سيكون المنتخب المغربي لكرة القدم على موعد جديد مع التاريخ، عندما ينازل بطل العالم فرنسا -اليوم الأربعاء- على أرضية ملعب البيت، في نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر.
ويتطلّع "أسود الأطلس" في مواصلة رحلة "الحلم" وتحقيق إنجاز جديد، يتمثّل في الوصول إلى المباراة النهائية، لأول مرة في تاريخ مشاركات الدول العربية والأفريقية.
واحتفى العالم بإنجاز غير مسبوق في كأس العالم، بعد أن استطاع "أسود الأطلس" بلوغ نصف النهائي، لكن المدرب وليد الركراكي يرفض هذا الاحتفاء ويؤكّد أن طموح فريقه يتجاوز المربع الذهبي، متمسكًا بحلمه في المنافسة -أيضًا- على اللقب.
ولن يكون "الديك" الفرنسي هو الخصم الوحيد لـ"الأسود" في هذا النزال فقط؛ بل شبح الإصابات لا يزال يطارد المنتخب المغربي، بعد أن أُضيف العميد رومان سايس إلى قائمة المصابين، وهو ما يشكّل صداعًا جديدًا في رأس الركراكي، المهدّد بفقدان أسماء عديدة في هذه المواجهة التاريخية.
نزال بحسابات خاصة
إلى جانب ذلك، فإن نزال المغرب وفرنسا لا تطغى عليه النّدّية الرياضية فقط؛ بل إنه يمتد إلى ما هو سياسي -كذلك- بسبب طبيعة العلاقات السياسية التي تربط البلدين، إلى جانب وجود جالية مغربية كبيرة في فرنسا.
إذ يضيف التاريخ الاحتلالي لفرنسا في المغرب إلى المواجهة مزيدًا من الإثارة، بينما يشكّل تشجيع المنتخب العربي فرصة للجاليات المهاجرة المهمّشة في فرنسا للتعبير عن نفسها، والتي خرجت بالفعل إلى الشوارع للاحتفال خلال البطولة.
وفي قطر شجّعت جماهير متحمسة المنتخب المغربي، ولا شك في أن التشجيع الجماهيري يؤدي دورًا في نجاح المنتخب العربي.
تحدي جديد لصنع التاريخ
بالنسبة لأسود الأطلس، وبعد البداية الأسطورية في دور المجموعات، التي حسمها متصدرًا برصيد 7 نقاط، في مجموعة ضمّت كرواتيا وبلجيكا وإخراج منتخب إسبانيا من دور الثمن بضربات الترجيح، ثم البرتغال من دور الربع 1-صفر؛ بات التحدي الجديد لأبطال المنتخب المغربي يتمثّل في عبور عقبة منتخب فرنسا، الذي يحلم بأن يصبح أول فريق يحتفظ بلقب كأس العالم في نسختين متتاليتين، منذ منتخب البرازيل، الذي فاز بالبطولة عامي 1958 بالسويد، و 1962 في تشيلي.
ورغم الإنجاز التاريخي، يبدو الركراكي حريصًا على تحقيق المزيد في هذه النسخة الاستثنائية من المونديال، التي تجرى في الوطن العربي للمرة الأولى.
و قال الركراكي -في اللقاء الصحفي الذي يسبق المباراة- "ما تحقّق هو إنجاز رائع؛ لأن الفريق صنع التاريخ وأصبح واحدًا من أفضل 4 منتخبات في العالم، وهو يمثّل القارة الأفريقية".
وأضاف الركراكي بأنه لدى اللاعبين قناعة الآن بأنهم يرغبون في مواصلة الإنجاز والوصول إلى المباراة النهائية، بل المنافسة بقوة على اللقب، مشيرًا إلى ضرورة تغيير العقليات التي تكتفي بالمشاركات المشرّفة فقط، وعدم التنافس بقوة على الألقاب".
وأثبت المنتخب المغربي أنه يمتلك الشخصية القوية ورباطة الجأش للمضي قُدمًا في البطولة، ليصبح قادرًا على مقارعة عمالقة كرة القدم في العالم، فخلال رحلته في المونديال، حافظ على سجّله خاليًا من الهزائم خلال مبارياته الخمس التي خاضها حتى الآن في المسابقة.
وحقّق منتخب المغرب 3 انتصارات على: بلجيكا وكندا والبرتغال، في حين تعادل دون أهداف مع كرواتيا بدور المجموعات، ثم أمام إسبانيا، وأحرز في تلك المسيرة المظفّرة 5 أهداف، في الوقت الذي سكن شباكه هدف وحيد، جاء عبر "النيران الصديقة"، بعدما سجّل لاعبه نايف أكرد هدفًا عكسيًا خلال مواجهة كندا، ليصبح صاحب أقوى دفاع في المونديال حتى الآن.
الإصابات مصدر القلق الرئيسي
وبعدما تأكّد غياب المهاجم وليد شديرة بداعي الإيقاف -بعد أن حصل على بطاقة حمراء في مباراة البرتغال الأخيرة- فإن الشكوك تحوم بقوة بشأن مشاركة قلبي الدفاع: رومان سايس ونايف أكرد في مواجهة فرنسا بسبب الإصابة، وكذلك نصير مزراوي، الذي غاب عن مواجهة البرتغال للإصابة أيضًا.
ولم يشارك نايف أكرد في آخر حصة تدريبية لـ"أسود الأطلس" قبل مواجهة فرنسا، بينما اكتفى رومان سايس ومزراوي بحصص خفيفة.
ومن المرتقب أن يعتمد الركراكي على جواد الياميق في خط الدفاع، في حال تأكّد غياب نايف أكرد، وقد يكون لاعب الوداد السابق أشرف داري بديلًا مرتقبًا لرومان سايس، إذا تأكد غيابه هو الآخر عن هذه المواجهة.
وقد أقرّ الركراكي بمعاناة فريقه من لعنة الإصابات، لكنه أكّد أن "المعاناة كانت منذ بداية البطولة، والجميع هنا مستعد للقيام بدوره في حال تم المناداة عليه للدخول للملعب".
فرنسا وقوتها الضاربة
رغم غياب العديد من النجوم عن المنتخب الفرنسي قبل انطلاق البطولة بسبب الإصابة؛ مثل: كريم بنزيمة ونغولو كانتي وبول بوغبا، فإن الفريق شقّ طريقه بنجاح نحو المربع الذهبي بكأس العالم للمرة السابعة، ليتطلع الآن للظهور في المباراة النهائية للمرة الرابعة.
وتمكّن الثلاثي: كيليان مبابي وأوليفيه جيرو وأنطوان غريزمان من ملء هذا الفراغ، حيث يقدّم الثلاثي أداءً استثنائيًا في المونديال حتى الآن، إذ تصدّر مبابي قائمة هدافي النسخة الحالية للبطولة قبل انطلاق الدور قبل النهائي برصيد 5 أهداف، متفوقا بفارق هدف على زميله جيرو.
وعلى عكس منتخب المغرب، الذي يتميز بتنظيمه الدفاعي الجيد، يعاني منتخب فرنسا من بعض الهشاشة الدفاعية، حيث تلقّى الفريق 5 أهداف خلال حملته في البطولة الحالية.
وعجز منتخب فرنسا عن الحفاظ على نظافة شباكه خلال لقاءاته الخمسة في المونديال القطري حتى الآن، وهو ما يثير قلق نجم الفريق رافاييل فاران، الذي دعا زملاءه لعدم التهاون أمام منتخب المغرب.
الخوف من الوقوع في "الفخ"
هذا ما شدّد عليه فاران في آخر ظهوره الإعلامي، والذي قال فيه إنه يتعيّن على فريقه "عدم الوقوع في فخ التفكير بأنه حصل على مكان مضمون في المباراة النهائية".
وأضاف "إذا كان منتخب المغرب قد صعد إلى الدور قبل النهائي، فهذا ليس بسبب الحظ. إنهم يدافعون جيدًا، وستكون المباراة صعبة حقًا أمامهم".
وتابع قائلًا "الأمر متروك لنا، مع لاعبينا الذين يمتلكون الخبرة، للمضي قدمًا، سينبغي لنا القتال بقوة، ولن نعتقد أن الأمر سهل".
من جانبه اتفق ديشامب في الرأي مع لاعبه، حيث قال إن وصول منتخب المغرب إلى الدور قبل النهائي لم يكن مفاجأة في ظلّ ما قدّمه أمام جميع المنتخبات القوية التي واجهها في البطولة حتى الآن.
وقال ديشامب -الذي تولّى تدريب منتخب فرنسا منذ عام 2012 وقاده للفوز بالمونديال الماضي قبل 4 أعوام ودوري الأمم الأوروبية العام الماضي- إن "منتخب المغرب يستحق المشاركة في هذه المرحلة من كأس العالم، وستكون لديهم الفرصة للتأهل للنهائي. يتعيّن علينا احترام جميع المنافسين".
وعلى غرار المنتخب المغربي، يخشى منتخب فرنسا من غياب الثنائي أدريان رابيو ودايو أوباميكانو، اللذين غابا عن تدريبات الفريق الأخيرة استعدادًا للمواجهة المرتقبة.
من أجل الفوز الأول لـ"الأسود"
رغم أن المنتخبين الفرنسي والمغربي سبق أن التقيا في 7 مباريات من قبل، لكنها ستكون المواجهة الأولى بينهما في كأس العالم.
خلال اللقاءات السابقة، حقّق منتخب فرنسا 5 انتصارات، وفرض التعادل نفسه على لقائين، في حين لا يزال المنتخب المغربي يبحث عن انتصاره الأول على منتخب "الديوك".
بينما ترجع آخر مواجهة بين المنتخبين إلى 16نوفمبر/تشرين الثاني 2007، حين تعادلا 2-2 وديًا.
يُشار إلى أن هذه المواجهة سيديرها الحكم المكسيكي سيزار أرتورو راموس، الذي يعدّ فأل خير للمنتخبات العربية في هذا المونديال؛ إذ ستكون هذه هي المباراة الثانية التي يديرها راموس لمنتخب المغرب في المونديال الحالي، بعدما أدار لقاء الفريق ضد منتخب بلجيكا 2-صفر، علمًا أنه أدار -أيضًا- لقاء تونس ضد الدانمارك في مرحلة المجموعات، الذي انتهى بالتعادل دون أهداف.