[ من تشييع قتيل حوثي في 5 ديسمبر (محمد حمود/Getty) ]
تصاعدت التهديدات المتبادلة بين الأطراف اليمنية في الفترة الأخيرة، بتصعيد القتال والمواجهة العسكرية، في الوقت الذي تدور فيه اشتباكات متقطعة في عدد من الجبهات، بعد أكثر من شهرين على انتهاء الهدنة الأممية، وفشل الجهود الدبلوماسية في تجديدها.
وهددت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) بأن الخيارات مفتوحة أمامها بما فيها الخيار العسكري لمواجهة ما سمتها "الحرب الاقتصادية"، في الوقت الذي استطاعت فيه منع تصدير النفط الخام من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، عبر هجمات بالطائرات المُسيّرة استهدفت موانئ بمحافظتي شبوة وحضرموت (شرق اليمن).
وأعلن نائب رئيس حكومة الحوثيين في صنعاء (غير معترف بها) جلال الرويشان، الخميس الماضي، أن "الخيارات مفتوحة في مواجهة التحالف (الذي تقوده السعودية) الذي يحاول فرض حالة اللاسلم واللاحرب"، وأن "الخيار العسكري قائم لكسر الحرب الاقتصادية"، وفق ما نقلت وسائل إعلام الحوثيين عنه.
وجاء ذلك بعد يوم من تهديد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، بقوله: "إذا اتجهت الأوضاع من جديد إلى التصعيد، على المستوى الاقتصادي أو العسكري، فإننا معنيون كما كنا في كل المراحل، وموقفنا في قوة وفاعلية أكبر"، بحسب ما نقلت وكالة "سبأ" الحوثية عن خطابه بمناسبة "يوم الشهيد"، الأربعاء الماضي.
وقال: "الأعداء في هذه المرحلة يحاولون أن يضعونا بين خيارات غير منصفة وغير عادلة، لا يمكن أن نقبل بها على الإطلاق، لذلك إذا عادوا إلى التصعيد فنحن جاهزون للتصدي، والتحرك بما هو أكبر من كل المراحل الماضية".
تصعيد القتال في اليمن
ودارت مواجهات واشتباكات عسكرية متقطعة وهجمات في عدد من جبهات القتال خلال الأسابيع الماضية، وتركزت في محافظات مأرب وتعز والضالع والحديدة، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.
وتنوعت تلك الهجمات بين قصف مدفعي، وهجمات بالطائرات المُسيّرة، بالإضافة إلى اشتباكات في خطوط التماس المباشرة، في محاولة تحقيق اختراق ميداني، وفق ما أفادت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد".
وعاودت جماعة الحوثي عمليات التشييع اليومي لقتلاها في العاصمة اليمنية صنعاء خلال الأيام الماضية، بعد أن شهدت توقفاً خلال ستة أشهر من الهدنة المنتهية في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في حين لا تذكر وسائل إعلام الحوثيين الرسمية أنها تخوض معارك في الجبهات.
ووفق رصد "العربي الجديد"، شيّعت جماعة الحوثي 64 قتيلاً من مقاتليها منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بناء على الأخبار التي تنشرها وكالة "سبأ" بالنسخة الحوثية في صنعاء، التي لا تذكر تفاصيل المعارك التي قُتلوا فيها أو حتى الجبهات، وتكتفي بالإشارة إلى أنهم قُتلوا في "معركة الدفاع عن الوطن، وسيتم نقلهم للدفن كلّ في مسقط رأسه".
وعلى الرغم من ذلك، لم تشهد الحرب في اليمن حالة تصعيد كبيرة كما كانت قبل إعلان الهدنة المنتهية في 2 إبريل/نيسان الماضي، في هجمات واسعة سواء على مستوى الجبهات في المحافظات اليمنية، أو الضربات الجوية المتبادلة بين الحوثيين وتحالف السعودية والإمارات، وما زال هناك التزام شبه كامل ببنود الهدنة المنتهية.
ويواصل الحوثيون منع تصدير النفط اليمني الخام، عبر شن هجمات بالطائرات المسيّرة على سفن الشحن، وكان آخر هجوم في 21 نوفمبر الماضي، والذي تبنّته الجماعة. وقال المتحدث العسكري للحوثيين يحيى سريع إن قواتهم "فرضت معادلة حماية الثروة السيادية من النفط والغاز وأثبتت قوة الردع".
وتعد تلك الهجمات امتداداً لتهديدات الحوثيين بعد فشل تمديد الهدنة، إذ يطالبون بصرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم من عائدات النفط في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وتقاسم تلك الإيرادات، ضمن شروطهم للقبول بتجديد تمديد الهدنة المنتهية.
في المقابل، أعلنت الحكومة اليمنية تصنيف الحوثيين "جماعة إرهابية"، وأقرّت عدداً من الإجراءات لتنفيذ ذلك التصنيف، في محاولة للرد على استمرار هجمات الحوثيين ومنع تصدير النفط، الذي حرم الحكومة من عائدات كبيرة كان من الممكن جنيها مع ارتفاع أسعار الطاقة في العالم خلال الأشهر الماضية.
وناقشت الحكومة اليمنية، أول من أمس الاثنين، في اجتماعها بعدن، استمرار هجمات وتهديدات الحوثيين في استهداف الملاحة الدولية، واعتبرت ذلك "قطع الطريق على كل جهود السلام، وتبديد أي وهم بإمكانية الوصول إلى حل من دون تغيير الحقائق في الأرض"، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" الرسمية.
وقال رئيس الحكومة معين عبد الملك إن "الدولة والحكومة ستعمل كل ما يلزم لردع الاعتداءات الحوثية على تصدير النفط"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر يتعلق بمعيشة وحياة الشعب اليمني ومقدراته الوطنية ولا يمكن التهاون في ذلك أو قبول أنصاف الحلول".
وعلى الرغم من التحركات الدبلوماسية الأممية والأميركية خلال الأسابيع الماضية منذ انتهاء الهدنة، للقاء الأطراف اليمنية، إلا أنها لم تسفر عن أي نتيجة إلى حد الآن، في ظل اتهامات لجماعة الحوثي برفض الهدنة في ظل عدم تنفيذ شروطهم.
وقال المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ الأحد الماضي، في كلمة لتجمّع نسوي في عدن: "على الرغم من انتهاء الهدنة، فإننا نعمل بلا هوادة لتجديد الهدنة وتوسيعها، وتحديد الخيارات للمسار نحو تسوية أكثر شمولاً للصراع". وأضاف: "أنا على اتصال دائم بجميع الأطراف لإيجاد حلول عاجلة تضع اليمن على طريق السلام العادل والمستدام".
من جهته، اعتبر عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي علي القحوم، أن "الضامن الوحيد لعودة الهدنة هو أن تنفذ مطالب الشعب وحقوقه التي ستفتح آفاق السلام ولا سبيل لتحقيق ذلك بالمراوغة"، في إشارة إلى شروط الحوثيين.
وقال في تغريدات بحسابه في "تويتر"، مخاطباً التحالف ومهدداً: "لا تراهنوا على عامل الوقت ولا تعولوا على تحركات المبعوثين التضليلية (الأممي والأميركي) فالمعادلات متغيرة والواقع مختلف، فإما تلبية كافة المطالب بشكل جاد وعاجل وإلا فالخيارات مفتوحة على كل الأصعدة".
رسائل التصعيد
وقال الباحث اليمني في مركز "كارنيغي" أحمد ناجي إن "تهديدات التصعيد تتزامن مع المحادثات، المباشرة وغير المباشرة، بين جماعة الحوثيين والسعودية، وتأتي كرسالة عسكرية وسياسية للحصول على مكاسب أفضل في هذه المحادثات".
وأضاف ناجي في حديث مع "العربي الجديد": "أدت الضربات التي نفذها الحوثيون على موانئ النفط إلى توقف التصدير، وبالتالي وضع المجلس الرئاسي في مأزق اقتصادي جديد. وهذه النتيجة جعلت الحوثيين يربطون إعادة تصدير النفط وتوقف الضربات بتقاسم الموارد الاقتصادية وحصولهم على حصة منها".
وتابع: "في ظل هذا المشهد، تتقلص الخيارات أمام الأطراف اليمنية، فإما التوصل إلى صيغة تفاهمات حول الملف الاقتصادي، وهو ما يبدو صعب التحقق، أو الذهاب إلى تصعيد عسكري محلي يعيد تشكيل المشهد بصورة مختلفة".
من جهته، رأى الباحث العسكري علي الذهب، أن "الأزمة برمتها محكومة في الوقت الراهن بالرباعية الدولية في اليمن (السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا)، بعد إصرار الحوثيين والحكومة اليمنية على عدم الوصول إلى نقاط التقاء، حول المطالب التي يضعونها من أجل تجديد الهدنة".
وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن "الحل بيد الأطراف الدولية بما لديها من قنوات تواصل مع الحوثيين، سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق وسطاء أو بالتواصل مع إيران باعتبارها الدعم الرئيسي للحوثيين، أما بالنسبة للحكومة اليمنية فهي في قبضة التحالف".
واعتبر الذهب أنه "في حال تصلّبت مواقف الحوثيين، فقد تُستأنف الحرب من جديد، لأنه لا تزال هناك ملفات كبيرة متحكمة فيها وتشجع على عودتها مجدداً، بما في ذلك الاتفاق النووي الإيراني"، لافتاً إلى "أن هناك خيارات للحكومة لمواجهة الحوثي ومنها اتفاق أُعلن أخيراً مع الإمارات"، في إشارة إلى "اتفاقية للتعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب"، التي وقّعها الطرفان الخميس الماضي.
وأشار الباحث العسكري إلى "أن التدابير الحالية للحكومة اليمنية في الرد على هجمات الحوثيين محدودة في فرض العقوبات على الشركات والأشخاص الذين يتعاملون مع الحوثي، وستواجه بإجراءات مماثلة من قبل الحوثيين، وهذا سيعقّد الأزمة وسيؤثر على حركة النشاط التجاري".