[ فتاة ترفع علم الوحدة اليمنية - إرشيف ]
يأتي عيد الوحدة السادس والعشرين، بعد حرب شاملة قادها الحوثيون وأنصار الرئيس المخلوع، طالت المحافظات الجنوبية والشمالية على السواء، سقط خلالها الآلاف بين قتيل وجريح، فيما هدمت آلاف المنازل.
ويرى مراقبون أن فرص بقاء اليمن موحدا تتضاءل من عام لآخر، غير أن هذا العام هو الأسوأ الذي عاشته الوحدة اليمنية على الإطلاق.
ويقول أبناء الجنوب أن الحرب التي شنها الحوثيون هي مناطقية بامتياز، وقد قضت على أي مظاهر للوحدة.
وتنامت مطالب الانفصال منذ فترة، بسبب ممارسات الرئيس المخلوع ونظامه بحق أبناء الجنوب إبان فترة حكمه الطويلة. ويتهم الجنوبيون المخلوع بتهميشهم من الوظيفة العامة، واستباحة أراضي المدن الجنوبية، وحرمانها من المشاريع الخدمية.
وبالرغم من أن معظم المدن الشمالية عانت ذات التهميش والإقصاء، وخرجت جنبا إلى جنب مع المدن الجنوبية، في ثورة عارمة ضد نظام الرئيس المخلوع، متأبطين مظلومية الجنوب بالمقام الأول، إلا أن أصوات الانفصال لم تخفُت، ويحمّل الجنوبيون الشمال كجغرافيا تبعات ما حدث لهم.
ومع حلول ذكرى الوحدة، أحيا اليمنيون في مدن الشمال احتفالات ابتهاجا بالمناسبة، فيما لاقت رفضا واستنكارا في المدن الجنوبية. وكان الجنوبيون قد أعلنوا عن مفاجآت في هذا الموعد لم يفصحوا عنها، غير أن شيئا من هذا لم يحصل. وتحظى المُدن الجنوبية، حاليا، بدعم إماراتي بعد تحريرها من الحوثيين، ضمن عمليات التحالف العربي لدعم الشرعية، والذي تقوده السعودية.
وكانت قوات التحالف العربي قد تمكنت من تحرير المحافظات الجنوبية، بعد أشهر من بدء عمليات عاصفة الحزم، لتكون مدينة عدن عاصمة مؤقتة للبلاد، ومنطلقا لتحرير باقي المحافظات من قبضة الحوثيين، وإنهاء الانقلاب. لكن عودة الحكومة الشرعية إلى عدن لم تدم طويلا بسبب تردي الوضع الأمني، والذي بدا مفتعلا.
وقد بدأت السلطات الأمنية في عدن، الأسبوع الماضي، حملة ترحيل واسعة لشماليين يقطنون العاصمة المؤقتة، والتي لاقت استهجان شعبي واسع، والتي اعتبرها القائمون عليها إجراءات أمنية عادية، ولا تستهدف فئة محددة. لكن محللون اعتبروا هذا الإجراء خطوة باتجاه انفصال وشيك يعد له في الذكرى السادسة والعشرين للوحدة.
في ذات السياق، هنأ ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، هنأ الرئيس هادي بمناسبة ذكرى الوحدة، الأمر الذي اعتُبر كموقف سعودي رسمي من دعوات الانفصال المتزايدة. فيما صدر بيانا لمحافظ عدن متناغما مع توجه الحكومة الشرعية ورئيس الجمهورية.
الوحدة كقيمة سامية
من يحاكم الوحدة ويصب جام غضبه عليها، إنما يحاكم تطلعات الملايين، وتضحيات الآباء والأجداد. وقال "عبد الرقيب الهدياني"، صحفي جنوبي: تبقى الوحدة كقيمة سامية حملتها أجيال، وتغنت بها وحلمت بتحقيقها عقودا من الزمن، وإن كان هناك قصور، خلل، أو أخطاء فتتحمله إدارة الحكم وليس الوحدة. وأضاف الهدياني "للموقع بوست": إن من يحاكم الوحدة، إنما يهين ثورتين مجيدتين في الشمال والجنوب.
وتابع: اعتقد أن الوحدة لا تزال حتى اللحظة مسار حل ومخرج من أزماتنا، وأي مشاريع دونها لن تحقق الاستقرار لليمن بشطريه، ولن تجلب الأمن للمنطقة برمتها، ومن هذا المنطلق رأينا الإقليم والعالم أجمع يتفقون على ضرورة استمرارية الوحدة، وإن بصيغة فيدرالية تحقق الشراكة في السلطة والثروة.
التشظي بيئة خصبة للجماعات المتطرفة
إن بقاء الدولة ضعيفة ومتشظية هي البيئة المُثلى لنشوء جماعات العنف الإرهابية، وتقسيم اليمن سيجعلها عرضة للتجاذبات الإقليمية. وأردف "عبدالرقيب" : لايملك اليمنيون، حاليا، إلا أن يتحدوا، فنحن اليوم أكثر من أي وقت مضى بأمس الحاجة لإدارة يمنية، ودولة قوية تبسط نفوذها على كامل التراب الوطني.
وتابع: وأي تقسيم لن يكون في صالحنا، ولا في صالح المنطقة، بل سيكون مدخلا لتجاذبات خطيرة ساحتها اليمن، وستغرق البلاد في صراعات كارثية، وجميعنا يعلم أنه ما جاء الاختراق الإيراني الا بسبب فجوات كببرة تسبب بها اهتزاز الدولة، وانقسام المجتمع، والذي ولّد الجماعات والحراكات السلالية والمناطقية الإرهابية، وها نحن نعيش الكارثة جراء هذا التشظي الخطير.
واستطرد: أمام كل هذه الحقائق والوقائع، أدرك الخليج الخطر، وجاءت عاصفة الحزم عابرة للحدود والجغرافيا، لتحفظ اليمن الواحد بدولة شرعية قوية، والمجتمع الإقليمي والدولي سيحمي الوحدة، وسيدافع عنها باعتبارها مصلحة له وللشعب اليمني أيضا.
مظلومية الجنوب
يرى الجنوبيون أن الفرصة الآن مواتية لهم لتقرير مصيرهم، بعد الحرب الأخيرة التي قادها الحوثيون وأنصار المخلوع ضدهم. وقال الصحفي "أيمن عصام اليافعي"، صحفي جنوبي أيضا: بسبب "مظلومية أبناء الجنوب" بعد الوحدة والممارسات العبثية والخاطئة التي وقعت خلال الفترة الماضية، منذ قيام الوحدة، خلقت قناعة عند عدد كبير من أبناء الجنوب أن الوحدة السلمية مع الشمال قد تم تقويضها.
وتابع: وبعد أن واصلت مليشيات الحوثي والمخلوع من قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة اجتياحها مدينة عدن العام الماضي، اعتبرها الكثير من الجنوبيين حرباً شمالية على الجنوب، فكانت هذه الحرب بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر الوحدة.
وأردف "اليافعي" في حديث ل "الموقع بوست": يشعر أبناء المحافظات الجنوبية أن فرصة تقرير مصيرهم وفك ارتباطهم بالشمال، أصبحت ملائمة الآن أكثر من أي وقت مضى. فهم يرون أن حرب صيف 1994م وحرب الحوثيين الأخيرة قد أصابت جدار الوحدة بشروخ عميقة، الأمر الذي فاقم نزعة فك الارتباط بالشمال لدى الكثير من الجنوبيين.
إضعاف الشرعية والتحالف
الأمر لا يعني الوحدة أو الانفصال في هذا التوقيت الحرج، بقدر ما يعني إظهار فشل الحكومة الشرعية، والتحالف العربي. وأضاف الصحفي "منصور الفقيه": الحديث عن الانفصال أو خطوات نحوه، هو رسائل سياسية، الغرض منها إضعاف الشرعية والتحالف، في مرحلة خطيرة من معركة استعادة الدولة، سياسيا أو عسكريا.
ويتابع في حديث لموقع "الموقع بوست": هذا التوجه يخدم أطرافا دولية، لا ترى من مصلحتها إنهاء انقلاب الحوثيين، وتسعى لتأسيس دولتهم الإيرانية شمال اليمن- جنوب المملكة السعودية- ضمن مخطط كبير لا يستهدف اليمن وحسب، بل ومنطقة الخليج إجمالا.
مصير الوحدة مرتهن للتحالف
من يقوم برسم خارطة اليمن هي دول التحالف، أما أحزاب وجماعات الداخل، فهي تتبع ما يملى عليها، وقراراتها ليست سيادية. وقال "رضوان فارع"، صحفي مقيم في عدن: بالنسبة ليوم (22 مايو) لن يحدث شيء فيما يخص الوحدة، والتي صارت لا تعني شيء بسبب الأحداث والحروب، والمظالم للكثير من اليمنيين.
وأضاف في تصريح لـ "الموقع بوست": النظام في اليمن سيكون أقاليم أو دولة اتحادية، ولا يوجد خيار ثالث حاليا، فالأمر يتعلق بالتحالف والخارج قبل الداخل، فهم من يقرر ويرسم الخريطة اليمنية، أما الأطراف اليمنية في الداخل، فهي تابعة لأطراف خارجية وقرارتها غير مستقلة.
وأردف: بالنسبة لي، فالوحدة يفترض أن تكون هي العدالة، النظام والخير، بما يتوافق مع مصالح جميع اليمنيين. الوحدة هي التي يشعر كل يمني أنه يعيش في خيراتها، وتتربى الأجيال بعزها وعلمها، ويعم العدل في ظلها، لا وحدة الظلم والإقصاء ومصادرة الحقوق.