اشترك اليمنيون في مختلف أنحاء البلاد، ولأول مرّة منذ سنوات، في الاحتفال بحصول المنتخب اليمني للناشئين على لقب بطولة غرب آسيا لكرة القدم، بعد فوز مثير على المنتخب السعودي في المقابلة النهائية التي احتضنتها سلطنة عمان وانتهت في وقتها الأصلي بالتعادل هدفا لمثله.
لكن المظاهر الاحتفالية التلقائية الكبيرة التي أظهرت شوقا يمنيا للفرحة والاحتفال في ظل الواقع السوداوي السائد بالبلاد، منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من تسع سنوات، لم تخل من منغصات السياسة والسياسيين الذين دأبوا على التسلط على البلد وشعبه وحشر أنفسهم في أبسط التفاصيل والأحداث بشكل صوري هادف غالبا إلى تسجيل الحضور دون تحقيق أي إنجاز عملي لهما.
وبمجرّد انتهاء المقابلة تسابقت السلطة المعترف بها دوليا بقيادة رشاد العليمي مع حكومة الحوثيين في صنعاء لتبني الإنجاز وادّعاء كل طرف أنّه ثمرة جهوده في مجال الرياضة. وذلك على الرغم من تأكيد جهات رياضية أنّ تشكيل منتخب الناشئين والحفاظ على تماسكه وحصوله على لقب بطولة غرب آسيا للمرة الثانية، يعود مباشرة إلى جهود مجموعة من الشخصيات الرياضية اليمنية المستقلة عن أي انتماء سياسي وبمساعدة دول خليجية احتضنت المنتخب ووضعت تحت تصرّفه الإمكانيات المادية للإقامة والتدرب والتنقل لخوض المباريات.
وشمل التراشق اتّهام الإعلام الرسمي لسلطنة عمان بالانحياز إلى الطرح الحوثي وتكريس فكرة تبعية المنتخب لوزارة الشباب ضمن حكومة صنعاء.
إلى جانب ذلك شهدت مدينة عدن تراشقا بين دعاة الجمهورية اليمنية الموحّدة وأنصار استعادة دولة الجنوب المستقلّة، عبر اتهام الطرف الأول بتوظيف الحدث الرياضي في الترويج للوحدة ورفع راياتها في المدينة التي تمثل معقل المجلس الانتقالي الجنوبي الحامل لفكرة استعادة الدولة الجنوبية، واتهام مضاد لسلطات عدن بالتضييق على المحتفلين ومنعهم من رفع الرايات.
وسارع محمد حسين المؤيدي وزير الشباب والرياضة في حكومة الحوثيين إلى تهنئة منتخب الناشئين بإنجازه محاولا الإيحاء بتبعية المنتخب لوزارته. ولم يحد عن نهج الخطاب الحوثي في تسييس مختلف الأحداث من خلال التركيز على أنّ إنجاز المنتخب تحقّق على حساب “خصم يحظى بكل الامتيازات المادية والفنية من استعداد وتحضير للبطولة، وهو المنتخب السعودي الذي لم يتمكن للمرة الثانية من انتزاع النصر من منتخب الناشئين ذوي الإرادة والعزيمة”.
كما ربط المؤيدي الحدث الرياضي بالحرب التي أشعلتها جماعته قبل أكثر من تسع سنوات قائلا في بيان نشره عبر النسخة التابعة لحكومة صنعاء من وكالة سبأ للأنباء “إنّ ما صنعه ناشئو اليمن أشعل الفرحة داخل الوطن وخارجها، وهي الفرحة التي سطَّرها المنتخب في البطولة بتحقيق خمسة انتصارات أمام منتخبات قوية تمتلك مقومات كبيرة للمنافسة، لكن تلاشى ذلك أمام حماس النجوم الصغار الذين انبعثوا من بين ركام العدوان والحصار وأوصلوا رسالتهم للجميع بأن الجبهة الرياضية اليمنية أيضا متماسكة وتحقق أهدافها، ومن حق الشعب اليمني أن يحتفل ويسعد بما صنعه منتخب الناشئين”.
وعلى الطرف الآخر بارك رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي فوز منتخب الناشئين ونسبه إلى جهود “وزارة الشباب واتحاد الكرة والسلطة المحلية لمحافظة حضرموت التي ساهمت في تحقيق هذا الإنجاز الرياضي الجديد”. كما بارك نايف البكري وزير الشباب والرياضة في الحكومة التابعة لسلطة العليمي الإنجاز الرياضي معتبرا في منشور على منصة إكس أنّه دليل على “عظمة الإنسان اليمني وصلابته وبأسه”، وأنّه “دليل على رغبة اليمنيين في السلام وعيش الحياة كبقية الشعوب”.
التراشق شمل اتّهام الإعلام الرسمي لسلطنة عمان بالانحياز إلى الطرح الحوثي وتكريس فكرة تبعية المنتخب لوزارة الشباب ضمن حكومة صنعاء
وغير بعيد عن أجواء الصراع السياسي الذي رافق فرحة اليمنيين بإنجاز منتخبهم، أثارت طريقة الإعلام العماني في تغطية المقابلة النهائية التي دارت على أرض السلطنة انتقادات المعسكر المضاد للحوثيين والذي اعتبر أنّ تلك التغطية تضمّنت انحيازا إلى الجماعة على حساب “السلطة الشرعية” وجاءت صدى للعلاقة المتينة التي تربط السلطنة بالحوثيين.
وهاجمت مواقع إخبارية يمنية استضافة قناة عمان الرياضية الرسمية خلال مراسم تتويج المنتخب اليمني لكمال الشريف وكيل وزارة الشباب والرياضة في حكومة صنعاء للحديث حول “دور” الهياكل الرياضية التابعة لحكومته في عملية إعداد المنتخب وتأهيله للفوز باللقب الثمين.
ودارت إحدى أبرز حلقات الصراع السياسي على الحدث الرياضي في مدينة عدن حيث كادت الاحتفالات الشعبية بانتصار منتخب الناشئين تتحوّل إلى صدام بين المحتفلين والقوات الأمنية عندما بادرت الأخيرة إلى انتزاع الأعلام اليمنية من أيدي عدد من الشبان على اعتبار أنّ تلك الرايات تمثّل دولة الوحدة المرفوضة من قبل أبرز القوى السياسية في المدينة.
ورأى إعلاميون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ وراء رفع الأعلام مآرب سياسية لأطراف تريد استفزاز الشارع العدني وإثارة الفوضى داخله، بينما رأى آخرون من بينهم سياسيون جنوبيون أن الأمر لا يعدو كونه حركة احتفالية تلقائية لا تستحق التأويل والتضخيم.
واستغل منافسو المجلس الانتقالي الجنوبي ما أقدمت عليه القوات الأمنية في عدن لانتقاد المجلس وذلك ضمن حملة أوسع نطاقا تشنّ ضدّه وتقوم على اتّهامه بالتفريط في القضية الجنوبية. وقال فؤاد راشد رئيس المجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي إنّ العلم الذي انتزعته القوات اليمنية من أيدي شبان في مدينة المعلا خلال احتفالهم بالفوز التاريخي الثاني للمنتخب اليمني للناشئين هو ذاته الذي “يجلس تحته اللواء عيدروس الزبيدي ووزراء حكومة الانتقالي في عدن كل يوم”، في إشارة إلى عضوية رئيس المجلس الانتقالي في المجلس الرئاسي بقيادة العليمي