[ صيادون يمنيون - ارشيفية ]
باتت أرزاق الصيادين اليمنيين مهددة، مع تعاظم المخاوف من تسمم المياه، ليس فقط في الساحل الغربي لليمن، حيث تقبع ناقلة صافر، التي حركت الأمم المتحدة ومنظمات البيئة العالمية للتحذير من مخاطرها، وإنما السواحل الجنوبية حيث ميناء عدن ومياه حضرموت التي تعج بالناقلات المتهالكة والمتوقفة منذ نحو عشر سنوات.
ويهدد وضع هذه الناقلات أرزاق الصيادين، إذ تضرب ما تبقى من أنشطة اقتصادية ومصادر الغذاء في البلد الذي ينهشه الفقر بسبب انهيار البنية التحتية للبلاد وتهالك كل شيء بفعل سنوات الحرب، بينما تسبب التدمير الذي لحق بقطاع الأسماك بالأساس على مدار السنوات الماضية في تردي الإنتاج السمكي وتضرر عدد كبير من الصيادين وارتفاع مستويات البطالة بصورة تفوق القدرات الحكومية على مواجهتها.
وتتوقف أكثر من 10 سفن نفط في ميناء عدن منذ عام 2013، لتتصاعد التحذيرات الأممية خلال الفترة الأخيرة من العواقب الوخيمة حال تسرب النفط، مما سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية الحادة، أصلاً، في اليمن ومنع ملايين الأشخاص من الحصول على الغذاء والسلع الأساسية الأخرى، إلى جانب الإضرار بشدة بالنظم البيئية للبحر، التي يعتمد عليها 30 مليون شخص، في جميع أنحاء المنطقة.
ولم تتوار أزمة ناقلة صافر تماماً حتى الآن، رغم إعلان الأمم المتحدة في مارس/ آذار الماضي عن توقيع مذكرة تفاهم مع جماعة الحوثي بشأن تفريغ الناقلة المتعطلة منذ سبع سنوات وتحوي حوالي 1.1 مليون برميل، إذ يشير مسؤولون في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً إلى وجود غموض حول مصير تفريغ الناقلة حتى الآن، وإلى وصفها من قبل مسؤولين في الأمم المتحدة بأنها "قنبلة البحر الأحمر".
وفي هذه الأثناء أطلت تحذيرات من أزمة أكثر كارثية في مياه الجنوب، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء، مع ما يحمله من اشتداد تيار المياه الذي يهدد بتسرب النفط من الناقلات العشر المتوقفة في ميناء عدن وسواحل حضرموت.
ويرى خبراء اقتصاد أن الإعلان عن التوصل إلى اتفاق حول تفريغ ناقلة صافر جاء في خضم ضغوط لاستفادة الأسواق العالمية من حمولتها في ظل تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على سوق النفط، بينما ليس هناك اهتمام حقيقي بالوضع الكارثي الذي يعيشه اليمن.
يقول المحلل الاقتصادي اليمني فيصل ثابث، لـ"العربي الجديد"، إن "صفقة صافر قد يكون جرى إبرامها بين مختلف الأطراف بضغط دولي للتصرف بكمية النفط الخام الذي تحمله هذه الناقلة"، مضيفاً أن "الكمية التي تحويها الناقلة تسيل لعاب أطراف الصراع في اليمن التي تسعى للاستحواذ على هذه الكمية من النفط الخام والإشراف على عملية تسويقها وبيعها لعوائدها التي قد تكون مجزية بالنظر إلى المدة الزمنية والفوارق الكبيرة في أسعار النفط وقت توقف الناقلة في ميناء رأس عيسى لتصدير النفط عام 2015، والأسعار الحالية في عام 2022".
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول الماضي عن تلقي تعهدات والتزامات كافية لإطلاق عملية طارئة لإنقاذ ناقلة النفط صافر، ساهمت فيها 17 دولة، إضافة إلى القطاع الخاص والمؤسسات. وسبق ذلك إطلاق حملة تبرعات بدعم من الحكومة الهولندية في مايو/ أيار، لتمويل خطة تم تقسيمها إلى مرحلتين، مرحلة فورية للنقل الأولي للنفط إلى سفينة أخرى والمرحلة الثانية تعتمد على توفير حل تخزين دائم لذلك النفط إذا ما سمح الوضع السياسي بذلك أو نقله إلى مكان آخر.
ويوضح الخبير في علوم البحار ناصر مكرد، لـ"العربي الجديد"، أن عملية الإنقاذ للناقلة صافر تأخرت كثيراً، بعد أن تعرض جزء كبير من الناقلة للتحلل وتعقيد عملية إصلاحها، ووصول الأمر إلى مراحل إنقاذها وفق الخطة الأممية المعدة في هذا الصدد والتي لا توفر ضمانات كافية لعدم تعرض الناقلة لخطر انسكاب النفط.
ويزداد القلق المحلي والدولي مع كل حلول لفصل الشتاء، إذ يصبح التيار أكثر نشاطاً في هذه الفترة، الأمر الذي يحمل مخاطر كبرى للسفن الراسية قبالة خليج عدن أيضاً. يشير ميثاق مصطفى، عضو جمعية متخصصة في اصطياد وتسويق الأسماك، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، إلى مخاطر مماثلة تشهدها سواحل عدن وحضرموت وغيرها من المناطق الساحلية جنوب اليمن.
ويلفت مصطفى إلى التلوث البيئي في سواحل عدن والتغيرات المناخية والتيارات الهوائية والفيضانات التي برزت خلال السنوات الماضية وما أفرزته الحرب من تبعات، كان لها أثر بالغ في هجرة الأسماك وتراجع الاصطياد السمكي والذي ينعكس في انخفاض المعروض في الأسواق المحلية وارتفاع أسعار الأسماك بشكل كبير يزيد على 800% مقارنة بالأسعار التي كانت متداولة قبل عام 2015.
ووافق البنك الدولي منتصف العام الحالي على تقديم منحة لليمن بقيمة 45 مليون دولار لمساندة الإدارة المستدامة لمصائد الأسماك في البحر الأحمر وخليج عدن. وتهدف المنحة إلى تعزيز الفرص الاقتصادية في اليمن، وتحسين الأمن الغذائي، والمساعدة في إدارة إنتاج مصائد الأسماك، فضلاً عن تدعيم آليات الإدارة التعاونية الإقليمية لمصائد الأسماك في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن.
كذلك يسعى المشروع إلى تنشيط قطاع مصائد الأسماك وإدارته بمزيد من الفاعلية في مناطق مختارة في اليمن، وزيادة توفر الغذاء وإتاحة فرص كسب العيش للأسر اليمنية المشاركة في سلسلة القيمة السمكية.
ويبلغ طول الساحل اليمني 2520 كيلومتراً، وتوفر موارده السمكية الوفيرة سبل كسب العيش والتغذية لسكان الساحل. وقبل نشوب الصراع، كان اليمن منتجاً رئيسياً للأسماك، إذ وجد أكثر من 350 نوعاً من الأسماك وغيرها من الأحياء البحرية في مياهه الإقليمية، بينها 65 نوعاً مهماً تجارياً.
وبلغ إجمالي المصيد من الأسماك حوالي 160 ألف طن في عام 2015، معظمها من صيد الأسماك الحرفي. لكن الصراع تسبب في أضرار شديدة للقطاع الحيوي.
وبينما تركزت الأضواء كثيراً على ناقلة صافر، لم تحظ السفن المتهالكة الراسية قبالة السواحل الجنوبية بنفس الاهتمام رغم التحذير الذي أطلقه وزير المياه والبيئة في الحكومة اليمنية توفيق الشرجبي، من مخاطر هذه السفن في عدن، خلال ورشة عمل حول التنمية والتكيف مع التغييرات المناخية عقدت في مارس/ آذار الماضي، وفق وكالة الأنباء الرسمية "سبأ" حينها.
وشدد الشرجبي على ضرورة إخراج السفن المتهالكة من ميناء عدن ومحيطه بشكل عاجل والعمل على تفكيكها، مشيراً إلى أن "استمرار بقاء السفن في الميناء منذ ما قبل عام 2015 دون أن تخضع لأي عمليات صيانة أو تفريغ للمواد النفطية المخزنة في صهاريجها ومحركاتها يشكل مصدر تهديد بيئي خطير قد يؤدي إلى تدمير الموائل البحرية في خليج عدن وإعاقة حركة الملاحة في حال غرق هذه السفن المتهالكة أو بعضها".
وأشار الوزير إلى الكارثة البيئية التي أحدثها جنوح ناقلة النفط "شامبيون" في ميناء المشراق بالمكلا عام 2013، لافتاً كذلك إلى أن "حطام السفينة المتهالكة ضياء (1) لم ينتشل من منطقة رمي المخطاف في ميناء عدن منذ غرقها في عام 2021".
بدوره، ويؤكد الأكاديمي المتخصص في علوم البيئة البحرية في جامعة الحديدة هاني العمدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الناقلة صافر وحدها تسببت في عزل ما نسبته 20% من مواقع الاصطياد في سواحل البحر الأحمر في الحديدة وهو ما أدى إلى تراجع نسبي في عملية اصطياد الأسماك وتراجع دخل نسبة كبيرة من الصيادين، إضافة إلى الخطر الذي شكلته هذه الناقلة على ميناء الصليف القريب من رأس عيسى والذي يعتبر ميناء رئيسياً لتجار الأسماك والمصدرين والمستوردين.
وتقدّر خسائر القطاع السمكي في اليمن بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد وما تشهده من تغيرات مناخية واسعة وأضرار في النظم البيئية والبحرية بنحو 6.4 مليارات دولار تشمل أيضاً ما رافق كل ذلك من تدمير وتوقف عدد كبير من المنشآت والأنشطة العاملة في الاصطياد السمكي.