[ العليمي نفسه موجود خارج اليمن (ينس شلوتر/فرانس برس) ]
اجتمعت الأحزاب السياسية اليمنية المنضوية في إطار تحالف الأحزاب المكوّن من القوى المؤيدة للشرعية، الأربعاء الماضي، في العاصمة السعودية الرياض، وخرجت ببيان تطالب فيه قيادات الشرعية بالعودة إلى الداخل.
وأكد بيان تحالف الأحزاب، الذي يضمّ المؤتمر الشعبي العام، وحزب الإصلاح، والاشتراكي، والناصري، ضرورة إنفاذ توجيهات مجلس القيادة الرئاسي بعودة جميع المسؤولين إلى العاصمة المؤقتة عدن لحلحلة الأزمات التي تفتك بالمواطنين، وضرورة عودة مجلس القيادة الرئاسي لمزاولة مهامه من عدن وتجاوز الخلافات وتنفيذ المهام المناطة بالمسؤولين وفقاً لقرار نقل السلطة، وكذلك ضرورة عودة مجلس النواب للقيام بمهامه الدستورية ومزاولة عمله من عدن. وشدد البيان على ضرورة تأمين عمل الحكومة ومؤسساتها في عدن، ورفض أي تصرفات من شأنها تقويض عمل المؤسسات.
وكان مكتب رئاسة الجمهورية قد أصدر مطلع شهر أغسطس/آب الحالي تعميماً يتضمن توجيهات رئاسية بضرورة عمل المسؤولين في مقرات أعمالهم في العاصمة المؤقتة عدن وغيرها من المحافظات، ابتداءً من السادس من أغسطس. وأكد التعميم أنه ستُتَّخذ الإجراءات القانونية بحق من يخالف ذلك، ويستثنى من ذلك المكلفون مهام رسمية بناءً على موافقات كتابية من السلطة المختصة. غير أن المدة انتهت، ولم يُتَّخَذ أي إجراء.
وتمتلك الشرعية كادراً حكومياً ضخماً يتمثل بمستشاري الرئيس، ومستشاري رئيس الوزراء، والبرلمانيين والوزراء ونوابهم والوكلاء والوكلاء المساعدين ومستشاري الوزارات ومديري العموم، بالإضافة إلى موظفي السلك الدبلوماسي في الخارج. جميع هؤلاء يتقاضون مرتبات ضخمة بالعملة الصعبة، وباتوا مع عوائلهم يسكنون في السعودية ومصر وتركيا وعواصم أخرى.
رواتب ضخمة لمسؤولي الشرعية اليمنية
"العربي الجديد" تواصلت مع مسؤولين يمنيين مقيمين بالخارج لاستفسارهم عن سبب عدم عودة المسؤولين، لكنهم امتنعوا عن التصريح، بينما اكتفى وكيل وزارة الإعلام فياض النعمان بالقول إنه لا توجد لديه معلومات عن هذا الموضوع.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن راتب الوزير حالياً يُقدّر بـ6 آلاف دولار، نائب الوزير 5 آلاف دولار، الوكيل 4 آلاف، وكيل مساعد 3500، وذلك بعد حَسم 20 بالمائة طاول هذه الرواتب قبل نحو سنتين.
الكاتب عمار علي أحمد، قال لـ"العربي الجديد"، إن الدعوة لعودة المسؤولين إلى الداخل ليست الأولى، بل سبق أن طالبت بها أحزاب وقوى سياسية منذ تحرير عدن في أغسطس 2015، ومثّل هذا الأمر (الوجود في الخارج) أحد أهم أسباب فشل الشرعية في مواجهة الحوثي عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، لأنه أفقدها أهم أدوات القوة والتأثير، باعتبارها ممثلاً شرعياً عن اليمن موجوداً على الأرض. وأضاف: "للأسف تحوّلت إلى شرعية منفى، وهو أمر يركز عليه الحوثي بشدة لأنه يصبّ في مصلحته، وفي مصلحة تسويق نفسه قوةً موجودة على الأرض، ويسيطر على العاصمة صنعاء ويصر على اعتبار نفسه ممثلاً لليمن من هذه الزاوية".
لكن عمار اعتبر أيضاً أن إصدار "تحالف الأحزاب بياناً من داخل الرياض لعودة قيادة الشرعية إلى عدن أمر يثير السخرية، ويشبه توجيه (رئيس المجلس الرئاسي) رشاد العليمي بهذا الصدد والتشديد عليه في اجتماع مجلس القيادة الأخير قبل أسبوع، فيما يوجد الرجل ونصف أعضاء المجلس خارج البلاد، فلا يصح أن تصدر هذه الدعوات أو التوجيهات من خارج اليمن".
وأشار عمار إلى وجود أسباب عدة تجعل القيادات ترفض العودة إلى الداخل، أهمها أن أغلب هذه القيادات أو المسؤولين عُيِّنوا بقرارات عبثية في أثناء فترة حكم الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، من دون أي كفاءات أو حاجة لتعيينهم، وهم يدركون أنهم لن يقدّموا شيئاً بعودتهم إلى عدن، لذا يختلقون الأعذار للبقاء خارج البلاد.
وتابع: "الأمر الثاني، وهو الأهم بنظري، أنه في حالة عودة كل هؤلاء المسؤولين إلى عدن، لن يكون هناك مبرر لأن تُصرف رواتبهم بالعملة الصعبة وبهذه المبالغ الكبيرة، التي تصرف لهم حالياً بذريعة أنهم موجودون خارج البلاد، وأن عدن غير مهيّأة لعودتهم، وهي أعذار واهية". ولفت إلى أن "جميعهم أصبحوا مستقرين بشكل دائم في المنفى، ونقلوا أسرهم خارج اليمن، وأغلبهم بات مرتبطاً بأعمال ومشاريع استثمارية في الخارج، وليس في مصلحتهم أن يعودوا ويستقروا في عدن أو في أي مدينة محررة".
سيطرة "الانتقالي" على مؤسسات عدن
وكان سكن رئيس الحكومة معين عبد الملك في قصر معاشيق بالعاصمة المؤقتة عدن قد تعرّض الأحد الماضي للاقتحام والمحاصرة من قبل مسلحين تابعين لـ"ألوية العمالقة" التي يقودها عضو المجلس الرئاسي، القيادي في "المجلس الانتقالي الجنوبي" عبد الرحمن أبو زرعة المحرمي. الاعتداء الذي تعرّض له سكن رئيس الحكومة، حصل بعد يومين من عودة رئيس الحكومة إلى عدن قادماً من الرياض.
عقب الاعتداء، اجتمع عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" عيدروس الزبيدي برئيس الوزراء، الثلاثاء الماضي، وقال الزبيدي إن بقاء أي وزير أو مسؤول في الخارج لم يعد مقبولاً، مؤكداً ضرورة أن تضطلع كل وزارة بمسؤولياتها وتنفذ مهامها المنوطة في خدمة المواطن، وذلك من خلال الوجود الفعلي على الأرض، وفي مقارّ عملها في عدن بكامل كادرها الوظيفي.
القيادي في "الانتقالي" بدر العرابي، قال لـ"العربي الجديد" إن "ما حدث في معاشيق لا يُعبّر عن موقف المجلس الانتقالي، ولا نستبعد أن تكون هناك تصرفات فردية غير رسمية أحدثت هذا الفعل"، مضيفاً: "لدينا تجارب مريرة مع الحكومات المتعاقبة، وثمة تراكمات من الفساد والإفساد ترتكبها تلك الحكومات، ومنها ضربها عرض الحائط بقضايا الخدمات وتعطيلها المتعمد لتلك الخدمات". وشدد على أنه "لم يكن هناك أي منع من الانتقالي الجنوبي لعودة المسؤولين"، مضيفاً أنه "إذا لم تكن أولوية للحكومة عند عودتها لعدن إصلاح الخدمات، فلا داعي لوجودها في عدن".
وأشار العرابي إلى أن "الحكومة تعمل على تحويل الحوافز لعامليها في الخارج بالعملة الصعبة، ما يسهم مباشرةً في تدهور العملة، فينعكس ذلك بالضرر على معيشة الناس. أما المسؤولون الهاربون في الخارج، فقد وصلوا إلى قناعة تامة بأن العيش في عدن سيكون شاقاً لهم ولن يحتملوه، وقد اختاروا العيش في الخارج ما دامت الحوافز الحكومية تصل إليهم بالعملة الصعبة".
لكن المحلل السياسي خليل العمري، قال لـ"العربي الجديد" إن "الانتقالي يريد موظفين يعملون لصالحه، ويريد مؤسسات تعمل لصالح مشروعه الانفصالي، فهو يشارك في الرئاسة وفي نصف الحكومة، ويتحكم بالقوة، ولا يريد في عدن سوى ظله"، لافتاً إلى أن المجلس "لم يقتحم مقر الرئاسة فقط، بل يتحكّم بكل مقرات الوزارات والمؤسسات، ويعمل على تحويلها إلى مؤسسات غير وطنية، هذه إشكالية خلقت وضعاً شاذاً في عدن استفاد منها الحوثيون في كل الأحوال".
ورأى العمري أن "المسؤولين لا يرغبون في العودة إلى الداخل لأنه أضحى لديهم وطن بديل في الخارج، بالإضافة إلى أن أغلبهم يتقاضون رواتب بالعملة الصعبة ولا يعملون، فهناك جيش من المسؤولين العاطلين من العمل، يوجدون فقط في كشوفات الرواتب وكشوفات الإعاشة والكافيهات المنتشرة في عواصم الدول الإقليمية"، مضيفاً أن "هناك سبباً آخر سياسياً، متعلقاً بالحالة الأمنية في عدن التي يتحكم بها المجلس الانتقالي والفصائل المتحالفة معه".