[ داخل إحدى صيدليات اليمن (محمد حويس/ فرانس برس) ]
يُواجه المرضى في اليمن صعوبات يوميّة لتأمين الدواء بسبب عدم توفره في العديد من الصيدليات. أزمة أدت إلى وفاة الكثير من المرضى، فيما ينتظر آخرون مصيراً مجهولاً.
يُعاني يوسف صالح، القاطن في العاصمة صنعاء، بسبب عدم عثوره على الدواء الذي يحتاجه والده الخمسيني المصاب بالسرطان، ويقول: "ساءت حال والدي قبل أسابيع لحاجته الماسة والطارئة إلى الدواء غير المتوفر. قصدتُ معظم الصيدليات من دون جدوى. وكل فترة، يختفي دواء أساسي".
وفي ظل عدم توفر الأدوية، يتجه المرضى إلى خيارات بديلة قد تكون قاتلة. يقول صالح لـ"العربي الجديد": "عادة ما نتجه إلى البدائل، وهي الأدوية المهربة أو غير معروفة المنشأ أو الرديئة، فلا خيارات آمنة أمامنا. منذ بدأ والدي العلاج، نعيش قلقاً دائماً لتأمين الأدوية".
وخلال الأشهر الماضية ارتفعت نسبة الإصابة بالأمراض المعدية، كالحصبة وشلل الأطفال، نتيجة نقص اللقاحات الروتينية، بالتوازي مع الحملات التي تقودها جماعة أنصار الله (الحوثيين)، ضد اللقاحات باعتبارها غير آمنة، لتعود هذه الأمراض إلى اليمن.
يقول رئيس منظمة "أطباء بلا حدود"، كريستوس كريستو، خلال زيارته إلى منطقة عبس في حجة (شمال): "رأيت العديد من الأطفال المصابين بالحصبة، وأفاد الفريق الطبي بأن السبب هو نقص اللقاحات الروتينية، وانخفاض نسب تلقيح الأطفال. من الواضح أن هناك حاجة لتوسيع نطاق حملات التلقيح".
وتنعدم في اليمن الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة المنقذة للحياة، وأبرزها أدوية السرطان، والفشل الكلوي، وأمراض الدم الوراثية، وتعتمد معظم المحافظات اليمنية على المساعدات الإغاثية لتوفير الأدوية.
في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي، حذرت وزارة الصحة في حكومة الحوثيين، للمرة الثانية خلال شهرين، من كارثة إنسانية تهدد حياة أكثر من خمسة آلاف مريض بالفشل الكلوي نتيجة نفاد الأمصال والأدوية، وقالت في مؤتمر صحافي: "مرضى الكلى مهددون بالوفاة في حال توقفت جلسات غسيل الكلى، وهناك أكثر من 17 مركزاً متوقفاً عن العمل".
في ظل عدم توفر الأدوية، انتشرت تلك المهربة والمغشوشة في الصيدليات، الأمر الذي أدى إلى وفاة الكثير من المرضى. وفي نهاية العام الماضي، أعلن الحوثيون وفاة 10 أطفال مصابين بسرطان الدم (لوكيميا)، بسبب أدوية مهربة ملوثة أدت إلى إصابتهم بالتهاب السحايا.
وكان الطفل هشام سويد أحد ضحايا الحُقن الملوثة. ولم يتحمل والده صدمة وفاته، ليتوفى من بعده، وتم تشييعهما معاً في صنعاء. وتنتظر الأسرة تحقيق العدالة، إذ بدأت محكمة في صنعاء، جلسات محاكمة تسعة متهمين ببيع الدواء الفاسد في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ويقول المحامي عبد المجيد صبرة، لـ"العربي الجديد": "لكل أسرة فقدت طفلها بسبب الدواء الملوث قصة مؤلمة. توفي هشام، ولحقه والده كمداً بعد يومين، وبات العمّ مسؤولاً عن أسرتين مؤلفتين من 11 فرداً، والسبب هو الاستهتار بأرواح الناس. أفرجت الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية عن كثير من شحنات الأدوية المهربة التي كانت محتجزة لدى الجمارك، ومن بينها الدواء الذي تسبب بوفاة الأطفال. أقارب الضحايا نبهوا الأطباء إلى أن الدواء الذي تم استخدامه مختلف عن الجرعات السابقة، لكنهم لم يأخذوا كلامهم بعين الاعتبار وطلبوا منهم استخدامه".
وفي 27 ديسمبر 2022، حذرت منظمة الصحة العالمية من دفعة ملوثة من دواء يستخدم في علاج السرطان وأمراض المناعة الذاتية، وقالت في بيان، إنه "تم العثور على دفعة ملوثة من دواء ميتوتريكسات، بعيار 50 ميليغرام، في اليمن ولبنان، بعد ظهور آثار ضارة على أطفال مرضى يتلقون الدواء".
وفي فبراير/ شباط الماضي، أعلنت الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية إتلاف 15 طناً من الأدوية المهربة، وفق تصريح لمسؤول في الهيئة نقلته وكالة "سبأ" التابعة للحوثيين. ولا يعرف بشكل دقيق عدد الضحايا من المرضى اليمنيين من جراء تلك الأدوية المهربة.
ويتهم الحوثيون التحالف الذي تقوده السعودية بمنع الأدوية عبر الحصار المفروض على الاستيراد. في المقابل، تتهم الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، الحوثيين بتعمد تهريب الأدوية. وفي مقابلة أجراها وزير الصحة اليمني، قاسم بحيبح، في 19 يناير الماضي، اتهم الحوثيين بتهريب الأدوية، مضيفاً أنه "على الرغم من أن الباب مفتوح أمامهم لاستيراد الأدوية الأساسية، لكنهم يلجأون إلى التهريب لتوفير بعض أدوية الأمراض المزمنة والغسيل الكلوي والسرطان".
إلى ذلك، يقول أحد مستوردي الأدوية، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد": "بدأت مشكلة الأدوية في اليمن مع اندلاع الحرب، إذ أوقفت الشركات العالمية التصدير إلى اليمن، وانسحب غالبية الوكلاء من السوق، الأمر الذي فتح المجال أمام التهريب، والسلطات لم تفعل شيئاً لتأمين الدواء، أو إيجاد خيارات بديلة آمنة، وللأسف، لم تقدم أي تسهيلات أو إجراءات مرنة من أجل دعم القطاع الخاص في الاستيراد".
ويلفت إلى أن "غالبية التجار توقفوا عن توفير الأدوية المنقذة للحياة والخاصة بالأمراض المزمنة، مثل أدوية السرطان والفشل الكلوي، واتجهوا إلى الأدوية المربحة لتعويض خسارتهم من جراء الإجراءات التعسفية والجبايات المفروضة عليهم".
بدوره، يقول الصيدلي محمد سراج لـ"العربي الجديد": "عدم توفر الدواء يدفع المرضى إلى شراء ما هو متوفر، وإن كان مجهول المصدر، وربما يكون مغشوشاً، أو لا يحتوي على المواد الأساسية للعلاج. يومياً، يأتي إلينا عشرات المرضى بحثاً عن أدوية غير متوفرة. غالبية تلك الأدوية ليس لها وكلاء في البلاد، وتدخل عبر المهربين، وبعلم السلطات، وقد نفذت الوزارة حملة لمصادرة الأدوية المهربة، لكنها لم توفر الأدوية المطلوبة، لتزداد معاناة المرضى، إذ لا بدائل فعالة لبعض الأدوية، وبالتالي ليس أمام المريض غير انتظار مصيره".
ويوضح سراج أن "دواء بلافيكس على سبيل المثال، الذي يستخدم لعلاج أعراض متلازمة الشريان التاجي الحادة، مثل السكتة الدماغية أو الجلطة الدموية أو مشاكل القلب التي تعقب نوبة قلبية أو مشاكل في الدورة الدموية، غير متوفر في اليمن، ويتم تهريبه من مصر وتركيا والسعودية".
ويعاني اليمنيون من أزمة معيشية متفاقمة، وسوء تغذية حاد، ويحتاج ملايين الأشخاص إلى مساعدات، ولا يستطيعون شراء الدواء حتى إن وجد في الأسواق، ويعتمدون الملايين على الإغاثة التي توفرها المنظمات والهيئات الدولية والمحلية للحصول على العلاج.
ويشكو اليمنيون من ارتفاع أسعار الأدوية باستمرار. يقول أنور الشرجبي، وهو موظف في مستشفى خاص: "الأسعار غير منطقية مقارنة بالدول الأخرى بسبب عدم وجود رقابة حقيقية"، ويضيف لـ"العربي الجديد": "أسعار غالبية الأدوية البديلة أغلى من الأصلية، كما أن أسعار الأدوية المصنعة في اليمن أغلى من المستوردة من مصر ودول أخرى".
وفي 26 فبراير الماضي، دعت منظمة الصحة العالمية المانحين إلى تقديم 392 مليون دولار أميركي لإيصال المساعدات الصحية الأساسية إلى 12.9 مليون يمني، من بينهم 540 ألف طفل دون سن الخامسة، يعانون من سوء التغذية الحاد. وخلال العام الجاري، قال ممثل المنظمة في اليمن، أدهم عبد المنعم: "يحتاج اليمن إلى دعم كبير وعاجل لتجنّب الانهيار الفعلي لنظامه الصحي".
وقالت المنظمة إنها قدمت خلال عام 2022، مجموعة واسعة من الخدمات الحيوية المنقذة للحياة إلى نحو 7.8 ملايين يمني. إلا أنّ مستوى التمويل كان أقل بكثير من مستوى الاحتياجات الصحية العاجلة، وأشارت إلى أن "العنف المستشري، وتدهور الوضع الاقتصادي، وتزايد انعدام الأمن الغذائي، فضلاً عن التفشي المتكرر للأمراض، كلها أسباب أدت إلى انهيار النظام الصحي".
ويحتاج ثلثا السكان (21.6 مليون شخص)، إلى مساعدات إنسانية، ويقدر عدد النازحين داخلياً بنحو 4.5 ملايين شخص، وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 46 في المائة من إجمالي المرافق الصحية تعمل جزئياً بسبب نقص الموظفين، وعدم توفر الموارد المالية، وانقطاع الكهرباء، وندرة الأدوية والإمدادات والمعدات.