[ خلال إجراء الامتحانات في صنعاء (محمد حمود/ الأناضول) ]
يُنهي عشرات آلاف الطلاب اليمنيين تعليمهم الثانوي وسط انهيار العملية التعليمية في البلاد التي تشهد حرباً للعام التاسع على التوالي. ولم يحصل غالبية الطلاب على تعليم بشكل جيد يؤهلهم للالتحاق بالجامعات، الأمر الذي يهدد مستقبل أجيال من الشباب في اليمن.
وخلال شهر مايو/ أيار، بدأ نحو 336,520 طالبا وطالبة اختبارات الثانوية العامة في عموم المحافظات اليمنية المنقسمة بفعل الحرب. وبدأت الاختبارات بتواريخ مختلفة ما بين مناطق سيطرة الحكومة الشرعية (المعترف بها دولياً) وتضم 93 ألفا و520 طالباً وطالبة، ومناطق سيطرة حكومة جماعة أنصار الله الحوثيين (غير المعترف بها) وتضم 243,000 طالب وطالبة، وفق إعلان السلطات. وبحسب وزارة التربية والتعليم في صنعاء، بدأت امتحانات الشهادة الثانوية بشعبتيها العلمية والأدبية في 6 مايو، فيما بدأت في 14 مايو في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها.
مُنى محمد هي إحدى طالبات الثانوية العامة في صنعاء، تقول إنها لم تكن مستعدة للاختبارات وتشعر بالإحباط لأنها لم تحصل على التعليم الكافي في جميع المواد بسبب الحصص التعليمية القليلة خلال العام. وتقول لـ "العربي الجديد": "معاناتنا في المدارس الحكومية مضاعفة لأن المعلمين بلا رواتب وغالبيتهم لا يحضرون إلى المدرسة بشكل منتظم، وقد اضطر بعضهم للنزوح إلى محافظات أخرى تسيطر عليها الحكومة للحصول على الرواتب". وتعد منى نفسها ضحية الحرب التي اندلعت، ولا تزال في المرحلة الابتدائية (الصف الرابع). خلال كل سنوات تعليمها لم تستقر العملية التعليمية وتزداد سوءاً كل عام. وتقول لـ "العربي الجديد": "للأسف، فإن أطراف الحرب لا تهتم بالتعليم إلا بما يخدم أفكارها وتوجهاتها السياسية. ولم تتفق حتى على تسليم رواتب المعلمين".
وخلال السنوات الماضية، أثرت الحرب وحالة الانقسام على المخرجات التعليمية، ولم يحد التعليم عن الحرب والصراعات في البلاد. وبرزت أولى المخاطر في قطع رواتب المعلمين في مناطق سيطرة الحوثيين، بالإضافة إلى التغيير الذي شمل المناهج التعليمية لخدمة أجندات طائفية وغير وطنية برزت خلال السنوات الماضية.
ساحة صراع
خلال السنوات الماضية، بدأت جماعة أنصار الله الحوثيين تغيير المناهج التعليمية واستبدال بعض الدروس في المراحل الأساسية بأخرى مرتبطة بفكر الجماعة وأبرزت شخصيات ومواضيع معينة، وركزت على المرحلة الأساسية. من جهة أخرى، انقطعت رواتب الموظفين في القطاع التربوي منذ أواخر عام 2016، ما شكل فجوة كبيرة في التعليم بعدما توجه غالبية المعلمين إلى العمل في مهن أخرى من أجل توفير المعيشة لأسرهم، وبعضهم يحضر بشكل متقطع للتعليم تحت تهديد الجماعة بفصلهم من وظائفهم واستبدالهم بمتطوعين.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين - ما يقرب من 172,000 معلم ومعلمة - على رواتبهم بشكل غير منتظم منذ عام 2016 أو أنهم انقطعوا عن التدريس بحثاً عن أنشطة أخرى مدرة للدخل. تضيف أن المدارس اضطرت إلى إغلاق أبوابها أمام الطلاب بسبب تفشي جائحة كورونا خلال معظم أيام الدراسة للأعوام الدراسية ما بين 2019 و2021، ما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية لحوالي 5,8 ملايين طالب، بمن فيهم 2,5 مليون فتاة.
ويقول التربوي المتقاعد عبد العزيز القديمي، إن التعليم في اليمن يعيش أسوأ مراحله بسبب حالة الاستقطاب الشديدة من قبل أطراف الحرب، لافتاً إلى أن الحوثيين يرسخون مناهج غير وطنية ويفرضون شعارات طائفية ويهمهم استقطاب مقاتلين فقط. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الحكومة الشرعية غير مدركة لحجم هذه الكارثة ولم تقدم حلولاً للإبقاء حتى على الكادر التعليمي السابق من خلال صرف رواتبهم، وتقدم تبريرات وتتبادل الاتهامات بالتسبب في معاناة المعلمين حتى الآن". ويوضح أن ما يجري في اليمن هو "انتهاك كبير للمستقبل بتعمد ضياع جيل كامل من الأطفال والشباب، علماً أنه يفترض تحييد التعليم عن الصراع وإبقاءه وطنياً يحمي الذاكرة ويظل أملاً للبلاد للنهوض بهذه الأجيال. لكن للأسف هذا لم يحدث".
مستوى ضعيف
انعكست رداءة التعليم في المدراس على مستوى الطلاب الذين يلتحقون بالجامعات اليمنية المختلفة. ويواجه أساتذة الجامعات والعاملون في القطاع التربوي مشاكل عدة من الطلاب الملتحقين بها خلال السنوات الماضية بسبب المستوى الضعيف، إلى درجة يتساءلون فيها عن كيفية تخطي أولئك الطلاب مراحل التعليم الأساسية والثانوية.
ونشر الأستاذ في جامعة إب الحكومية (وسط اليمن) أكرم عطران على صفحته على "فيسبوك"، ورقة تتضمن إجابة طالب جامعي بخط رديء يصعب فهمه، قائلاً: "ليس العجيب أنه لا توجد أي جملة أو كلمة واحدة مفيدة ومقروءة في إجابة الطالب، لكن المحير جداً هو كيفية اجتيازه المرحلتين الأساسية والثانوية (التعليم العام)، ولم يتعثر خلال تلك السنوات حتى أصبح في الجامعة".
يضيف: "الحقيقة أن الذنب ليس على الطالب وحده بل هناك أسباب كثيرة أخرى، أعتقد أن أهمها هو نظام أساليب القياس والتقويم المعتمدة في اختبارات التعليم العام التي تعتمد على الأسئلة الموضوعية كلياً"، لافتاً إلى أن هذه جريمة كبرى في حق التعليم والطالب معاً ما لم يتم استدراك الموضوع فوراً. يضيف أن "أبرز مشاكل التعليم هي رداءة الكتابة والخط لدرجة صعوبة قراءته، وضعف عام في الإملاء، وصعوبة التعبير عن الإجابة رغم معرفة الطالب لها. إلا أنه يجد صعوبة في صياغتها بلغة وأسلوب وتسلسل صحيح ومترابط".
واعتمد الحوثيون خلال السنوات الماضية في مناطق سيطرتهم على نظام "الأتمتة" في الاختبارات للحصول على الشهادة الثانوية، ما انعكس على المخرجات التعليمية للطلاب الذين يواجهون صعوبة في الإملاء والتعبير، والتي تعد من ضمن أساسيات التعلم في المرحلة الابتدائية.
المراكز الصيفية
يشعر أحمد نصر بالقلق على مستقبل بناته في صنعاء على الرغم من أنهن يدرسن في مدرسة خاصة. ويقول: "لدي ابنتان في المرحلة الأساسية، ونعتمد بشكل أساسي على تعليمهما في المنزل لأن التعليم في اليمن أصبح في الحضيض وخصوصاً منذ بدء الحرب، عدا عن تعديلات المناهج".
يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "مع بدء العطلة الصيفية، تواصلت معنا مدرستهما من أجل إلحاقهما في البرنامج الصيفي (تابع للحوثيين) لكننا رفضنا الأمر لأنه لا يخلو من التعبئة الطائفية. فضّلنا إلحاقهما في برنامج لتعليم اللغة الإنكليزية".
وأعلن الحوثيون في أواخر إبريل/ نيسان الماضي تدشين المراكز الصيفية لهذا العام، وتوقعوا أن يلتحق بها 1,5 مليون طالب وطالبة في نحو 9100 مركز صيفي بعموم المحافظات التي تسيطر عليها الجماعة. وتطلق الجماعة شعار "علم وجهاد" على تلك المراكز، قائلة إنها تهدف إلى تعليم الملتحقين بها "القرآن الكريم وعلومه والثقافة الدينية والهوية الإيمانية وحمايتهم من مخاطر الحرب الناعمة".
ويحشد الحوثيون كافة إمكانياتهم لدعم تلك المراكز الصيفية، وقد دعا زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي إلى تدشين المراكز في 28 إبريل/ نيسان الماضي، مطالباً السلطات التابعة لها بـ"الاهتمام والدعم المادي وتقديم كل ما يلزم للدورات الصيفية". أضاف أن "ميّزات الدورات الصيفية التي أزعجت أعداء هذا البلد والحاقدين على هذا الشعب، أنها تأتي في إطار توجه شعبنا المنطلق من هويته الإيمانية وانتمائه الإيماني".
في المقابل، تحذر الحكومة اليمنية من المراكز الصيفية التابعة للحوثيين وتصفها بأنها معسكرات تجنيد للأطفال للزج بهم في جبهات القتال. ويقول وزير الإعلام معمر الإرياني إن الحوثيين "يجندون مئات آلاف الأطفال في مناطق سيطرتهم تحت غطاء المراكز الصيفية، ويغسلون عقولهم بالأفكار الإرهابية المتطرفة وشعارات الموت والكراهية"، على حد تعبيره.
ويهتم الحوثيون بالمراكز الصيفية بشكل لافت، وقال محمد الهمداني الذي يعمل في قطاع التعليم "إن الحوثيين يهتمون بالمراكز الصيفية أكثر من التعليم العام، لأنهم يحصلون على حرية أكبر في الاستقطاب إلى صفوفهم، وللأسف مخرجات التعليم أصبحت تهيئ لذلك مع توسع رقعة الجهل والأمية في البلاد".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، "أعرف طلاباً في الثانوية العامة لا يجيدون القراءة والكتابة، وهذا ما يجعلهم أسهل لعملية الاستقطاب للقتال في الجبهات المختلفة سواء مع الحوثيين أو غيرهم"، لافتاً إلى أن "الحرب وسوء الأوضاع المعيشية خلقا محفزات للشباب الذين يتم استقطابهم للقتال".
على حافة الانهيار
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، حذرت الأمم المتحدة من سوء أوضاع التعليم في اليمن، وقالت إنه على "حافة الانهيار"، مقدرة وجود 2,7 مليون طفل غير ملتحق بالمدارس. أضافت أن "نحو 2700 مدرسة تعرضت للدمار أو الضرر".
من جهتها، كشفت منظمة "إنقاذ الطفولة" أن "أكثر من 8 ملايين طفل في اليمن (80 في المائة من الأطفال في سن المدرسة) يحتاجون إلى مساعدة تعليمية"، قائلة إن "معدّل تسرّب الأطفال من المدارس يُنذر بالخطر، كما ينخرط الكثير من هؤلاء الأطفال في جبهات القتال أو سوق العمل".
ويعد النزوح من ضمن المشاكل التي تؤدي إلى حرمان الأطفال من التعليم. وأعلنت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين باليمن (حكومية) في فبراير/ شباط الماضي، تسجيل ما يقارب ثلاثة ملايين نازح في 13 محافظة (مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها)، وقالت إن "أكثر من 39 ألف طفل نازح محرومون من التعليم".