي يقوده الغرب - والذي تنتمي إليه المملكة العربية السعودية - يمكنهم زيادة نفوذهم على طاولة المفاوضات لتأمين أولوياتهم المحلية. ومع ذلك، ظلت الرياض حتى الآن على الحياد لتجنب إثارة هجمات الحوثيين المباشرة على أراضيها".
وزادت "يدعو اليمنيون المجتمع الدولي، وخاصة الأمم المتحدة، إلى إعادة النظر في سياساتهم تجاه البلد الذي مزقته الحرب. على الرغم من مشاركة الأمم المتحدة، كانت الحرب بالوكالة في اليمن في المقام الأول عبارة عن منافسة بين السعودية والإمارات وإيران، ما أضعف دور الأطراف المحتملة الأخرى المتدخلة.
وختمت الباحثة بتول تحلليها بالقول "بعد ما يقرب من عقد من الزمن، افترض كثر أن هذا الصراع الذي لم يتم حله سيظل معزولا ومُحتوىً داخل اليمن - وهو توقع تم تدميره تماما الآن. ومع إعادة تركيز الاهتمام الدولي على اليمن، هناك إمكانية جديدة لإرساء الأساس للسلام المستدام".