يشهد اليمن مرحلة جديدة من الصراع الدائر على ملف رواتب الموظفين المدنيين وإدارة القطاع النفطي وتقاسم الثروات وعائدات التصدير، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تدهورا غير مسبوق في الأوضاع المعيشية وتوسع رقعة الجوع والفقر والبطالة وانهيار الأمن الغذائي.
وتؤكد مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن هناك تعقيدات تعرقل حلحلة ملف صرف رواتب الموظفين المدنيين في المفاوضات غير المعلنة التي ترعاها سلطنة عمان، وتتركز في طريقة صرف رواتب الموظفين والجهة التي ستشرف على إدارة عملية الصرف والذي يتطلب إعادة توحيد المؤسسات النقدية والمالية المنقسمة بين طرفي الصراع: الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين.
ولم يعد الموظفون المدنيون في صنعاء ومناطق شمال اليمن قادرين على تحمل سنة أخرى بدون رواتبهم المقطوعة منذ سبتمبر/ أيلول من العام 2016، إذ يسود تذمر واسع في هذه المناطق مع استمرار عملية تجويعهم وتحول رواتبهم إلى أهم ورقة في الصراع وتمحوره حولها خلال الأعوام الثلاثة الماضية مع اشتداده بدرجة رئيسية وبصورة تدريجية منذ مطلع العام الحالي 2023 ووصوله حالياً إلى ذروته.
وقال الباحث الاقتصادي مراد منصور، لـ"العربي الجديد"، إن جميع الأطراف تضرب عرض الحائط بمعاناة اليمنيين وتبحث بدرجة رئيسية عن مصالحها وتحقيق أكبر قدر من المناصب والمكاسب والصفقات والعقود التجارية والاقتصادية والاستثمارية والاستيلاء على ما هو متاح أمامها من موارد مالية وعائدات وجبايات.
ويرى أن الحوثيين لا يأبهون لمعاناة الناس في مناطق سيطرتهم واستولوا على مؤسسات الدولة لاستخدامها فقط لفرض سلتهم ونفوذهم وأفكارهم، بينما لا يريدون القيام بأي واجب من مهام مؤسسات الدولة في تقديم الخدمات العامة التي تم تركها لاستثمار القطاع الخاص المحسوب بشكل أو بآخر عليهم، أو عدم صرف رواتب الموظفين بالرغم من العائدات المالية التي يتم تحصيلها من الإتاوات واستيراد النفط والغاز.
وتوجه اتهامات للحوثيين بالاستئثار بالموارد المالية التي يتم تحصيلها من عدة منافذ إيرادية في مناطق نفوذهم واقتصار إنفاقهم على المناسبات الدينية التي لا تتوقف احتفالاتهم بها طوال العام في الوقت الذي يتضور فيه المواطنون في مناطق سيطرتهم من الجوع والعوز.
الموظف المدني وهيب عبد الولي، يقول لـ "العربي الجديد": "نعيش على هذا الأمل بصرف الرواتب منذ سنوات، وكلما كانت هناك مؤشرات لاقتراب الحل حول صرفها لا يلبث أن يتحول إلى سراب".
ويفرض ملف صرف رواتب الموظفين المدنيين تعقيدات وعراقيل واسعة أمام جهود التوصل إلى اتفاق يفضي إلى هدنة لفترة طويلة وإطار تفاوضي لإحلال السلام في البلاد التي تعيش على وقع حرب منذ العام 2015، إذ تتهم الحكومة اليمنية الحوثيين باستهداف الموانئ وإيقاف تصدير النفط والتسبب بأزمة نقدية واقتصادية تنعكس على تفاقم معيشة اليمنيين.
وفي المقابل، يبرر الحوثيون استهدافهم لهذه المنشآت في نهاية العام الماضي 2022، لحل مشكلة رواتب الموظفين المدنيين وصرفها من عائدات تصدير النفط.
بدوره، يدعو الموظف في إحدى الدوائر العامة في صنعاء أحمد قايد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، جميع الأطراف إلى أن "يتقوا الله" في الموظفين الذين استنفدوا طاقتهم وصبرهم بعد كل هذه المدة من فقدان أهم شريان يربطهم بالحياة.
ويعيش نحو 600 ألف موظف حكومي للعام السابع على التوالي في معاناة قاسية بسبب توقف مرتباتهم وانقطاع السبل بهم مع عدم وجود أي مصادر دخل أخرى، إذ يعيلون أسرا يقدر عدد أفرادها بنحو 5 ملايين فرد.
واضطر كثير منهم إلى خوض غمار حياة شاقة منذ توقف الرواتب في سبتمبر/ أيلول في العام 2016، والخروج إلى الشوارع والأسواق للبحث عن عمل لإعالة أنفسهم وأسرهم.
وتبلغ فاتورة الأجور والمرتبات في اليمن، بحسب كشوفات آخر عام قبل الحرب، حوالي 75 مليار ريال شهرياً، منها 50 مليار ريال لموظفي الخدمة المدنية يستفيد منها 1.25 مليون موظف وأسرهم، بينما تبلغ معاشات المتقاعدين 5.4 مليارات ريال شهرياً يستفيد منها 124 ألف متقاعد، وبالمجمل تبلغ فاتورة رواتب موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين والمساعدات النقدية حوالي 1.055 مليار ريال سنوياً.
ومع انقسام المالية العامة بين طرفي الحرب في البلاد، أعادت الحكومة المعترف بها دولياً صرف رواتب الموظفين في نطاقها الجغرافي، بينما يكتفي الطرف الآخر بصرف نصف راتب في المناسبات والأعياد الدينية السنوية.
في السياق، يسود سخط واسع في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية، وعدد من المدن في محافظات جنوب اليمن بسبب تردي خدمة الكهرباء إلى أدنى مستوى لم يعهدوه من قبل خلال فترة الصيف مع تقلص الإضاءة إلى ساعة ونصف كل ست ساعات.
الناشط الاجتماعي في مدينة عدن علاء الشعبي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن مشكلة الكهرباء تستنزف الناس وتنهب كل ما هو متاح من دخل للبعض خصوصاً الموظفين المدنيين الذين تراوح رواتبهم مكانها في ظل تضخم يوازي تأثيره مشكلة الكهرباء المستعصية على الحل.
وينتقد المواطن نبيل فاضل، في حديث لـ"العربي الجديد"، الوضع الحالي الذي يجعل المسؤولين يستلمون رواتبهم بالدولار والريال السعودي بينما أغلبهم غير موجودين في مقار عملهم ويكونون خارج البلاد، في حين لم تعد رواتب الموظفين تساوي شيئا في ظل الوضع الراهن الذي وصلت فيه معيشة الكثير من المواطنين والموظفين إلى الحضيض.
لا يختلف الوضع لدى الطرف الآخر، الشريك الرئيسي في الحكومة، المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، الذي يعيش قادته ومسؤولوه في رفاهية ومستوى معيشي مرتفع، بحسب المواطن أيمن سالم، الذي يشير في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن أغلب الأطراف السياسية لا يههما معاناة الناس ولا تبذل الجهد المناسب لتخفيفها.