[ سفينة شحن تعرضت لهجوم حوثي في البحر الأحمر ]
تنهي التجارة العالمية العام الجاري وهي تواجه أكبر تحدياتها في السنوات الأخيرة، حيث أجبرت صواريخ جماعة الحوثي اليمنية وطائراتها المسيرة مئات سفن الشحن الكبرى على تغيير مسارها من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح، وهو ما يعني رحلة أطول ومكلفة للسفن التجارية من حيث استهلاك الوقود وزمن الرحلة وسط ارتفاع تكاليف التأمين على البضائع.
ويرى محللون أن أزمة الإبحار عبر البحر الأحمر ستقود تلقائياً إلى ارتفاع أسعار السلع خلال العام المقبل، والضغط أكثر على البنوك المركزية العالمية التي تقاتل من أجل مساعدة الاقتصاد العالمي عبر خفض أسعار الفائدة لدعم الشركات والمستهلك.
كما يتوقع خبراء أن تقود هجمات الحوثيين، التي عطلت نسبة كبيرة من تجارة السلع الرئيسية، وعلى رأسها بعض شحنات النفط والوقود والبضائع الأخرى بين آسيا وأوروبا، التي تمر عبر قناة السويس، إلى ارتفاع معدل التضخم في الاقتصادات الأوروبية، وتراجع حجم التجارة الآسيوية مع الدول الغربية، وعرقلة سلاسل الإمداد للمصانع الغربية، خاصة تلك التي تعتمد على قطع الغيار المنتجة في الهند والصين وبعض دول النمور الآسيوية.
وأدت هجمات الحوثي فعليا إلى ارتفاع أسعار النفط في آخر التعاملات قبل أعياد الميلاد، حيث سجل النفط أكبر مكسب أسبوعي منذ أكتوبر/ تشرين الأول، مرتفعاً بنسبة 3%.
وذكرت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، في تقرير أمس الأحد: "حتى الآن دخلت حوالي 30 ناقلة فقط، بما في ذلك ناقلات النفط الخام والوقود، إلى مضيق باب المندب في الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، وفقًا لبيانات تتبع السفن التي جمعتها الوكالة الاقتصادية. ويمثل هذا انخفاضًا بأكثر من 40% في عدد الناقلات مقارنة بالمتوسط اليومي خلال الأسابيع الثلاثة الماضية".
ويستهدف الحوثيون السفن التجارية الإسرائيلية أو المتجهة للموانئ الإسرائيلية تضامنا مع الفلسطينيين في مواجهة العدوان الإسرائيلي ضد غزة.
في هذا الصدد، تقول الخبيرة بمعهد السلام الأميركي، سوزان ستيغانت، في تعليقات قبل يومين: "يعد البحر الأحمر شريانًا رئيسيًا للتجارة العالمية".
وتشير التقديرات إلى أن بين 12% إلى 15% من التجارة العالمية تمر عبر البحر الأحمر، وهو ما يمثل 30% من حركة الحاويات العالمية. كما يتم أيضًا شحن ما بين 7% إلى 10% من النفط العالمي، و8% من الغاز الطبيعي المسال عبر نفس الممر المائي، وهذه النسبة الكبيرة ربما تكون لها تداعيات خطيرة على التجارة العالمية التي تعاني من التوترات بين واشنطن وبكين، ومن العقوبات الغربية على روسيا.
وتضيف ستيغانت: "يمكن أن يضيف تغيير مسار السفن من البحر الأحمر إلى رأس الرجاء الصالح في أفريقيا ما يصل إلى أسبوعين للشحن، ويضيف أكثر من مليون دولار إلى تكاليف الرحلة الواحدة. وفي نهاية المطاف، قد يؤدي الوقت الإضافي والنفقات الإضافية إلى رفع أسعار الوقود، ويؤثر سلباً على توافر السلع في الدول الأوروبية.
من جانبه، يقول المدير العام لمعهد التصدير والتجارة الدولية، ماركو فورجيوني، إنه بعد تزايد التهديدات على مضيق باب المندب "تتطلب البدائل المتاحة للسفن التجارية أن تعد للكلف الإضافية، وتأخير وصول الشحنات، وهذه العقبات سيكون لها تأثير كبير على سلسلة التوريد المتكاملة القائمة حالياً".
وكان عدد من المتاجر في أوروبا، ومنها إيكيا المتخصصة في الأثاث، قد أعلنت عن تأثر تجارتها بهجمات الحوثي وتأخر وصول السفن لأوروبا.
في السياق، قال كبير محللي ناقلات النفط في شركة "ستاندرد آند بورز غلوبال إنتيلجنس"، فوتيوس كاتسولاس، في تعليقات لصحيفة "بوليتيكو" بواشنطن: "الوضع مثير للقلق في جميع الجوانب، خاصة في ما يتعلق بالطاقة والنفط والغاز".
وتوقع كاتسولاس أن يرتفع الطلب على الوقود البحري بنسبة تصل إلى 5 في المائة، كما يرى أن "ارتفاع أسعار الوقود، وزيادة تكاليف الشحن، وأقساط التأمين" يعنيان في النهاية ارتفاع التكاليف على المستهلكين. وقال إن "هناك سفنًا موجودة بالفعل في البحر الأحمر تفكر في العودة عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط، حتى لو كان يكلفها ذلك دفع نصف مليون دولار للقيام بذلك".
من جانبه، قال أحد كبار المديرين في الغرفة الدولية للشحن، جون ستاوبرت، إنه على الرغم من أنه "سيكون هناك تأثير من حيث ارتفاع أسعار السلع لدى المستهلك في السوبر ماركت والمحال التجارية، وربما يكون هناك تأثير على أسعار النفط، لا يزال هناك شحن يعبر البحر الأحمر"، وبالتالي لن يكون هنالك "تعطيل كامل" يمكن مقارنته بإغلاق قناة السويس.
ومع ذلك يرى محللون أن "القلق الذي يسود التجارة العالمية قد ينتهي إلى فرض حصار فعلي على قناة السويس، لأن الحوثيين لديهم أجندة واضحة للغاية، تطالب الغرب بالاستجابة لها".
وعلى الرغم من تكوين أميركا لتحالف دولي لحماية السفن في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين، إلا أن الجماعة اليمنية قالت إنها ستواصل استهداف السفن التجارية عبر باب المندب، ما لم تعمل القوى الغربية على السماح بقوافل الغذاء والدواء لمواطني قطاع غزة.
وقال عضو المكتب السياسي لجماعة "أنصار الله"، محمد البخيتي: "حتى لو نجحت أميركا في تعبئة العالم أجمع، فإن عملياتنا العسكرية لن تتوقف، إلا إذا توقفت جرائم الإبادة الجماعية في غزة والسماح بدخول الغذاء والدواء والوقود إلى سكانها المحاصرين، مهما كلفنا ذلك من تضحيات".
وكانت تقديرات سابقة قد ذكرت أن حجم التجارة السنوية التي تمر عبر البحر الأحمر تقدر بنحو تريليون دولار، بما في ذلك النفط والغاز والسلع الغذائية والسيارات.