الخلافات بين مركزي القرار في وادي وساحل حضرموت طفت على السطح بصورة غير مسبوقة، تجلت على شكل قرارات ايقاف أعمال لمسؤولين في وادي حضرموت من طرف مركز المكلا الذي بات على ما يبدو يتمتع بنفوذ ومنصب أساسي في مجلس القيادة الرئاسي حديث التشكيل والنشأة.
وحتى نعرف أبعاد تلك القرارات والخلافات دعونا نستدعي أهم ملفاتها التي تفاقمت مع مرور الوقت وتعدد المراحل السياسية التي مرت بها البلاد منذ تعيين فرج سالمين البحسني محافظا والكثيري وكيلا لوادي حضرموت.
تعد نسبة المحافظة من مبيعات النفط وتقسيمها بين الطرفين في مركز المكلا وسيئون أبرز نقاط الخلاف التي ظهرت مبكرا، حيث أعلن المحافظ ابتداء عن تقسيم نسبة الـ 20 بالمئة التي هي استحقاق للمحافظة من كل شحنة نفط، الى جزأين متساويين بين وادي وساحل حضرموت، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث!؟
سرعان ما خالف البحسني تصريحاته بشأن تقسيم نسبة المحافظة بالتساوي، كما أكد ذلك مسؤولي وادي حضرموت مرارا وفي أكثر من مناسبة، لتبدأ أول مراحل الخلاف مع محاولات مسؤولي وادي حضرموت استخراج مستحقات مديرياتهم من تلك النسبة ورفض مركز المكلا ذلك.
يصف مسؤولي وادي حضرموت ما يورد لهم من نسبة مبيعات النفط بالفتات مقارنة بإجمالي المبالغ التي تورد للمحافظة كما كانت قد أعلنت عنها الحكومة في أكثر من محطة، ويعود ذلك إلى محاولة احتكار المركز للإيرادات بناء على عدم انسجام بينه وبين مسؤولي الوادي كما يبدو ذلك جليا.
حالة عدم الانسجام بين قطبي المحافظة الكبرى التي تشكل إيراداتها 70 بالمئة من ايرادات الدولة انعكس بصورة كبيرة على مستوى الخدمات وحياة المواطنين المعيشية والوضع السياسي بشكل عام في عموم المحافظة.
في وادي حضرموت شهدت هذه المرحلة تحسن نسبي في الخدمات وشيدت العديد من المشاريع التنموية في أكثر من قطاع، وبرز الوادي إعلاميا كملتقى لكل اليمنيين وبات محطة لمسؤولي الدولة في عهد الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، وأصبحت سيئون مقرا لوزارات سيادية أبرزها الداخلية، بينما ظهرت مديريات الساحل كمديريات مشتتة ذات تنمية محدودة مقارنة بغيرها، رغم أنها غنية بالموارد ويحتفظ المركز بكل إيرادات المحافظة لديه، إلا أنها لم تشهد ذات التنمية التي حدثت في مدينة سيئون ومحيطها.
وهذا الوضع القائم نتج عنه عدة تساؤلات في الشارع الحضرمي بشأن مصير مليارات الأموال والموارد التي تورد لسلطات المكلا!؟
يبدو أن تنامي هذا الخطاب والتساؤلات في المجتمع الحضرمي أثار حفيظة مركز المكلا وبدأ يعمل على مضايقة مسؤولي الوادي والحد من توريد المبالغ الكافية والمخصصة لمشاريع التنمية، كما يتحدث المسؤولون في الوادي بشكل صريح في هذه المسألة.
وبالتالي اصرار المسؤولون في سيئون على استخراج حقوق أبناء وادي حضرموت من مبالغ الايرادات التي تورد للمحافظة بطرق مختلفة، يبدو انه أزعج المركز في المكلا بصورة بالغة، ووضعه في موقف محرج مع التيارات الشعبية المختلفة ومسؤولي الدولة العليا والرئاسات المتعاقبة التي كانت على علاقات جيدة مع مسؤولي الوادي حينها.
إلى جانب ملف ايرادات مبيعات النفط لعب ملف الطاقة والكهرباء دورا آخر في سياق الخلافات التي تعصف بحضرموت بين مركز المكلا وسيئون، إذ شكلت المحطة الغازية التي وجه بها الرئيس السابق هادي نقلة نوعية في كهرباء مديريات الوادي رغم أنها لم تغطي الاحتياج بشكل كامل، بينما يغرق الساحل بالظلام وخدمات الكهرباء المتردية طيلة سنوات، في ظل وعود بتحسينها لكنها لم تنفذ بعد !
في صيف 2022م بددأ تدهور غير منطقي في كهرباء وادي حضرموت وباتت الخدمة تنهار بشكل كبير، تعلل السلطات ذلك بنقص كميات الديزل الذي يعزز مولدات الكهرباء الغازية نتيجة للهبة الحضرمية الثانية التي باتت تدير ملف الديزل الذي ينتج في مصفاة بترو مسيلة وهي كميات محدودة أساسا، كانت تقسم اجزاء منها بين كهرباء الساحل والوادي واجزاء أخرى تذهب للمواطنين.
ومع إدارة الهبة للملف تناقصت الكميات التي تذهب للكهرباء بحسب الآلية الجديدة وهذا أحدث خلل في ظل عدم قدرة المولدات لتغطية الحاجة الكاملة للسكان.
ذهبت سلطات وادي حضرموت مع ممثلين عن المجتمع المدني للبحث عن حلول لملف الكهرباء والتفكير بإنشاء محطة غازية اضافية بقدرة 270 ميجاوات، إلا انها قالت عبر منصاتها الصحفية أنها تواجه تحديات جمة لم تفصح عن طبيعتها، وظهر مدير الكهرباء يتحدث عن توجيهات عليا بعدم المساس بحقول الغاز في الخشعة ومناطق اخرى في الوادي، وهذا عقد المسألة أكثر.
نقطة الخلاف هنا بدأت واضحة من خلال عدم ارتياح مركز المكلا لتلك التحركات خصوصا بعد ارسال الكثيري للجنة مختصة باتجاه عمان بهذا الشأن ومحاولة التفاوض مع الشركة المزودة بعيدا عن قيادة المحافظة، وهذا المشروع في حال تحقق فإنه سيغطي احتياج كبير من الطاقة لمديريات وادي حضرموت، وفي نفس الوقت سيظهر سلطات المكلا بالعاجز أمام مواطنيها هناك.
ملف القرارات والتعينات التي لم تنفذ هو الأخر لعب دورا محوريا في الخلاف القائم، اذا تعلله سلطات وادي حضرموت أنه مخالف للاطر الرسمية بينما يصر البحسني أنه شرعي ويمثل صلب صلاحياته كنائب للرئيس في مجلس القيادة الرئاسي، وهذا نتج عنه تنفيذ بعض التعينات واخرى ظلت حبرا على ورق.
وفي ظل انسداد الأفق بين المحافظ البحسني والوكيل عصام الكثيري في تفهم الأول لكثير من القضايا، تحرك الكثيري باتجاه #عدن في زيارة خاصة لرئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور العليمي، وهذا يبدو أنه الشعرة التي قسمت ظهر البعير، وعلى ما يبدو عدها البحسني تجاوزا كبيرا لصلاحياته ومكانته، وقد تسبب له احراج كبيرا مع قيادة المجلس المشكل حديثا.
أربعة ملفات تم ذكرها سلفا، ربما كانت خلف اصدار المحافظ البحسني لقرار التوقيف بحق الوكيل الكثيري ومعه مسؤولين آخرين في وادي حضرموت، وهي قرارات ربما تعقد من حدة الخلافات وتشكل منحنى آخر للصراع الذي بدأ ظاهرا بعد سنوات من محاولات اخفاءه بدواعي الحفاظ على اللحمة الحضرمية.