[ الظلام يسيطر على شوارع اليمن (فرانس برس) ]
تتصدر الكهرباء قائمة القطاعات الخدمية والاقتصادية في اليمن التي تمكن تجار الحرب في عموم مدن ومناطق البلاد من اختراقها والتسلل إليها. ويُعتبر القطاع حالياً تحت سيطرة الفساد بعدما تخلت الدولة عن دورها الناظم، ليكون واحداً من مصادر الإثراء والتكسب غير المشروع في مقابل تقديم خدمة رديئة بتكلفة عالية.
وتعرضت شبكة الطاقة اليمنية لتدهور شديد بسبب سنوات الحرب وما أعقبها من فشل في صيانة البنية التحتية، مع استمرار المتاجرة بمحطات الكهرباء العامة في مناطق الحوثيين، وتوسع ثقب الدعم الأسود في ابتلاع مئات الملايين من الدولارات لتغذية محطات متهالكة في مناطق الحكومة اليمنية.
وارتفعت تحذيرات صندوق النقد الدولي منذ منتصف العام الحالي 2022، من الاختلالات الاقتصادية في اليمن ومساهمتها في تبديد الموارد العامة، وسط مطالبة الحكومة اليمنية أكثر من ثلاث مرات في الأشهر الثلاثة الماضية بضرورة مراجعة الدعم المقدم للكهرباء لترسيخ مكاسب الإصلاحات الاقتصادية وتحسين المالية العامة.
في السياق، يؤكد عبد الغفار مصلح، وهو خبير فني في الشبكة الكهربائية العمومية، لـ"العربي الجديد"، أن هناك مجموعة من أصحاب النفوذ وتجار الحرب تكونت حول محطات الطاقة الكهربائية العامة في عدن ومناطق جنوب اليمن لاستغلال الدعم المقدم لشراء الوقود لتشغيلها، والذي اعتمد بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية على جزء كبير من عائدات النفط التي تقوم الحكومة اليمنية ببيعه وتحصيل عائداته، أو على المنح المقدمة من المملكة العربية السعودية لتشغيل محطات الكهرباء في المناطق الحكومية والتي لم تخلُ هي كذلك من الاستغلال والهدر والتبديد.
ويوضح أن شركات توليد الطاقة التي تكاثرت بشكل كبير خلال الأعوام الثلاثة الماضية لعبت دوراً كبيراً في تبديد موارد مالية ضخمة لشراء الطاقة، كما أن محطات الكهرباء العامة في عدن وأبين ولحج وإلى حد ما شبوة وحضرموت، عبارة عن منشآت متهالكة وغير صالحة للاستخدام وتحتاج إلى مبالغ ضخمة لإصلاحها، لذا، يعتبر مصلح، أنه في ظل هذه الوضعية تتسبب هذه المحطات بالتهام أموال طائلة موجهة لقطاع الكهرباء، في حين لا يلمس المواطنون أي تحسن في خدمة الكهرباء.
نفقات ضخمة
اطلعت "العربي الجديد"، على وثائق وتقارير اقتصادية، تؤكد أن اليمن ينفق أكثر من 3 ملايين دولار يومياً لاستيراد الوقود وتوليد الكهرباء، لكنه لا يولد سوى جزء ضئيل من الطاقة التي يحتاجها السكان والمؤسسات الخدمية والتجارية لتكون منتجة بالكامل.
وتشرح المصادر أن سلاسل إمداد الطاقة يتم استقطابها من قبل مستغلي الحرب، الأمر الذي يؤدي إلى تسببهم في بقاء رصيد فاتورة استيراد الوقود كمديونية على اليمن، مما يخفض من قيمة العملة ويرفع تكلفة المعيشة بشكل يفوق إمكانيات معظم اليمنيين.
ويُعتبر قطاع الصناعة في اليمن أحد أبرز القطاعات الاقتصادية المتضررة من وضعية الكهرباء المتردية في البلاد، وما ألحق به من خسائر فادحة تتكبدها المصانع العاملة في اليمن وتعثر الكثير منها بسبب التكاليف الباهظة التي تتحملها في عملية التشغيل والإنتاج.
رئيس لجنة الصناعة في الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية أنور جار الله، يشير في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن تكاليف الحصول على الطاقة من أبرز العوائق التي واجهها القطاع الصناعي والقطاع الخاص والاستثمار بشكل عام في اليمن، مما عرقل تطور الصناعة في البلاد واقتصارها على المشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ويكشف جار الله عن مشكلة مهمة في هذا الجانب، تتمثل في لجوء عدة شركات للحصول على الطاقة بكمية أكبر عن طريق محطات التوليد بالديزل أو بالفحم، ولكن تكاليف ذلك بالإضافة إلى أزمات الديزل المتكررة تسببت في ارتفاع أسعارها إلى مستويات عالية، الأمر الذي أدى إلى توقف كثير من المصانع في اليمن لعدم قدرتها على المنافسة خصوصا مع انخفاض أسعار المستورد.
مشكلة مستمرة
ويشرح جار الله، أن ما تنتجه محطات الدولة في اليمن خلال سنوات الحرب والحصار لا يتعدى 90 ميغاواطا، في حين كان يصل إنتاجها قبل الحرب نحو 220 ميغاواطا، والتي بدورها تستخدم في تغذية معظم المدن اليمنية، في حين هذه الكمية بحسب قوله تغذي مقارنة بدول أخرى فقط أحياء في مدينة واحدة.
وفي الوقت الذي تستورد فيه اليمن ما قيمته 3.3 ملايين دولار من الوقود يوميا لتوليد 1 غيغاوات من الطاقة، يقدر إجمالي الطلب بـ 14 غيغاواطا، في حين يرجح أن يصل إلى نحو 19 غيغاواطا في عام 2030.
وحسب رئيس لجنة الصناعة في الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية، فإن إهمال موضوع توفير الطاقة الكهربائية بكميات كبيرة منذ عقود يدل على عدم الاهتمام واستشراء الفساد الذي أصاب هذا القطاع الهام ولو أن المبالغ التي صرفت طوال هذه السنوات استغلت في تنفيذ محطات كبيرة لاستطاع اليمن تغطية احتياجاته من الكهرباء لعقود قادمة.
ويؤكد خبراء في مجال الطاقة أن خفض واردات الوقود من شأنه أن يقلل الضغط المتزايد على أسعار المواد الغذائية، كما سيخلق التحول إلى الطاقة المتجددة عدداً كبير جداً من الوظائف في قطاع الطاقة والقطاعات المتصلة.
معاناة قديمة جديدة
ويرى المحلل الاقتصادي حمود سالم، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن هناك فئة محدودة للغاية من النافذين استغلت قطاع الكهرباء في اليمن للتكسب غير المشروع، إذ كونت ثروات طائلة مقابل تعميم الظلام على اليمنيين والفقر والجوع.
ولا يختلف الحال، بحسب حديثه، في مأرب التي تستخدم المحطة الغازية، وأيضا في صنعاء التي تشكل الكهرباء موردا رئيسا لسلطتها الحاكمة التي قامت ببيع أو تأجير محطات الكهرباء العامة لتجار من نفس الدائرة المحيطة بها وتقديم الخدمة بمبالغ طائلة ومكلفة، إضافة إلى نمو قنوات متعددة من الأموال المتدفقة عن طريق العمولات والبنود المستحدثة في قوائم الاتفاقيات بين الأطراف المعنية.
وحتى قبل الحرب، لم يغطِّ قطاع الكهرباء في اليمن سوى 40 في المائة من الطلب، وبشكل رئيس ومحدود في المناطق الحضرية، إضافة إلى أن أكثر من 15 مليون يمني في المناطق الريفية لم يتم توصيلهم بشبكة الكهرباء على الإطلاق.
ويعاني اليمنيون حاليا من انقطاع التيار الكهربائي بما متوسطه 14 ساعة في اليوم، في حين قامت منشآت الطاقة الشمسية المستقلة عن الشبكة الوطنية في اليمن بتوليد أكثر من 0.5 غيغاوات من الكهرباء في عام 2021، وهذا يشكل بالفعل 50 في المائة مما هو متاح في أفضل الأحوال مما يتبقى من الشبكة الوطنية.