[ الطفلة حنين ضحية الاهمال الطبي وتدهور الوضع الصحي بمأرب ]
حمى مفاجئة، توقظها في الفجر، وفي الظهيرة كان وجهها محمرا، ومساءً تورمت خدودها المشرقة كالقمر وتغير محيط كلتا عينيها اللتين فقدتا بريقهما المعتاد، وفي اليوم التالي غزا الطفح الجلدي معظم جسمها، وقبيل المغرب، صاحت أمها وأنا منهمك في العمل، "حنين مريضة، وغائبة عن الوعي".
كانت أعراض الحصبة تتزاحم على خلايا جسدها الصغير والمنهك بالحمى المتكررة من اليوم السابق. قفزت من ساعتي دون استئذان وغادرت مسرعا بصحبتها وشقيقها الأكبر، إلى مستشفى الشهيد محمد هائل، وكان حينها مكتظ بالمرضى الصغار الذين يحاول أهاليهم اغتنام فرصة عرضهم على الطبيب المختص، وفشلت أنا حينها في الوصول إليه، وفشلت محاولتي في إقناع مدير المستشفى بالمساعدة.
بل كاد المدير ومساعده أن يطردني من مكتبه، رافضين سماعي، رغم أن حالة حنين كانت طارئة، والحصبة وعلاماتها الظاهرة تستدعي الوقاية وسرعة إسعاف الطفلة كواجب إنساني ومهني، لكن الضغوط الشديدة على المشفى وضعف التنظيم، تجاوزت نطاق الشعور بالمسؤولية.
انتظرت وحاولت مرارا التسلل من بين الإباء والأمهات، ومع انقطاعين للتيار الكهربائي وقيام سعد بملاقاة الدكتور العائد من صلاة العشاء والدخول معه، سنحت لي الفرصة لتجاوز المنتظرين وعرض حالتها على الطبيب.
قال الدكتور الشبحي بعد تفحصها الأولي "هذه ليست حصبة، حنين مصابة بالتهاب حاد"، وكتب لها بضع فحوصات مع وصفة طبية طارئة (مغذية ودواء يخلط معها) ليتم تدارك وضعها ومساعدتها على المقاومة، ريث ما تظهر نتيجة الفحوصات.
وأكدت النتيجة المخبرية، التشخيص الأولي، "ليست حصبة، مصابة بتحسس والتهاب حاد تسبب لها بالطفح الجلدي المشابه لبدايات الحصبة"، أشار الطبيب إلى ارتباط مرضها بالتغير المفاجئ والمتكرر في درجات الحرارة، أو التعرض لهوى المكيف بشكل مباشر لدقائق متقطعة، ما أدى لالتهاب اللوزتين والتحسس من الهوى والحر وظهور "حصبة كاذبة".
تنفست الصعداء، وحمدت الله، مستبعدا المشاهد والصور التي تزاحمت في مخيلتي للأطفال المصابين بالحصبة في بلدتي المحابشة والمناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة المارقة، وكنت قد تابعت حالاتهم وانتشار المرض، بحكم عملي كصحفي، وسلطنا الضوء على ما ارتكب بحقهم من جريمة من قبل المليشيا التي انتهجت حملات شينطة للقاحات الواقية من الأمراض الستة القاتلة.
حنين، ومثلها العشرات والمئات من الأطفال، هم ضحايا مع الأسف، للتقصير الذي أزعم أنه غير متعمد من قيادة كهرباء مأرب ممثلة بالمدير عبد الهادي جابر، والمهندس م.عبدالله دغيش، وكلاهما مطلعان على مشكلة الكهرباء في حارة النصر التي أسكنها، وسبق أن أصدرا وقبلهما المحافظ عضو مجلس القيادة اللواء سلطان العرادة عشرات التوجيهات بتشكيل لجان ومسح ودراسة وتخيط لشبكة الكهرباء في المنطقة، ووجها مؤخرا ببدء تنفيذ الشبكة، لكن توقفت عمليات نصب أعمدة نقل خطوط الكهرباء بشكل مفاجئ، ولا نعلم من المسؤول بشكل مباشر عن معاناة أكثر من 400 منزل وخيمة نزوح، جراء التيار الكهربائي المتذبذب في أدنى مستوى (بين 03-150هرتز)، بسبب تهالك الشبكة العشوائية والتي كانت وحتى وقت قريب تغذي إضافة لحارة النصر، الجزء العلوي من مخيم الجفينة .
تذبذب التيار وضعفه، دفعني والكثير للاعتماد على أجهزة منظمة الفولتية، لتقوية التردد ومضاعفته بما يمكن من تشغيل الأجهزة الكهربائية، وللأسف، هذا الحل غير مجدي اليوم، إذ يوقف المنظم تدفق التيار لأجهزة المكيفات مع هبوط الفولتية عن ثمانين هرتز، وعندما يرتفع تذبذب التيار يعود ويدفع المنظم بالكهرباء المضاعفة للمكيف ويفصل في الدقيقة والخمس دقائق مرات، وهكذا أصيبت حنين "بالحصبة الكاذبة".. فمن المسؤول عن معاناتها؟
الحارة منكوبة بالشبكة المتهالكة، والمهندس دغيش والشبواني على اطلاع على ذلك، وكانا خلال الأشهر الماضية قد وجها شخصين تقريبا أحدهما وليد القطابي والحسام، بمباشرة تركيب شبكة جديدة داخل الحارة ومحول خاص، كان الأخ المحافظ قد وجه به عام 2019، مع التوجيهات بالشبكة الخاصة بمخيم الجفينة -ومع الأسف- لم تر تلك التوجيهات النور.
الجهود الأخيرة بدأت تصل للحارة بزراعة عدد من أعمدة حمل خطوط نقل التيار الكهربائي، لكن توقفت العملية فجأة وكانت المصادفة أن الحفرة المخصصة لأحد الأعمدة جوار منزلي، وأوشكت حنين على الوقوع فيها، وهي تلعب قبل بضعة أيام، فلماذا توقفت العملية؟ ومن المسؤول عن مرض حنين؟ ومعاناة الآلاف من النساء والأطفال في الحارة جراء الحر الشديد؟
هل مدير الشركة أم نائبه أم المهندسين المعنيين بالتنفيذ؟ هل المسؤول عن توقيف ربط الحارة بشبكة صالحة هو عاقل الحارة؟ والأخير قد وُجهت له اتهامات من بعض الإخوة في داخل مجموعة الواتساب، ونفاها، وهو ذاته قد وعد وكرر وأسرف في إطلاق الوعود والليلة الماضية قال لي "الكهرباء كلما سرنا قالوا عليهم ضغوط طوارئ لكن اتفقنا في أقرب وقت ممكن"... يعني بعد موت حنين والكثير غيرها، بسبب موجات الحر أو الأمراض التي يتسبب بها التيار المتذبذب؟
يلقي العاقل بالمسؤولة على الشركة، والأخيرة يعلم الجميع الجهود التي تبذلها، ولو قارنها بالضغوط الكبيرة، فهم يستحقون الشكر عليها، لكن هم مسؤولون عن المشكلة، والحل بسيط وسبق وتم التوجيه به وتخصيص ميزانيته، لكن تعثر في مرحلة التنفيذ في شيء ما، أو شخص ما يصر أن يعاني سكان الحارة ويظلون دون كهرباء ويا ليتنا نعرف السبب.
ألا نستحق خدمة كهربائية مقبولة؟ هل نحن مواطنون درجة ثانية؟ هل هناك عقبة أو مشكلة تتعلق بالأمن القومي أو الإقليمي مرتبطة بمحول الكهرباء الخاصة بحارة النصر؟
هي أسئلة نكررها ونأمل أن نجد إجابة عملية وكلنا ثقة أن العملية التي تعثرت في مكان ما، قطعا ليست بسبب مكتب قيادة المؤسسة، وأن هناك أيادي خفية ومرتعشة تصر على حرمان الآلاف من النازحين والسكان من نعمة كهرباء مأرب الغازية التي مثل تشغيلها، محطة تحول استراتيجية لإنهاء نزيف الخزانة العامة، وإضاءة مأرب التي غدت جزيرة من الأمان والاستقرار وسط دوامة الحرب المشتعلة منذ تسع سنوات.