يواجه اليمن خطرًا مستقبليًا بيئيًا يهدد موارده المائية، وسط تحذيرات أممية من استمرار استنزاف المياه الجوفية بمعدلات مرتفعة تصل إلى ضعف معدل تجديدها، في ظل حالة الجفاف التي تضرب أراضي البلد الزراعية، نتيجة للتغيّرات المناخية التي يشهدها العالم.
وكان وزير المياه والبيئة، المهندس توفيق الشرجبي، قال خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023، الذي انعقد في مارس/ آذار الماضي، إن بلاده "أكثر دول العالم فقرًا في المياه".
وأكد الشرجبي أنه "لا يزال أكثر من 40% من سكان اليمن لا يحصلون على مياه مأمونة، خاصة في المناطق الريفية التي تمثّل حوالي 65% من إجمالي مساحة وسكان البلاد".
تحديات مجتمعة
في هذا الشأن، قال مستشار وزير المياه والبيئة لشؤون الموارد المائية، المهندس ناصر اليزيدي، إن اليمن يعيش حاليًا أزمة مائية حقيقية، من مؤشراتها أن نصيب الفرد من المياه المتجددة لا يتجاوز 70 مترا مكعبا في العام.
وأشار اليزيدي إلى أن ذلك يأتي في ظل استمرار تعرض المياه الجوفية للاستنزاف منذ ثمانينات القرن الماضي، بفعل زيادة عدد السكان وتوسع الخدمات الحضرية للمياه والصرف الصحي في المدن والأرياف، إضافة إلى تزايد أثر التغيرات المناخية وتدهور الموازنات المائية، ما أدى إلى تفاقم الفجوة بين كميات استخدام المياه الجوفية وكميات تغذيتها الطبيعية.
وحذّر، في حديث لـ"الخليج 365"، من تفاقم الأزمة مستقبلًا في حال عدم تقنين كميات استخدام المياه في اليمن، بما يتلاءم مع كمياتها المتجددة.
وأشار إلى أطر قانونية وأخرى استراتيجية وهياكل مؤسسية لإدارة الموارد المائية، "لكن المشكلة تكمن في مواجهة ثلاثة تحديات مجتمعة".
أولها، بحسب المستشار، "يتمثل في تدني الوعي السياسي والمجتمعي بالأخطار التي تشكلها أزمات المياه في مختلف المناطق على جوانب الحياة، وثانيها يكمن في شحّ القدرات المؤسسية القادرة على فرض سيادة القانون، وفي مقدمتها التمويل الكافي وغياب التكنولوجيا العصرية".
"أما التحدي الثالث فيتجسد في زيادة عدد السكان وتوسع الاستثمار المعتمد على المياه في ظل غياب رؤية تنموية قائمة على التكامل والتنسيق القطاعي على المستويات المحلية والوطنية، فضلًا عن الوضع السياسي والأمني المستجد، الذي أثّر سلبًا وبصورة جدّية على إدارة المياه".
ورأى أن "هناك حلولًا تساعد في الحدّ والتخفيف من أزمات المياه والتغيرات المناخية، كأن يمنح قطاع المياه أهمية أكبر في الوعي السياسي وفي أروقة متخذي القرار، بشكل ينعكس على التخطيط التنموي الشمولي المستند على الربط عمليًا بين الأمن المائي والأمن الغذائي، كقاطرة للتنمية الوطنية المستدامة".
وقال المهندس اليزيدي إن توفير الموازنات الكافية لقطاع المياه سيمكنه من العمل بصورة طبيعية، إلى جانب أهمية تحديد واجبات ومسؤوليات جميع القطاعات، ومنها العمل بنظام الإدارة اللا مركزية للأحواض المائية.
وتطرق إلى أهمية حلّ المشاكل الحالية المتفاقمة بفعل الحرب وتوقف التمويل، كحل أزمة خدمات المياه والصرف الصحي، وإعادة تفعيل شبكات مراقبة المياه الجوفية، وضبط المخالفات المتعلقة بحفر آبار المياه ومراقبة التلوث، وضرورة الاستفادة من جميع مصادر المياه المتاحة.
ضرورة التقنين
بدوره، شدد مدير مركز "الكود" للأبحاث الزراعية، الدكتور محمد الخاشعة، على أهمية سنّ القوانين النافذة للسيطرة على عمليات ضخ المياه في ريّ الحقول الزراعية ووضع عدادات لها، "خاصة حقول الموز في محافظة أبين، التي تشهد عملية ريّها إسرافًا كبيرًا في ظل عدم إدراك المجتمع لقيمة موارده المستدامة، وأهمية الحفاظ عليها وعدم استنزافها كونها تمثّل مستقبل الأجيال".
وقال الخاشعة، لـ"الخليج 365"، إن الوضع المائي في دلتا أبين لا يزال بخير نسبيًا، مقارنة بوضع المحافظات الأخرى، كمحافظة لحج ومحافظات شمال البلاد، "ورغم ذلك لا بد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة في وضع القوانين ووقف الحفر العشوائي للآبار، فلو نظرنا إلى ما قبل 40 عاما، كان عمق آبار المياه في دلتا أبين يصل إلى 30 مترًا، لكنه في الوقت الحالي وصل إلى عمق 80 مترًا".
تراجع الزراعة
من جانبه، أشار وكيل وزارة الزراعة والريّ والثروة السمكية، لقطاع الريّ واستصلاح الأراضي، المهندس أحمد الزامكي، إلى معاناة اليمن من شحّ الموارد المائية بشكل عام، وما تفرضه تأثيرات التغيّرات المناخية من تحديات كبيرة لدول العالم، بما فيها اليمن، وما تسببه من حالة الجفاف التي باتت تطغى على الأراضي الزراعية اليمنية، خلال عقدين إلى العقود الثلاثة الأخيرة.
وقال الزامكي، لـ"الخليج 365"، إن حجم التحديات التي يواجهها اليمن كبيرة جدًا، فبالإضافة إلى شح الموارد المائية وتأثيرات التغيّرات المناخية، فإن حالة النزاع المسلح التي يمرّ بها البلد منذ العام 2015 ضاعفت حجم التحدي".
وأضاف: "أدت إلى ارتفاع في كافة المدخلات الزراعية وأيضًا المشتقات النفطية، المشغلة لمضخات المياه والجرارات الزراعية، وهذا ما ينعكس سلبًا على الأمن الغذائي ويفاقم من حجم المعاناة الإنسانية التي يواجهها البلد، في ظل تراجع الزراعة المحلية".
وحول أبرز جهود الوزارة في هذا الجانب، أكد الزامكي أنها قامت بالتنسيق مع الأشقاء في دولة الإمارات العربية المتحدة لاستئناف العمل في مشروع سدّ حسان الاستراتيجي، في محافظة أبين، بتمويل من صندوق أبوظبي للتنمية.
وبين أن هذا المشروع سيتمكن عقب إنجازه من ريّ حوالي 10 آلاف هكتار، ويؤدي إلى استصلاح بعض الأراضي الزراعية في المنطقة، وتخفيف انجراف التربة.
كما سيساعد، وفق الزامكي، في الاستفادة من المياه السطحية الجارية في الوادي، خلال المواسم الزراعية، حتى في ظل شح الأمطار، "وبالتالي فإن هذا المشروع سيمكننا من التغلب على جزء من الجفاف في منطقة دلتا أبين، والحدّ من التحديات التي تواجه التربة الزراعية".