[ من تظاهرة ضد الحوثيين في تعز، 2022 (أحمد الباشا/فرانس برس) ]
تشكو الأحزاب اليمنية من تغييبها عن الاتفاق بين السعودية والحوثيين، والذي قالت إنها لا تعرف شيئاً عن مضمونه أو تفاصيله أو المرجعيات التي استند إليها، واصفة المناقشات حول الاتفاق بأنها تجري بتكتم شديد وبمعزل عن المجتمع اليمني وقواه السياسية.
تغييب الأحزاب السياسية اليمنية جاء استكمالاً لتغييب الحكومة الشرعية عن المشهد التفاوضي بين السعودية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، في ظل حديث عن ملامح عامة لاتفاق ينهي الحرب في اليمن، ويؤسس لمرحلة جديدة، من دون أن يكون للأحزاب السياسية يد في صناعة هذا الاتفاق الذي سيؤسس بحسب مراقبين لمرحلة جديدة تكون السلطة فيها للقوى العسكرية المتواجدة على الأرض.
الأحزاب اليمنية تشكو تغييبها
وقال نائب رئيس الدائرة الإعلامية في "التجمع اليمني للإصلاح"، عدنان العديني، لـ"العربي الجديد"، إن "العملية السياسية في البلاد معطلة منذ انقلاب الحوثي، والأحزاب غائبة نتيجة هذا الخلل الذي يجب إصلاحه، ويجب أن ننتبه ونحن نتطلع لمرحلة ما بعد الحرب بأنه من غير المفيد أن نذهب إلى هذه المرحلة بأدوات الحرب نفسها".
وأضاف العديني أن "تغييب الأحزاب في ظل الحرب ربما كان أمراً مفهوماً، لا أقول مقبولاً، أقول مفهوماً فقط، لأن الأحزاب أدوات مدنية لتشغيل السياسة؛ والحرب بطبيعتها كما نعلم طاردة لهذه المنظومة السلمية"، معتبراً أن "هذا التغييب لكل مظاهر المشاركة السلمية في الحياة العامة أمر يتحمّل مسؤوليته في المقام الأول الانقلاب الذي أرهق البلاد بكلها، ولم يرهق الأحزاب وحسب".
وفيما يخص ما يلوح في الأفق من تفاهمات وتوافقات، قال إن "ما يهمنا أولاً أن تحافظ على شرعية الدولة ومركزها القانوني، وأن تتقيد بالمرجعيات الثلاث المتفق عليها (مخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، والقرار الأممي 2216)، ثم كان من المفترض أن تساهم الأحزاب في بناء المسار الذي يفضي إلى الاتفاق المتوقع، لكن ذلك لم يتم، وقد كشف البيان الأخير للتحالف الوطني للأحزاب السياسية موقفه من هذا الأمر".
من جهته، اعتبر عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني عيبان السامعي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تغييب الأحزاب السياسية كان ترجمة لرغبة سعودية إماراتية. وأضاف أن "الدولتين وجدتا في القوى التقليدية ذات الخلفيات القبلية والمناطقية والسلفية الحلفاء المناسبين، أي يمكن الاعتماد عليها، وتسهل عملية تطويعها وتوظيفها في إطار هندسة المشهد السياسي اليمني بما يلبي الأجندة الإقليمية، بخلاف الأحزاب السياسية التي تنطلق في ممارسة السياسة من أرضية وطنية مدنية وتاريخ نضالي عريق، وتمارس السياسة بأدوات ناعمة، وهو أمر لا يوافق - بطبيعة الحال - مزاج السعودية والإمارات".
ورأى السامعي أن "عقد أي اتفاق بعيداً عن الأحزاب لن ينهي الحرب ولن يؤسس لسلام عادل وشامل ومستدام، بل سيعيد إنتاج الصراع المسلح بكيفيات أخرى، وبالتالي سيعزز من مخاطر تفكيك البلاد إلى كانتونات طائفية وجهوية وقبائلية تتحكم بها قوى مليشياوية مرتهنة لأجندات خارجية". وأشار إلى أن "أي تسوية سياسية لا تكون فيها الأحزاب السياسية وجميع القوى الاجتماعية جزءاً أصيلاً وفاعلاً فيها، ستكون تسوية هشة ومشوهة، ولن تحظى بالشرعية الشعبية والدستورية ولا بالقبول الاجتماعي والسياسي".
وكان التحالف الوطني للأحزاب السياسية، الذي يضم عدداً من الأحزاب أبرزها المؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري، قد أكد أن تغييب القوى السياسية عن مفاوضات السلام في البلاد، يعد شرعنة لسيطرة الحوثيين على المناطق الخاضعة لسيطرتهم ولا يمكن أن يفضي إلى سلام حقيقي في اليمن الغارق بالحرب منذ تسع سنوات.
وقال التحالف في بيان في ذكرى الاستقلال في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن "تغييب المكونات الوطنية عن المشاركة في صنع التوافقات لا يمكن أن يفضي إلى تحقيق سلام حقيقي ومستدام بقدر ما هو سعي وراء سراب وتشجيع للمليشيات الحوثية للتنصل من السلام الحقيقي الذي يستعيد الدولة". وأشار إلى أن أي "جهود إقليمية أو دولية أو أممية لا ترتكز على مشاركة القوى الوطنية الحقيقية المعبّرة عن الكتلة الشعبية لن تنجح، وستهدر المزيد من الفرص التي يجب التنبيه بأن ضياعها سيجلب مزيداً من المآسي على شعبنا وعلى الإقليم وعلى الأمن العالمي".
وأوضح التحالف أن "أي مفاوضات لن يُكتب لها النجاح ما لم تكن مستندة إلى أهم مرتكزات الحل السلمي الذي يحفظ المركز القانوني للدولة، وأن أي سلام لن يكون شاملاً وعادلاً ومستداماً ما لم يكن وفق المرجعيات الثلاث، الوطنية المتمثلة في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والإقليمية المتمثلة في المبادرة الخليجية، والدولية المتمثلة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216، وذلك من أجل المصلحة الوطنية العليا والجامعة، من دون التفريط بالثوابت والمكتسبات الوطنية".
دور غير مؤثر للأحزاب اليمنية
رئيس مركز "يمن المستقبل" للدراسات، فارس البيل، قال لـ"العربي الجديد" إن "الأحزاب السياسية غيبّت نفسها وتبع ذلك أنها غُيّبت، ولا أعتقد أن أحداً يقف وراء التغييب بالمعنى المادي، إنما الأحزاب دورها مع الحرب كان هامشياً".
وأضاف: "دور الأحزاب السياسية في اليمن من خلال التجربة السابقة كان براغماتياً، لم يكن دوراً مؤثراً بالنسبة للقضية الوطنية، والوعي الوطني، وللمنهجية الوطنية، بقدر ما كان حضوراً من أجل أن تكون شريكة في السلطة، وهذا كان دور الأحزاب السياسية ككل، بغض النظر عن مسألة أن هناك أحزاباً أو أغلبها كانت تعمل في إطار انتمائها الخارجي لا الانتماء الوطني، وهذه الإشكالية هي التي تسببت في هذه الفجوة بين الأحزاب وبين الشعب".
وعن خطورة عقد اتفاق بعيداً عن الأحزاب السياسية، قال البيل إنها "ليست خطورة كاملة، لكن أعتقد أن الأحزاب السياسية لم تكن حاضرة على الأقل في صنع المستقبل وبالتالي وجد اللاعب الخارجي أن هذه الأحزاب ليست ذات أهمية".