[ ارشيفيه ]
إن الفُرص لا تتسكع في الطرقات، وإذا سمحت مرة فإنها لا تعود. حسنا، لقد حصل التحالف العربي، بقيادة السعودية، فرصة ذهبية لإصلاح ما أفسدته سياستهم في اليمن، وإعادة الأمور إلى نصابها، لكن هذه الفرصة تتفلت من يده، وتتلاشى تدريجيا.
لقد ظلت الضغوط الدولية على التحالف ضئيلة ولا تكاد تذكر، على مدى العام الماضي. لكن التحالف بالمقابل ظل يتعامل مع مقاومة الداخل بريبة وتحفظ أحيانا، فبدلا من استغلال عنصر المفاجأة وكسر شوكة المليشيات، سيطرت الرتابة على سير المعارك ضد المليشيات، والتي رتبت أوراقها، واستطاعت كسب الوقت والإعداد لحرب طويلة المدى.
لم يقتصر تأثير عامل الوقت على ترتيب الأوراق بالنسبة للمليشيا، بل تعدى ذلك لإحداث اختراقات داخل الصف المقاوم، وزرع الشقاق والتباين بين فصائله. أضف إلى ذلك الترتيب للعب على وتر الجماعات المتشددة، والتسويق للمقاومة كمجموعات متشددة أكثر فداحة من مليشيات الحوثي ذاتها.
ليس هذا وحسب، فقد استطاع اللوبي الإيراني، رفقة حلفائه الغربيين، استطاع انتزاع شرعية لمليشيات انقلابية، صدر ضدها قرار دولي بالإجماع كمتمردين، عبر حوارها برعاية أممية. لقد كفّرت الأمم المتحدة عن ذنبها المتمثل بالقرار 2216 عبر التشريع للانقلابيين ومحاورتهم، والتعامل معهم كفصيل سياسي يمني يختلف مع فصائل أخرى، ويجري لم الشمل برعاية أممية، لتزيح بعيدا قرارها الأول والذي بدا بلا قيمة.
لقد وصل الحال بالأمم المتحدة، مؤخرا، لمخاطبة المتمردين كممثل شرعي لليمن، بل وإدانة التحالف العربي كمنتهك لحقوق الطفل. الأمر ليس مستغربا، فمجرد القبول بحوار مليشيات بعد قرار دولي، يعني الاعتراف بها، وبالتالي لا جدوى من إدانة من يتعامل معها على هذا النحو. علاوة على ذلك، يسيطر المتمردون على العاصمة السياسية للبلاد، بينما تعجز الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف عن الاستقرار في العاصمة المؤقتة، وممارسة مهامها.
في الواقع، لقد أضاع التحالف العربي فرصة ثمينة لإزالة الانقلاب في اليمن، وحفظ خاصرة الخليج الجنوبية من التغول الإيراني الخبيث. إن التباين في وجهات النظر داخل التحالف يعد سببا رئيسا في تأجيل تحرير التراب اليمني، وبالتالي ترك الحبل لمليشيا الحوثي للتحدث باسم اليمنيين.
كانت الأمور مواتية لعمل الكثير، ومع ذلك ظل كل شيء قيد التأجيل، وتسيد التعامل ببرود ولا مسؤولية الموقف، حتى ضاعت الفرصة. لقد بدأت الآن الضغوط الخارجية على التحالف العربي، على نحو منظم، وضعه في قائمة الأمم المتحدة السوداء للانتهاكات. التحالف الذي تولى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، التي ظلت حبيسة الأدراج، هاهي تتهمها بارتكاب الخروقات في سبيل الضغط نحو القبول بالمليشيا كأمر واقع في اليمن.
اليوم، باتت الضغوط لا تحتمل، ويظل الحديث عن قرار أممي آخر ينسخ القرار السابق، لصالح المليشيا، أمرا محتما. لقد وصل الأمر بالولايات المتحدة، الحديث عن جماعة الحوثي كجماعة سلام، ساقها القدر لليمنيين، في حين يعمل التحالف العربي بالمقابل على تعكير الأجواء.
تعمل المليشيات حثيثا لاستغلال هذه الضغوط، وغياب طيران التحالف الذي يبدو مقيدا بدكاكين حقوق الإنسان، لتحقيق انتصارات على الأرض لتقوية مسارها التفاوضي، والذي يسير كما تشتهي المليشيات. لم يعد اليمنيون يطلبون من التحالف سوى السلاح المناسب، وهم من سيتكفلون بصناعة انتصارات تربك أجندات المليشيا وداعميهم الدوليين.
في حين تحتاج الحكومة الشرعية والتحالف لانتصارات على الأرض، يخوض أبطال مقاومة تعز معارك عنيفة رغم فارق التسليح، ويحققون انتصارات مدوية، تجعل المليشيات تقصف الأحياء السكنية بشكل هستيري، ضحيته الأطفال والنساء، أدخل الضمير الإنساني ثلاجة الموتى. ورغم الحاجة لتلك الانتصارات، تُحجم طائرات التحالف حتى من التحليق على سماء تعز، الأمر الذي يكشف حجم الضغوط الممارسة ضد التحالف.
لقد كانت الأمور أكثر سهولة، لكن أحدا لم يستغلها. انتظرت تعز كثيرا دعما محدودا للتحرر في مناسبات عديدة، وإضافة ورقة مُربحة بيد الحكومة والتحالف، لكن ذلك لم يحصل. لا أحد يعرف لماذا ضاعت كل تلك الفرص، وكيف لو أنها استغلت ستشكل سلاحا قويا، وحصنا منيعا وحجر عثرة أمام أي ضغوط كانت. لقد هبّت رياح الانعتاق في اليمن، لكن أيٍ لم يغتنمها..