[ يصر الحوثيون على أن يكون مقر البنك المركزي في صنعاء (محمد حويس/فرانس برس) ]
تسود حالة من الترقب في اليمن بانتظار معرفة ما إذا كان سيُحدَّد قريباً موعد إعلان مشروع إنهاء حرب اليمن، الذي تعمل عليه السعودية مع الحوثيين، لا سيما بعد إطلاع مجلس القيادة الرئاسي عليه، وصدور مواقف لكبرى الأحزاب اليمنية تعكس تسليماً بالمشروع، وإن كانت تؤكد أنها لا تعلم أي تفاصيل بشأنه نتيجة تغييب الجميع عنه.
وكانت "العربي الجديد" قد علمت، منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، من أكثر من مصدر يمني، أنه جرى التوصل إلى تفاهمات مبدئية بين السعودية وجماعة الحوثيين في اليمن، جعلتها تنتقل إلى مرحلة الإعداد لخروجها إلى العلن، على أن تأخذ صيغة "إعلان" وقف الحرب بين الحكومة والحوثيين متى توافرت الظروف لذلك، وإن لم تطرأ مستجدات تعطل هذه الخطوة.
مجلس القيادة يوافق على مشروع إنهاء الحرب
في السياق، قال مصدر رسمي مطلع، لـ"العربي الجديد"، إن أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، الذين التقوا بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان منتصف الشهر الحالي، أبدوا موافقتهم على مشروع خريطة الطريق لإنهاء الحرب "ثقة بالمملكة، وليس قناعة بمصداقية الحوثيين".
وكان البيان الصادر عن اللقاء، والذي نشرته وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنستختها التي تديرها الحكومة، قد أشار يومها إلى أنه جرى بحث "آخر التطورات والمستجدات في الشأن اليمني، والجهود المشتركة لدعم مسار السلام في اليمن، بما في ذلك التعاون والتنسيق بين الجانبين بشأن خريطة الطريق المطروحة من الأشقاء في المملكة العربية السعودية، كما بحث اللقاء عددا من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك على الساحتين الإقليمية والدولية".
وبحسب البيان نفسه، أكد يومها "رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضاء المجلس دعمهم الكامل للمساعي السعودية من أجل تجديد الهدنة، وتخفيف معاناة الشعب اليمني، وإطلاق عملية سياسية شاملة تضمن استعادة مؤسسات الدولة، والأمن والاستقرار والتنمية في البلاد".
وأشار المصدر نفسه، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، إلى أن "بعض أعضاء المجلس اقترحوا تأجيل التوقيع على الاتفاق حتى انجلاء أزمة غزة، واتضاح موقف الأميركيين من جماعة الحوثيين".
وكان البيت الأبيض لوح قبل أيام بدراسة إعادة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وذلك جراء انخراط الجماعة في المعركة ضد إسرائيل واحتجازها سفينة مملوكة لإسرائيلي في البحر الأحمر. وكانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ألغت القرار في فبراير/شباط 2021.
وبحسب المصدر، فإن "مقترح التأجيل، كما يبدو، لم يحظ بترحيب الأمير خالد بن سلمان، وسيؤكده أو ينفيه ذهاب الوفد السعودي إلى صنعاء من عدمه". وينتظر أن يزور الوفد صنعاء بعدما أجرى، برفقة وفد الوساطة العماني، زيارة مماثلة برئاسة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر في إبريل/نيسان الماضي، تبعتها زيارة لوفد حوثي إلى المملكة في سبتمبر/أيلول الماضي.
"خريطة الطريق" لإنهاء الحرب لا تزال شفهية
مصدر مطلع قال، لـ"العربي الجديد"، إن "خريطة الطريق الخاصة بالأطراف اليمنية لا تزال شفهية حتى الآن، ولا يوجد شيء مكتوب، ومن المتوقع فشلها نتيجة عدم وجود بنود واضحة للاتفاق، ولا آلية تنفيذية".
وأضاف أن "الحاصل حالياً هو أن الحوثيين يتقدمون بشروط توافق عليها السعودية، ويعودون لطرح شروط جديدة، ومع ذلك، تم التوقف عن مناقشة خريطة الطريق بين الأطراف اليمنية بسبب قرصنة جماعة الحوثي إحدى السفن في البحر الأحمر".
وتابع المصدر أن "غياب آلية تنفيذية سيفشل الاتفاق، فمثلاً بموضوع الرواتب، لا يمكن دفعها إلا بعد توحيد العملة، لأنه من غير المقبول أن يجرى صرف رواتب الموظفين في الجمهورية، وسعر العملة في مناطق الحوثيين أكبر منها في مناطق الشرعية".
وأشار المصدر إلى أن "هناك خلافاً في موضوع البنك المركزي، حيث يصر الحوثيون على أن يكون مقره في صنعاء، ويصر (المجلس) الانتقالي الجنوبي على أن يكون في عدن. والخيار المطروح وشبه المتفق عليه أن يكون المقر الرئيس للبنك في الأردن، مع وجود فرعين في صنعاء وعدن".
الأحزاب اليمنية لم تطلع على تفاصيل خريطة السلام
وعكست المواقف التي أدلت بها قيادات كبرى الأحزاب اليمنية في جلسة "الأحزاب اليمنية والتسوية السياسية"، التي نظمها مركز صنعاء للدراسات أول من أمس الجمعة، عدم إطلاع هذه الأحزاب على تفاصيل الخريطة وإن بدت مسلماً بها.
وقال الأمين العام للتنظيم الناصري عبد الله نعمان: "نسمع حديثاً عن اتفاق بين السعودية والحوثيين، لكننا لا نعرف شيئاً عن مضمونه أو تفاصيله أو المرجعيات التي استند إليها، ولأننا لم نسمع مطلقاً عن حوار بين الحكومة والحوثيين، أو بين الحكومة والسعودية، فهذا يقوّض فكرة الوسيط".
وأضاف: "أشك أن التسوية، التي جرت بتكتم شديد وبمعزل عن المجتمع اليمني وقواه السياسية، ستحمي مصالح وحقوق اليمنيين، بل ستكون استجابة لمصالح إقليمية فقط، والغائب الوحيد فيها هو اليمن".
ولفت نعمان إلى أن الهدنة التي جرت مع الحوثيين خلال تشكيل مجلس القيادة الرئاسي قوّضت المركز القانوني للدولة، ومنحت الجماعة امتيازات، وأخشى أن تُمنح من خلال الاتفاق المزيد من تلك الامتيازات.
من جهته، قال القائم بأعمال الأمين العام لحزب الإصلاح ورئيس كتلته البرلمانية عبد الرزاق الهجري: "نحن نعلم أن الاتفاق بين السعودية والحوثيين على مشارف التوقيع، وتم قطع أشواط فيه، لكننا لا نعرف متى وكيف، وهناك خطأ فيه، هو تهميش القوى السياسية اليمنية، التي تعد الحامل للمرحلة السابقة والحالية والتي يقوم عليها الدستور السياسي للبلاد".
وأضاف: "نتمنى أن تنجح جهود السعودية وعمان في قيادة عملية سياسية، وأن تفضي إلى استعادة الدولة وعودة مؤسساتها، واستئناف المسار الذي بدأناه في مؤتمر الحوار الوطني، وليس شرعنة العمل المليشياوي لينتزع الاعتراف به كأمر واقع".
بدوره، قال الأمين العام للحزب الاشتراكي عبد الرحمن السقاف إن المشكلة ليست في توقيع الاتفاق بين السعودية والحوثيين، معتبراً أن التوقيع سيحدث بعد يوم أو أسبوع أو شهر، لكن السؤال هو ما إذا كان الحل المقترح سيرضي تطلعات اليمنيين؟
وأضاف: "تأتي التسوية الحالية على قاعدة صفقة بين القوى الخارجية، وهي السعودية والإمارات وإيران وبريطانيا والولايات المتحدة، فهناك خريطة جيوسياسية في اليمن جرى نسجها بذكاء على مر الأعوام التي مرت".
كذلك، رأى الأمين العام المساعد لحزب "المؤتمر الشعبي" أبو بكر القربي أن هناك اتفاقا مؤكدا بين السعودية والحوثيين، لكن مسألة التوقيع عليه لا تزال تسريبات ولا توجد معلومات مؤكدة.
ولفت إلى أن خيار الحل العسكري في اليمن انتهى، والإشكالية الآن تتعلق بكيفية الوصول إلى حل سياسي من دون تأخير، وفي نهاية المطاف، ما يجب أن نناقشه هو كيف يمكن لهذه الأحزاب، التي تريد الحلول السياسية، أن تدفع بعملية الحل السياسي في هذه المرحلة.
في هذه الأثناء، قال المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي سالم ثابت العولقي، لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس الانتقالي يدعم جهود السعودية لإحياء مسار السلام، ودعم خريطة الطريق التي ترعاها السعودية بمواضيعها الأساسية المطروحة، وإلى حد الآن، لم نستلم في المجلس الانتقالي الجنوبي، أو عبر مجلس القيادة الرئاسي، خريطة الطريق بشكل رسمي مكتوب لبحث تفاصيلها".
وأكد العولقي أن "على رأس القضايا التي نشدد عليها إدراج قضية شعب الجنوب في العملية السياسية، ووضع إطار تفاوضي خاص بها منذ بداية المفاوضات السياسية، بناء على مخرجات مشاورات الرياض برعاية الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في إبريل 2022".
ودخل المجلس الانتقالي الجنوبي في مفاوضات حل الأزمة اليمنية وعلى رأس أولوياته وضع معالجة للقضية الجنوبية، أو ما يصفها بقضية "شعب الجنوب"، حيث يرفع هذا المطلب ولديه أوراق ضغط تتمثل بوجوده العسكري على الأرض في معظم المناطق المحررة، بالإضافة إلى الدعم الذي يحظى به من الإمارات التي تعد شريكاً فاعلاً في التحالف العربي.
الكاتب الصحافي عمار علي أحمد قال، لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس الانتقالي الجنوبي سيدخل المفاوضات تحت عباءة مجلس القيادة الرئاسي من خلال الوفد التفاوضي الذي شكله المجلس، لكن مع التشديد على أنه سيكون المخول بالحديث والتفاوض عن بند القضية الجنوبية أثناء المفاوضات".
وأشار إلى أن "مطالب المجلس الانتقالي تتجسد في وضع قضية الجنوب بالمفاوضات، وأن يكون لها إطار خاص، وأولوية ضمن قضايا التسوية السياسية. بل إن الانتقالي يشدد على أنها - أي قضية الجنوب - مفتاح حلحلة قضايا التسوية السياسية لإنهاء الحرب في اليمن، حيث يرى الانتقالي أن القضية الجنوبية هي سبب رئيسي للحرب والصراع في اليمن منذ العام 1994".
تحفظات "الانتقالي" على مشروع الاتفاق
ولفت أحمد إلى أن "المجلس الانتقالي يعد أكثر طرف لديه تحفظات حول مشروع الاتفاق، وبات يمثل الطرف المتشدد داخل مجلس القيادة الرئاسي تجاه تقديم أي تنازلات لجماعة الحوثي تحت مبرر السلام. والسبب لأن الانتقالي يرى نفسه ممثلاً عن الجنوب، الذي يمثل 90 في المائة من مساحة المناطق المحررة، ما يجعله المعني الأول بتفاصيل أي تسوية سياسية قادمة في اليمن".
وأكد أن "تحفظات الانتقالي حول بنود الاتفاق خلال الفترة الماضية كانت سبباً رئيسياً في تعديلها، وأبرز ذلك موقفه الرافض بشدة لصرف رواتب الموظفين بمناطق سيطرة الحوثيين من عائدات النفط، الذي يُنتج 80 في المائة منه من محافظتي شبوة وحضرموت الجنوبيتين، وهو ما دفع بالرياض إلى تقديم مقترح بأن تقوم بدفع الرواتب 6 أشهر حتى يتم الاتفاق على هذه النقطة".
وأضاف أن "الانتقالي يرفض بشدة أن تُوحّد إدارة البنك المركزي على حساب نقل مقر البنك من عدن، ويصر على أن تبقى إدارته في عدن، ولا تُنقل إلى صنعاء كما يطرح الحوثي، أو خارج اليمن كما يطرح الوسطاء".
ولفت أحمد إلى أن "المجلس الانتقالي يمتلك أوراق ضغط كبيرة، وعلى رأسها سيطرته على الأرض، حيث إن القوات التابعة له تسيطر على أغلب محافظات الجنوب، بما فيها سقطرى، باستثناء محافظة المهرة ووادي حضرموت، وهذا ما يجعل منه رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية".
وأشار إلى أن "الانتقالي يمتلك أيضاً أهم ورقة، وهي القضية الجنوبية المستندة إلى حراك شعبي انطلق في العام 2007 رافض لبقاء الوحدة، ويطالب باستعادة الدولة الجنوبية والعودة لما قبل العام 1990. هذا الحراك والتأييد الشعبي في الجنوب لمطلب فك الارتباط لن يقبل بأي تسوية سياسية تبقي الوضع السياسي لدولة الوحدة، فضلاً عن أن يقبل بدولة وحدة تشارك في إدارتها جماعة الحوثي التي اجتاحت الجنوب في العام 2015، وهذا أمر أعتقد أن الإقليم والمجتمع الدولي والأمم المتحدة تدركه جيداً".