بعد مدة وجيزة لم تتجاوز أشهراً منذ تشكيله اتسعت هوة الخلافات الداخلية في المجلس الرئاسي اليمني، حيث تزداد المؤشرات على تفاقم الخلافات بين قيادات المجلس خصوصاً عقب التطورات الأخيرة جنوب اليمن.
وبين عزوف أعضاء فيه عن حضور اجتماعاته، وغضبهم من استمرار المعادلة الأمنية والعسكرية في مدينة عدن جنوباً لصالح الانفصاليين المدعومين من الإمارات، وبين اعتكاف رئيسه الذي غادر عدن واستقر حالياً في السعودية، يعيش اليمن وسط أزمات ونكبات كبيرة.
وتبدو السعودية، قائدة التحالف العربي وراعية المجلس الرئاسي، هي الأكثر مسؤولية أمام الرأي العام، وهو ما يجعلها حالياً أمام مهمة عصيبة للحد من توسع الخلافات داخل المجلس التي قد تعصف به وتجعله في وضع محرج، مقابل تماسك الحوثيين الذين يحظون بمحاباة من قبل المجتمع الدولي.
خلافات واسعة
مع مرور 5 أشهر على تشكيل المجلس الرئاسي اليمني في أبريل الماضي، لم تقر حتى الآن آلية تنظم عمل أعضائه وتحدد لكل منهم صلاحياته، وهو ما عمق الأزمة الداخلية بين أعضائه، وأبقاهم رهائن سلطة الأمر الواقع التابعة للمجلس الانتقالي، وزعيمه، عيدروس الزبيدي، الذي يتصرف داخل المجلس كرئيس لا عضو.
ويبدو أن مسألة صلاحيات رئيس المجلس رشاد العليمي ونوابه تمثل إحدى مسببات الخلافات التي برزت مؤخراً؛ فما إن تشكل مجلس القيادة الرئاسي وعاد لممارسة مهامه في عدن حتى اتضحت ملامح سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً عليه، ومحاولة تجييره لمصلحة أجنداته الخاصة.
ومنذ نحو 20 يوماً على مغادرته عدن متوجهاً إلى أبوظبي ثم الرياض، يعتكف "العليمي" في السعودية وسط غياب كلي لقيادات المجلس الرئاسي، باستثناء الزبيدي، الذي يعقد لقاءات واجتماعات وكأنه الممثل الوحيد للمجلس.
وفي المقابل ومنذ أكثر من شهرين يقيم سلطان العرادة، محافظ محافظة مأرب، في مأرب، فيما استقر طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، في مدينة المخا الساحلية بمحافظة تعز، وعضو المجلس عبد الله العليمي في السعودية، وفرج البحسني يتنقل بين الرياض والمكلا، في حين غادر عثمان المجلس إلى تركيا.
شبوة وأبين تفجر الخلافات
تضرب الخلافات مجلس القيادة الرئاسي منذ أحداث شبوة الأخيرة عندما هاجمت قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، ألوية العمالقة و"دفاع شبوة" (النخبة الشبوانية سابقاً)، قوات من الجيش والأمن تابعة للشرعية في أغسطس الماضي، ولم تتمكن قوات "الانتقالي" من حسم المعركة لمصلحتها إلا بعد شن مسيّرات، قالت مصادر عسكرية يومها إنها إماراتية، غارات على مواقع قوات الجيش والأمن.
كما لم تستغرق "القوات المسلحة الجنوبية" التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بالانفصال، سوى ساعات لبسط سيطرتها على محافظة أبين، شرقي العاصمة المؤقتة عدن، جنوب اليمن، بعدما اختارت الأجهزة العسكرية والأمنية تسليم المدينة من دون قتال.
ويبدو واضحاً أن "الانتقالي" يستعجل- تحت عناوين شتى- قضم محافظات جنوب اليمن الواحدة تلو الأخرى على حساب السلطة الشرعية؛ فمن أصل 6 محافظات جنوبية يسيطر "الانتقالي" اليوم على عدن، وشبوة، وأبين، فيما تميل له الكفة السياسية والعسكرية في كل من لحج وحضرموت.
وتتجه الأنظار إلى وادي حضرموت الذي يتوقع أن يكون الوجهة العسكرية المقبلة لـ"الانتقالي"، فيما تتبقى محافظة المهرة التي تتقاسم قوى داخلية وخارجية عدة النفوذ فيها، ما يجعل من قضمها مهمة أصعب راهناً.
الحل بيد السعودية
يرى الكاتب والصحفي اليمني كمال السلامي، أن المملكة العربية السعودية "تملك شفرة الحل للمعضلة اليمنية"، لكن- حسب رأيه أيضاً- "تبدو اليوم تائهة وسط التعقيدات، وغياب الاستراتيجية الشاملة في اليمن".
ويوضح، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "في الوقت الذي تحاول جاهدة البحث عن طرق لترويض الحوثيين، لإنهاء الحرب، تتفكك الجبهة اليمنية المناوئة للحوثيين تلك التي تدعمها الرياض، وكل يوم تزداد تشظياً، ويظهر تدريجياً أن التهديد الذي تواجهه الشرعية اليمنية في جنوب اليمن لا يقل خطراً عن ذلك الذي في صنعاء".
ويشير إلى أن الحكومة الشرعية الحليفة للسعودية "أصبحت اليوم هي الحلقة الأضعف في الساحة اليمنية"، معتقداً أن الرياض "هي من تقف وراء ضعف وانحسار قوة الشرعية، لأسباب عدة، أبرزها إجبار الشرعية على تقديم تنازلات مصيرية للمجلس الانتقالي المطالب بالانفصال".
ودعا السلامي الرياض "إلى أن تدرك خطر تفكك اليمن على أمنها القومي، وأن تضع حدوداً للمسموح بالنسبة للإمارات والفصائل التابعة لها".
ويعتقد أن "أوضاع جنوب اليمن اليوم تعزز رواية الحوثيين أن التحالف جاء لتفكيك اليمن، وهذا ليس في مصلحة السعودية".
وخلص إلى أن "السعودية بحاجة لدراسة وضبط علاقتها مع الشرعية، والأهم مع الأطراف اليمنية المنخرطة تحت مظلة الشرعية، وفي المقدمة المؤتمر والإصلاح".
تصعيد حوثي
عملت الرياض على دمج مليشيات تابعة لها وللإمارات وقوات حكومية في مجلس واحد تحت قيادة رشاد العليمي، ومع اختلاف مشاريع كل جهة فإن هذه الخطوة لم تقدم شيئاً سوى مزيد من الصلاحيات للمليشيات الموالية للإمارات، وفق محللين.
وبينما تبدو الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً مفككة وتتصارع فيما بينها، يظهر الحوثيون تمسكهم بقوتهم، من خلال خطواتهم التصعيدية التي تلاقي محاباة دولية خصوصاً من قبل الأمم المتحدة ومبعوثها الأممي.
وتظهر المليشيا المتمردة تماسكها واستعدادها للحرب أكثر من قبل، من خلال ما قامت به مؤخراً مطلع سبتمبر الجاري، من إرسال مئات الزوارق والآليات والمجاميع إلى الحديدة اليمنية، في أكبر تصعيد عسكري تشهده المحافظة المطلة على البحر الأحمر منذ بدء الحرب.
وتسري في اليمن هدنة إنسانية دخلت، في 2 أبريل الماضي، حيز التنفيذ، وتم تمديدها مرتين على التوالي، فيما تخضع الحديدة وتعز بشكل خاص لاتفاق استوكهولم، ورغم التزام الحكومة اليمنية والتحالف بالهدنة والاتفاقات المبرمة، إلا أن الحوثي تنصل منها حتى الآن.